بعد الإشادة التي صدرت من طرف عدد كبير من الدول الأوربية حول الجهود التي بذلها المغرب في مجال التعاون الذي أبدته الأجهزة الأمنية والمخابرات المغربية مع نظيرتها الفرنسية والدول الأوربية الأخرى في مجال مكافحة الإرهاب على الصعيد الدولي، والتي لم تعد تهدد الدول الأوربية فقط، بل تتعداها إلى الدول الإفريقية، تنبري بعض الجهات الحقوقية والمنابر الإعلامية من نفس هذه الدول لتشكك في مصداقية المغرب مرة أخرى في مدى مصداقية مؤسسات الدولة في التعامل مع الملفات الحقوقية وحرية الصحافة والإعلام في المغرب بموجب ما يقره الدستور. ففي القارة الإفريقية ونظرا لهشاشة أنظمتها في غالبية أقطارها، انتشرت هذه الحركات الإرهابية التي زعزعت استقرار كثير من البلدان وعرقلت نموها وبناء اقتصادها، كالصومال الذي ما يزال يعاني من ويلات الاضطرابات، إضافة إلى نيجيريا التي تشهد ارتفاعا متزايدا في العمليات الإرهابية في حق مواطنيها، من طرف منظمة "جماعة بوكو حرام"، بالإضافة إلى ما يجري في مالي والنيجر وغيرها من الدول وهو ما يحتم علينا أن نحدد موقفنا كمواطنين مغاربة مما يجري في هذه البلدان، والدور الذي يجب أن نلعبه ونقوم به بموازاة مع جهود الدولة التي تسعى إلى ضمان استقرارنا الداخلي والحفاظ على أمننا والمضي قدما في تنفيذ وإخراج كل المشاريع والقرارات التي من شأنها أن ترسخ هذا السلم الذي يعود الفضل فيه أولا وأخيرا إلى أجهزتنا الأمنية وإلى قواتنا الملكية المسلحة المرابطة على طول حدودنا الشرقية والجنوبية، حماية لوحدة الوطن، وتجنيبا للمغرب من المخاطر المحدقة به والتي ليست وليدة اليوم، بل منذ استقلاله وهو مهدد في أمنه الداخلي من أطراف خارجية وأخرى داخلية، في الشمال رغم علاقاتنا الودية مع إسبانيا، فإنها ما تزال تترقب هفوة من هفواتنا للمساس بأمننا الداخلي للحفاظ على مصالحها في المغرب، أما في الخط الجنوبي، فالمغرب مهدد من المخاطر التي تشكله عصابات مهربي تجار السلاح ومهربي المخدرات، إضافة إلى الجرم الخبيث الذي ترعاه الجزائر، كل هذا يجب أن نستحضره في هذه المرحلة، حتى لا نفتح الباب للرياح والعواصف لتزج بسفينة المغرب في بحر المجهول. ولأن المغرب مهدد في أمنه الداخلي والخارجي، يجب علي القوى السياسية والجمعيات الثقافية والمنظمات الحقوقية أن تتعامل بحذر وحيطة، إن لم يكن بالرفض القاطع في كثير من الأحيان مع التقارير التي تصدرها جمعيات حقوقية وثقافية أجنبية عديدة تعمل بتوجيه حكوماتها التي تستتر وراءها لتمرير أهدافها، أو مع صحفها التي لا تتورع في نشر مواضيع حول حرية الرأي والتعبير، كما حدث أخيرا مع الافتتاحية التي طلعت بها علينا جريدة لواشنطن بوست، تشكك في قوانيننا ومدى تلاؤمها مع مواثيق الأممالمتحدة، حيث تعتبر أن القانون المغربي في ما يتعلق بالشأن الحقوقي وبحرية التعبير هو قانون غامض، فهي ترفض بشكل أو بآخر أن يكون للمغرب قانون يتعلق بالثوابت وبكل ما قد يمس الأمن الداخلي للدولة على غرار ما هو معمول به في جميع البلدان ومنها أمريكا نفسها، وترفض كذلك أن يكون للمغرب قانونا يحدد ماهية الحريات التي كثر الجدل حولها، وفي أي اتجاه وفي مصلحة من تصب هذه الحريات. إن في كل بلد معارضة سياسية في الداخل، ونشاطها يحددها دستور البلاد، كما أن هناك جمعيات لها إطارها الذي تتحرك فيه، بموجب ما يحدده الدستور كذلك، ولا يمكن تجاوزه أو القفز عليه. وليس من الغرابة أن تطلع علينا بين الحين والأخر تقارير ومقالات من طرف هذه الجهات التي تنكر على المغرب أن يكون في دستوره ما يحدد هويته وثوابته، من طرف كتاب مغرضين أو أنهم لا يعرفون ولا يدرون أنهم لا يعرفون ما يميز هذا الشعب أو ذاك عن شعوب أخرى، وأن لكل بلد مميزاته وثقافته وله الحق في سن قوانين تضمن استقراره واستمراره تحافظ على وحدة مجتمعه وكيانه. والذين يتكلمون عما هو ثابت وما هو متحرك في دساتير الدول ينسون أن في دساتير وقوانين الدول الغربية ما هو ثابت ولا يجب المساس به، وخير مثال على هذا أن في قانون فرنسا ما هو ثابت ولا يجب المساس به، رغم أنه لا يمس الدولة الفرنسية أو المجتمع الفرنسي، بل إنه يمس دولة أخرى هي إسرائيل، ويتعلق بقانون "فانس غيستو" الذي بموجبه تمت محاكمة روجي غارودي حول الهولوكوست التي أصبحت مقدسة لدى جميع الدول الأوربية، والذي تقام له ذكرى سنوية توقد فيه الشموع ويترحم فيها الجميع على اليهود الذين أحرقهم النازيون في الحرب العالمية الثانية، وهي المحاكمة التي لم يستطع أحد أن يحددها كما يصفها مؤلف كتاب "محاكمة غارودي" (هل كانت محاكمة للحرية أم محاكمة للإعلام أم محاكمة للديمقراطية أم محاكمة للحقيقة، أم هي شهادة موثقة في المحكمة على صناعة الزيف سواء كان ذاك في التاريخ المعاصر أو في الحاضر). فهل هناك بين هذه المنظمات والحكومات التي تحميها وتوجهها من يجرؤ منها على المطالبة بإلغاء هذا القانون التمييزي الذي يميز شعبا عن شعب ودولة عن دولة؟ بعد ما تحول إلى بند تحميه الأممالمتحدة بمعزل عن كل القوانين التي تحمي حرية الرأي وحرية الفكر في الدول الأخرى. وعودة إلى ما يحيق بالمغرب من مخاطر، نتيجة لهذا الصراع والتوتر الذي يسود القارة الإفريقية، والذي يفرض علينا أن نعمل من أجل حماية أمننا واستقرارنا، وسد كل المنافذ والثغرات التي يمكن أن يتسلل منها إلى الداخل ما يمكن أن يروعنا ويروع أمننا. فإن استقراء الأحداث من خلال ما يجري في المحيط المغاربي، ينبئ بأن هناك مساعي لخلق الاضطرابات في المنطقة برمتها وفي المغرب بالخصوص، من أجل تغيير المعادلات السياسية والعسكرية في منطقة شمال إفريقيا خصوصا بين المغرب والجزائر، من خلال استباحتها في كثير من الأحيان لحدودنا الشرقية، وإصرارها على تدعيم البوليساريو التي تدخل ضمن ورقة لعبة الدول الكبرى التي تريد أن تبسط سيطرتها الكاملة على المنطقة. إن الذين يدافعون عن الحرية اللامشروطة، والذين يعملون من أجل إلغاء الثوابت، وذلك بأساليب متعددة، والتي يتناولونها بكل حرية، نستطيع أن نجزم قائلين : إنهم لا يستطيعون أن يشهروا أقلامهم في وجه ثوابت دساتير الدول الغربية، خصوصا قضية الهولوكوست التي حوكم بسببها غارودي. ومن يدعي العكس، فليحاول أن يوجه نقده لهذا الثابت في قانون فرنسا أو في البلدان الأخرى.