نظم اتحاد قاضيات المغرب، فرع الجمعية الدولية للقاضيات، السبت الماضي، 2 فبراير الجاري، بأحد الفنادق المصنفة بمدينة طنجة، ورشة تكوينية لفائدة القضاة وطلبة الجامعة حول موضوع “الرشوة الجنسية” . استهل اللقاء بكلمة المستشارة أمينة السكراتي رئيسة اتحاد قاضيات المغرب، والتي أكدت من خلالها على أن مصطلح الرشوة الجنسية ما يزال جديدا، إذ أن غالبية التشريعات الدولية لم تتطرق اليه، بل أن الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد ورغم أهميتها لم تفرد له أي مقتضى خاص. وأضافت السكراتي، أن الجمعية الدولية للقاضيات كان لها السبق لطرح هذا الموضوع من خلال منتدياتها، واشتغلت عليه بهدف تحسيس الأجهزة المكلفة بإنفاذ القانون، ومن بينهم القضاة بخطورة الرشوة الجنسية والتعريف بهذه الجريمة وآثارها المدمرة على حياة النساء واستقرارهن وصعوبات معالجة هذا النوع من القضايا، مؤكدة على أن غياب نص خاص يجرم الرشوة الجنسية لا يعني أبدا غياب امكانية المساءلة، طالما أن النص القانوني المجرم للرشوة لا يشترط وجود المقابل المادي. واستعرضت المتحدثة في هذا المجال، عددا من أمثلة قضايا الرشوة الجنسية في العالم، والتي هزت الرأي العام، والقاسم المشترك بينها هي وجود أشخاص في مراكز صنع القرار يمارسون سلطات معينة، ويعمدون الى “إساءة استعمال السلطة، لجلب فائدة خاصة ذات طبيعة جنسية، أو بتبادل المصالح عبر مقايضة مصلحةٍ بالاستجابة لطلب ذي طبيعة جنسية”. وأضافت، أن تزايد حالات الرشوة الجنسية التي يتم التبليغ عنها في الآونة الأخيرة لا يعني أن الضحايا في المغرب أو في العالم استطعن فعلا كسر هذا الطابو، حيث ما يزال هذا الموضوع محاطا بكثير من القيود التي تمنع من الاقتراب منه. من جهتها، أكدت المستشارة فاطمة أوكادوم، نائبة رئيسة جمعية اتحاد قاضيات المغرب أن موضوع الرشوة الجنسية أصبح حاضرا بشكل متنامي في وسائل الإعلام الوطنية والدولية التي تتناقل كل يوم أنباء عن مظاهر الرشوة الجنسية “الجنس مقابل النقاط”، “الجنس مقابل العمل” ، “الجنس مقابل الترقية” ، “الجنس مقابل الغذاء” ، أو “الجنس مقابل خدمات عمومية”… وشددت المتدخلة، على أن موضوع الرشوة الجنسية، يعد آفة اجتماعية لم تسلم منها العديد من المجتمعات، وهي ظاهرة ذات بعد عالمي توجد في جميع القطاعات وتشكل إحدى تمظهرات العلاقات غير المتساوية بين الرجال والنساء، كما أنها آلية لفرض الهيمنة على المرأة، وتعد شكلا من أشكال العنف الممارس على النساء. وأكدت المستشارة أوكادوم، أن ضحايا الرشوة الجنسية غالبا ما يخترن الصمت، خوفا من الوصم الاجتماعي، وهو ما يزيد من حدة الضغوطات النفسية التي يتعرضن لها، والتي قد تؤثر على استقرارهم العائلي وأحيانا تكون لها تكلفة مدمرة تتجلى في الارغام على الانقطاع عن الدراسة، أو مغادرة العمل، أو التأخير في الترقية، والتهميش والاقصاء والحرمان من خدمات المرافق العمومية. ودعت ذات المتدخلة في ختام كلمتها، إلى أهمية توظيف المستجدات التي جاء بها دستور 2011 والذي يعتبر دستور الحقوق والحريات فضلا عن السياق الحقوقي الذي يعرفه المغرب من أجل توفير حماية أكبر لضحايا الرشوة الجنسية، ومكافحة افلات مرتكبي جرائم الرشوة الجنسية من العقاب. وتطرق الدكتور أنس سعدون، عضو نادي قضاة المغرب، لجريمة الرشوة الجنسية، والتي تتضمن مكونين أساسيين هما المكون الجنسي الذي يتجلى في طلب الانخراط في نشاط جنسي، حيث أكد هذا السياق، على ضرورة الأخذ بمفهوم واسع للنشاط الجنسي، لا يتوقف عند الجماع أو اللمس، وإنما يشمل أي شكل من أشكال النشاط الجنسي غير المرغوب فيه، مثل الكشف عن أجزاء خاصة من الجسم، التقاط صور جنسية، المشاركة في كلام جنسي عبر الهاتف، التعرض للمس غير المناسب، أو أي خدمات جنسية أخرى، ومكون الفساد، والمقصود بالفساد في هذا السياق، هو إساءة استعمال السلطة الموكلة لتحقيق مكاسب خاصة، وهو التعريف المعتمد من طرف منظمة الشفافية الدولية. وأوضح الدكتور سعدون، أنه غالبا ما يقوم الفساد على مكونات ثلاثة تتمثل في إساءة استعمال السلطة واستغلالها، المقايضة، والإكراه النفسي بدل العنف البدني، مستعرضا مجموعة نوازل تمثل تطبيقات عملية لموضوع الرشوة الجنسية، وخلص إلى أن الفاعل في جريمة الرشوة الجنسية هو شخص ذو سلطة، ويقوم باستغلال هذه السلطة عن طريق السعي للحصول أو قبول خدمة جنسية في مقابل السلطة الموكلة اليه. أشغال الورشة التكوينية، عرفت تفاعلا من طرف المشاركين الذين أكدوا في مناقشاتهم على ضرورة الاستمرار في حملات التوعية والتعريف بخطورة جريمة الرشوة الجنسية، وبأنها مجرمة قانونا، حيث يمكن أن تقع تحت طائلة القانون الجنائي؛ كما ثمنوا أهمية إذكاء ثقافة التبليغ بخصوص جرائم العنف القائمة على أساس النوع الاجتماعي. ومن بين أهم التوصيات التي قدمت في ختام أشغال الورشة التكوينية، -ضرورة إعداد دليل للتعريف بجريمة الرشوة الجنسية، توعية وتحسيس الأجهزة المكلفة بإنفاذ القانون بجريمة الرشوة الجنسية باعتبارها فعلا يقع تحت طائلة القانون الجنائي، العمل على مواجهة ظاهرة الإفلات من العقاب عن جريمة الرشوة الجنسية، دعم الضحايا وتشجيع ثقافة التبليغ عن جريمة الرشوة الجنسية، تفعيل الحق في الوصول الى العدالة خاصة بالنسبة للفئات في وضعية هشاشة، أن يتضمن الرقم الأخضر المتعلق بالرشوة امكانية التبليغ أيضا عن الرشوة الجنسية، ضرورة فتح أبحات وتحقيقات في الادعاءات المتعلقة بالرشوة الجنسية بغض النظر عن عبء الاثبات، واعتبار هذا العبء مسؤولية الأجهزة المكلفة بإنفاذ القانون لا مسؤولية الضحايا، تفعيل قانون حماية المبلغين والشهود لحماية ضحايا الرشوة الجنسية، تخليق المرفق العمومي، وتفعيل قانون الحق في الوصول إلى المعلومة.