عادت الحكومة إلى عادتها القديمة التي طبعت بها مسارها طيلة السنوات التي تقلدت فيها مسؤولية تسيير الشأن العام، والمتمثلة أساسا في البوليميك والتجاذب الكلامي والسياسوي في مداره الضيق وتبادل اتهامات من العيار الثقيل في حق بعض الخصوم السياسيين، من دون أن يسفر أي منها، لا عن تحديد المسؤوليات ولا عن اتخاذ التدابير الإجرائية اللازمة مع المعنيين بالأمر، علما بأنها كانت تقتضي على الأقل وضع الرأي العام الوطني أمام حقيقة الأمور، قبل المرور إلى المساءلة وإيداع أمر التحقيق بشأنها إلى الجهات والسلطات المختصة. وفي آخر أنفاس الولاية الحكومية الحالية نفاجأ مرة أخرى بتصريحات تكاد تكون مماثلة، من خلال تصريح رئيس الحكومة، الذي اعتبر أن الاحتقان والوقفات التي جرت بمدينة طنجة احتجاجا على شركة امانديس، عبارة عن إثارة الفتنة وأن هناك جهات تقف وراء ذلك لأغراض معينة، من دون أن يطلعنا عن تلك الجهات إن وجدت طبعا، ولا عن أهدافها من وراء ذلك.. فنهج سياسة الهروب إلى الإمام أو ما قد نسميه تجاوزا بالاختلاق الذي لا يستند على أي دليل إثبات عبر إطلاق باب الاتهامات على عواهنها ومحاولة إقحام عناصر أو جهات في إي احتقان ذي طابع اجتماعي، سيكون من باب العبث، والتداري عن أزمة اجتماعية قائمة،لأن تلك الجهات وان كانت موجودة بالفعل، حسب بعض الإشارات والتلميحات، فهي ليست موجودة بالقوة،كعامل مؤثر، وبتلك الحدة والإصرار والقدرة على التعبئة، ولا يمكن أن يعطى لها دور أكبر من حجمها، ففاقد الشيء لا يعطيه، ولو في حدود الاستغلال الانتهازي الضيق المحدود في الزمان والمكان، مادامت الأزمة القائمة بين الساكنة الطنجوية وشركة "أمانديس" ستعرف لا محالة حلا توافقيا، إن آجلا أم عاجلا، بعد الوقوف طبعا على الأسباب الحقيقية التي كانت وراء هذا الاحتقان، وذلك ما ينتظر الكشف عنه من طرف اللجنة المشرفة على تفكيك خيوط هذه الأزمة وإيجاد الحل المناسب لها. فالكل تتبع بداية فتيل الأزمة، احتجاجا على غلاء فواتير الماء والكهرباء، عبر مختلف وسائل الإعلام، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي الأكثر شعبية وتداولا، من الفايس بوك إلى اليوتيب، وارتفاع أصوات المتضررين الذين عبروا جهارا عن استنكارهم لتلك الزيادات الملتهبة والخيالية وعجز الغالبية العظمى عن أدائها، ومن بينها شريط ذلك الشيخ الذي ظهر في شريط مصور وهو يذرف دموع العجز امام ملايين المشاهدين، مما كان له بالغ الأثر، وزاد من حدة التعاطف مع المتضررين من لهيب تلك الزيادات وتوالي الاحتجاجات التي أججت الوضعية أكثر فأكثر، في غياب أي استجابة من طرف الشركة المعلومة ولا الجهات المعنية محليا ووطنيا، لتطويق الأزمة في حينها، والبحث عن السبل الكفيلة بإيقاف النزيف في بدايته قبل استفحال الأمور، وفسح المجال أمام التأويلات المشار إليها، أو استغلالها بأي شكل من الأشكال.. ولذلك وجب التعاطي مع الأزمات الاجتماعية والمشاكل المطروحة بمزيد من التروي والحكمة، وفي الوقت المناسب ووضع الإشكال الحاصل وغيره من الإشكالات القائمة في إطارها الصحيح بعيدا عن لغة الهمز واللمز، ومحاولة التعويم وإدخالها في متاهات لا أول لها ولا آخر.