أثارت دعوة المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، ردود فعل مختلفة من عدة جهات وأوساط دينية وجمعوية وأكاديمية، لكنها تؤكد مجتمعة على رفض هذه الدعوة سواء من حيث المضمون أو التوجهات أو الاختصاص أو من حيث التوقيت الذي صدرت فيه. وبغض النظر عما صدر من مواقف متشددة أو معتدلة في مقاربة هذه الدعوة من قبل مجلس اليزمي، فإن ما أقدم عليه المجلس من شأنه أن يدخل البلاد والمجتمع في دوامة من الجدل السياسي والفقهي والحقوقي الذي نحن في غنى عنه، بالنظر إلى التحديات والرهانات التي تواجه بلادنا على أكثر من صعيد ومن أكثر من جهة، والتي تتطلب مزيدا من الحيطة والحذر والتعبئة لمواجهتها. فالدعوة إلى المساواة في الإرث على أساس مبدأ "المناصفة"، وفي هذا التوقيت يطرح العديد من الإشكاليات التي ليس من السهل البت أو الحسم فيها بجرة قلم، ما دام أن الأمر يتعلق بموضوع جد حساس بالنسبة للشعور الديني لعموم المغاربة، الشيء الذي يجعل أي دعوة من هذا القبيل مغامرة غير محسوبة العواقب، قد تلقي بالجميع في متاهات لا حدود لها. إن مسألة تعديل مدونة الأسرة كانت مطلب العديد من القوى السياسية والحقوقية والجمعوية، وهو ما تمت الاستجابة إليه في كثير من الأحيان، في إطار مقاربة إصلاحية شمولية تهدف إلى تعزيز مكانة المرأة المغربية داخل المجتمع وصيانة حقوقها ومحاربة التمييز ضدها.، وبالتالي لم يكن هذا الموضوع مخصوصا بجهة معينة، بقدر ما كان يهم جميع مكونات المجتمع المغربي. ومن ثم نعتقد أن الدعوة في جوهرها تنم عن جهل تام بأسس وقواعد الإرث الشرعية ودلالاتها، وتثير الشكوك من حيث أهدافها ومراميها، بل وتتجاوز الثوابت الدستورية للمغرب والتي على رأسها الإسلام وإمارة المؤمنين، ولا تلقي بالا للاجتهادات الفقهية والقانونية الواردة في هذا الموضوع، والتي قاربت موضوع الإرث مقاربة موضوعية ولم تخرج عما نص عليه القرآن في هذا الشأن، والذي هو محط إجماع الأمة المغربية. إن المسألة إذن أكبر من المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وهو بهذه الدعوة ارتكب خطأ فادحا، وقفز على حقائق ومعطيات دينية وتاريخية ومجتمعية، وترك ما هو أولى بالاهتمام والانشغال على جدول العمل الحقوقي، ليذهب رأسا إلى موضوع حساس ومعقد قد تتحول إثارته بجهل إلى استفزاز للمجتمع برمته، دون أن يكلف نفسه عناء فتح نقاش عمومي بين جميع المتدخلين وعلى رأسهم المجلس العلمي الأعلى الموكول له مناقشة والبت في مثل هذه الأمور. فلا التوقيت ولا الطريقة ولا الصيغة كانت ملائمة لتصريف هذه الدعوة بالأسلوب المستفز لمشاعر المغربة الدينية، في وقت لا زال فيه عديد من الملفات الحقوقية الأخرى، في خانة الانتظار. فهل المغرب بحاجة إلى مثل هذه التوصيات بحجة ملاءمة تشريعاتنا الوطنية مع التشريعات الكونية، وفي هذا الظرف بالذات، حيث لا زال الجدل قائما بين الحكومة والجمعيات الحقوقية حول العديد من القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان؟ إن الدعوة إلى "المساواة" في الإرث تظل دعوة مفتعلة وتتسم بالعبث والارتجالية، بالنظر إلى أن الدستور الذي دعا إلى تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة على أساس أن " النساء شقائق الرجال"، لم يستهدف تغيير ما هو منصوص عليه بمنطوق الشريعة الإسلامية حيث إن نظام الإرث يظل مرتبطا بالمنظومة الأسرية والاجتماعية للمجتمع المغربي، وبعاداته وتقاليده وهو ما كان على المجلس التفكير فيه ألف مرة قبل أن يقدم على دعوته هذه، والغوص بدلا من ذلك في تفاصيل موضوع الإرث من الناحية الفقهية والقانونية والاجتماعية لفهم دلالته الشرعية والإنسانية.