في الأسبوع الماضي سلطت الخارجية الأمريكية الضوء على الضمانات المتضمنة في الدستور المغربي حول الحرية في ممارسة الشعائر الدينية بالمغرب، وهو تقرير أعده المكتب المكلف بالديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل، استنادا على أن "القانون الأسمى" (المغربي) يضمن حرية الفكر وممارسة الطقوس الدينية، وأنه في إطار الجهود المبذولة بين المغرب والولايات المتحدة في هذا المجال يجب السماح بوجود أماكن للعبادة لجميع الديانات. وليس غريبا أن تخطو الخارجية الأمريكية هذه الخطوة، فهي لم تنطلق من فراغ حين استندت في تقريرها على ما أقره وسطره الدستور المغربي من ضمان لحرية التدين وغيرها من الحريات التي ينص عليها ميثاق الأممالمتحدة، ولكنها وهي تطرح هذا المطلب، نسيت شيئا أساسيا وهو أنها حين تطلب من المغرب أن يسمح بإقامة مساجد للشيعة وأخرى للبهائيين وغيرهما من الطوائف المحسوبة على الإسلام، إنما يهدف إلى تحقيق هدف سياسي على المدى البعيد، وهو خلق صراع بين المغاربة، والدفع بالمغرب إلى إقرار نظام علماني، يفقد معه طابعه الإسلامي الموحد الذي عاشت في ظله كل الأديان، خصوصا المسيحية واليهودية منذ دخل الإسلام إلى دياره. فالمطلع على المذهب الشيعي يعرف مدى الشرخ الذي يباعد بينه وبين السنة في قضية الخلافة والإمامة، والتي كانت مصدر خلاف دائم بين المسلمين منذ مقتل الإمام علي كرم الله وجهه، والتي ظهرت بشكل قوي بعد مقتل الحسين في كربلاء، حيث زعموا بعد ذلك إن الإمامة لا تجوز إلا في نسب علي ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم سكنته الروح القدس التي هي جبريل عليه السلام، وأن هذه الروح تناسخت واستقرت في علي ثم بعد ذلك في أبنائه وأحفاده، وهو ما أعطى للإمام صفة العصمة، والتنزيه عن الخطأ، وأضفى على الخلاف طابعا سياسيا، لأنه يصب في اتجاه الصراع حول السلطة الدينية والسياسية في آن واحد. فالتقرير يريد أن يعود بنا إلى تلك الحروب الطاحنة التي عاشها المغرب جراء بروز البرغواطيين في المغرب منذ عهد الأدارسة، وهم الذين كانت لهم صلوات أخرى وقرآن آخر، ولم يقض عليهم إلا المجاهدون المرابطون، وكانوا يسمونهم بالمجوس، حيث إن بعض بقايا معتقداتهم ما تزال قائمة بالمغرب. وهو نفس الأمر لدى جزء من الشيعة وليس كل الشيعة. وحين يلجأ التقرير الأمريكي إلى الاستدلال بميثاق حرية الأديان، ينسى أن للمغرب خصوصياته كما هي لدى عدد كبير من الدول، ولديه هوية دينية حافظ عليها، وسيحافظ عليها، فالتقرير يبحث عن محاولة إذكاء صراع طائفي ومذهبي ليكون مدخلا إلى التطاحن بين المغاربة، الذين عاشوا على مذهب واحد وقرآن واحد ويقيمون صلواتهم في مسجد واحد، حيث أنه ليس في الإسلام تعدد المساجد وتعدد المصاحف. فالصلوات في الإسلام حددها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن لأحد آخر من بعده أن يقرر في عددها أو يشكك فيها، والمسلمون الذين يستمدون عقيدتهم التوحيدية من القرآن والسنة، لا يؤمنون بكل من يدعي النبوة بعد الرسول، وهذه الدعوة من طرف الأمريكيين، إنما هي شرعنة لا قدر الله لتفكيك الإسلام وإفراغه من قيمه التوحيدية والوحدوية في المغرب والتي ستكون المدخل للاقتتال بين المغاربة لتمرير بعض المشاريع التي تخدم مصالحهم المادية والسياسية وتفتيت وحدة الدولة المغربية الدينية، وإذكاء النعرة الطائفية والمذهبية، والتي صاحبت مسيرة الإسلام، منذ ظهور الخوارج والشيعة اللذين يمكن أن يقال عنهما، وحسب ما وصفهم بذلك عدد كبير من المؤرخين بأنهما أقدم حزبين سياسيين في تاريخ الإسلام، لأن الصراع الذي دار بينهما وبين المسلمين الآخرين، إنما كان صراعا حول الدولة الدينية والدولة الدنيوية؟ إن لهذا التقرير أبعاده السياسية والفكرية، فهو يصب في مخطط تخريب الدول ومنها المغرب التي استعصى على القوى الاستعمارية المناهضة لوحدة الشعوب التحكم في قراراته السيادية، إذ بفضل هذه الوحدة ظل المغرب متماسكا عبر كل القرون، وحافظ من خلالها على وحدة كيانه الوطني، إلى أن تكالبت عليه مختلف القوى الاستعمارية، وهي الآن وفي ظل هذا التقرير، تحاول أن تفتح الشرخ في صفوفه لصرفه عن الاهتمام بقضاياه الكبرى التي يتطلع إلى تحقيقها في ظل وحدة المذهب والعقيدة، وفي ظل ديمقراطية متجددة وحقيقية تأخذ بالاعتبار خصوصياته وتحترم هويته التاريخية التي تفتقد إليها العديد من الدول الناشئة. لذا فإننا كدولة إسلامية، يجب أن نتعاطى مع هذا التقرير، بكل ما يمكن أن يجنبنا السقوط في سجال بيزنطي لا فائدة من ورائه جراء محاولة اختلاق خلافا في الفكر، الذي تريد بعض الأطراف المعادية لوحدة المغرب الدينية والسياسية استغلاله لتحقيق أهدافها التي استعصت عليها بفعل التلاحم الذي ظل يحكم المغاربة عبر كل القرون..