لم يعد أحد ينتبه إلى فوضى تدبير، بل تبذير، المخطط الاستعجالي"، المدعى إصلاح التعليم الابتدائي والثانوي والعالي. ولم يعد أحد ينتبه إلى أن كمية الصفقات المرتجلة التي لا تصنع بالضرورة الإصلاحات الكيفية المنتظرة. ولم يعد أحد ينتبه إلى مستوى المحتوى التعليمي الذي يبدو كأنه لا فيه "تربية" ولا هي "وطنية"! كما لم يعد أحد ينتبه إلى تراكم لغات تبليغ غير مبلغ، بين "أبجدية" اللغة العربية التي لم تعد وحدها الرسمية، و"ألفابية" (alphabet) لغة فرنسية تلاشت على المستوى الثانوي لتعود بقوة عند تلقين تخصصات جامعية بلغة موليير اللاتينية. إضافة إلى كتابة "تفناغية" طغت ديماغوجية التسرع في تعليمها قبل التحضير المحكم لبيداغوجية معلميها! نعم، غاب الانتباه إلى صلب الموضوع، حين صار كل ما أصاب المنظومة التعليمية مختزلا في "فراجة" سنوية على تطوير وسائل الغش من طرف الطلبة والتلاميذ، وتصعيد ردود الفعل المضاد من طرف الأطر الدراسية، بل بتدخل الشرطة القضائية. لكن ما خفي كان أعظم! فكم حاجة قضاها مسؤولون يقولون ما نريده، ليفعلوا ما يريدون، صاروا يحصرون كل الديمقراطية في تنظيم الاستحقاقات الانتخابية! ويحصرون كل إشكالية المنظومة التعليمية في تنظيم الامتحانات المتتالية. وكل الإصلاحات الموعودة ضد الفساد والتبذير والمحسوبية والارتشاء ومحاربة الريع في نشر اللوائح التشهيرية. ويحصرون، في أذهان ما تبقى من الناخبين، كل التمثيلية الديمقراطية في وزيعات استوزارية ترقيعية الترضية أكثر ما هي رابطة الكفاءة بالمسؤولية... أما حصر كل المنظومة التعليمية عند شجرة مراقبة الغشاشين في الامتحانات فذلك يحجب غابة كل ما تبقى تدبيره! لمواجهة تدني مستوى ومنهجية وضمان نجاعة كل التحصيل، لتفادي سوء التوجيه والهدر ونجاعة ربط محتوى التعليم بحاجيات التكوين والتشغيل. كما تطرح، إلى جانب سوء نية الطلبة الغشاشين، إشكالية الوسائل البشرية للحراسة المشددة، وقبلها إشكالية الأسلوب التعليمي المعتمد على الإملاء الذي يفتح شهية "النقلة". لا يمكن تبرير أدنى حالة غش في امتحانات تطالب الآخرين بالجد والاجتهاد للحصول على أعلى النقط. لكن هناك بعض التفسير لتفشي الظاهرة بين أعداد متزايدة من التلاميذ والطلبة. فلا يمكن تبريره، يمكن تفسيره! إذ كيف للمتعلم اعتبار التعليم، من الابتدائي نحو العالي، في إطار "تربية وطنية؟" مع احترام معلم "كاد أن يكون رسولا"، صار معرضا للشتم بل الضرب؟ وكيف، عند امتحان لا يعز فيه المرء الغشاش، لا تهان خلاله كل سبل العرفان ومعها كل الأمثلة المثالية. حين يلاحظ التلميذ المجتهد والمتخلق إلى أي حد لم تعد النخبوية كافية لولوج أعلى درجات المسؤولية، وكيف أن الكفاءة لا تؤدي حتما إلى تكافؤ الفرص أمام درجات المحسوبية والزبونية السياسوية وحسن استثمار العلاقات العائلية. عندما يعترف المشرع رسميا أن رئاسة "جهة متقدمة"، بكل وسائلها البشرية والمادية المنتظرة، يمكن تسليمها حتى لمن لا شهادة تعليمية له، كيف يعقل أن تستمر ميزانية الدولة في صرف الملايير لتكوين مئات الحاصلين على شواهد الآداب العصرية والدراسات الإسلامية والعلوم الفيزيائية والبيولوجية مع العلم أنهم يكونون 80٪ من عطالة حاملي الشواهد. إلا إذا أراد المسؤولون الحاليون، الواعدة حملاتهم الانتخابية السابقة بكل الإصلاحات المهملة اليوم بين طيات ملفات الانتظارات، بعد دفع أجور الدراسات والتصفيق لتوصيات المناظرات.