واخيرا تم الاعلان عن الشروع في فتح باب التسجيل امام الارامل ( المرشحات ) للاستفادة من (صندوق) دعم مالي مباشر , الذي سبق أن أثار , وأثيرت بشأنه , الكثير من النقاشات والمواقف المتناقضة حتى داخل الاغلبية الحكومية وخاصة بين ( البيجيدي ) وبعض اطراف ائتلافه الحكومي . الان, وحسب بلاغ رسمي , اصبح بامكان الارامل , ( في وضعية هشة) اللائي لهن ابناء, تقديم طلباتهن للاستفادة من دعم مالي ( بمبلغ 350 درهما - شهريا – ) عن كل طفل يتيم في طور الدراسة . الإعلان عن ذلك , وقبل الحديث عن جوانبه السياسية , يلاحظ أن ما سمي بالدعم المالي الشهري للارامل , يثير , اولا , العديد من الملاحظات المباشرة والمحدودة في شروطه ومدى تأثيره وظروف خروجه الى الوجود . وهنا يتبادر الى الذهن ما يمكن ان يعترض السيدات المعنيات من صعوبات عند اعداد الملف المطلوب , وخاصة امام الادارة واللجنة الاقليمية او المركزية التي يعود لها البت في الطلبات بالرفض او القبول , علاوة على الضعف القائم على مستوى امكانيات التواصل والاخبار . من جهة ثانية , وكما يشير البلاغ الى ذلك , فشريحة الارامل المعنية تبقى محدودة , من الناحية العددية, لان الاستفادة مشروطة بان يكون الاطفال في وضعية تمدرس , وان لا يتجاوز مبلغ الاستفادة 1050 درهما ( اي في حدود ثلاثة اطفال), والى بلوغ سن 21 سنة , علما بانه لا يمكن للمستفيدة الجمع بين هذا الدعم واي نوع اخر من الدعم بما في ذلك المنح الدراسية او الدعم المقدم في اطار برنامج ( تيسير ) , او ( اي معاش او تعويض عائلي او دعم مباشر يدفع من ميزانية الدولة او ميزانية جماعة ترابية او مؤسسة او هيئة عمومية ) . وبمثل هذه الشروط , المثبتة في المرسوم الصادر في 4 دجنبر 2014 بالجريدة الرسمية , يرجح ان تبقى فئات واسعة من الارامل , ولاسيما في البادية , بعيدات عن اية استفادة من هذا الدعم , الذي روج له كثيرا , وقدمته بعض الاطراف الحكومية , ومازالت تقدمه ,على انه ( إنجاز) اجتماعي يمكن ان يغير من اوضاع هذه الفئة المهددة والمعرضة لكل المخاطر والتداعيات السلبية . والغريب , كل الغرابة , هو ان تستمر الدعاية السياسية والحزبية لهذا ( الانجاز ) تجاه أوساط اجتماعية محددة , بينما تشير كل المعطيات الى ان ( دعم الارامل ) , في هذه الشروط , لا يرقى الى المستوى الذي يمكن معه ان يعطي نتائج حقيقية وان يخفف من المشاكل الاجتماعية ويحد من رقعة الهشاشة ومن مظاهر المعاناة القاسية . وهذا ما يدفع بالكثيرين الى التساؤل عن سر هذا ( التباهي ) , ولماذا يعمد رئيس الحكومة وبعض وزرائه وحزبه ( الاغلبي) الى الترويج لانجاز وهمي لا يمكن وصفه حتى بالمسكن , بالنظر الى حجم وحقيقة الخصاص والتأخر الحاصل في معالجة الاسباب الجوهرية للمشاكل الاجتماعية, ومنها ظروف المرأة والأسر المغربية . يحدث ذلك في زمن مفروض الانتباه إلى عواقب سياسة التمويه والهروب الى الامام والمزايدات الفارغة . فالزمن هو الان زمن المراقبة والمحاسبة , زمن التعامل مع المعطيات على اساس حقائق الواقع وحصيلة المسار . والنظرة الموضوعية , التي لا يتجاهلها إلا جاحد , تعطي الدلائل تلو اخرى على ان الاختلالات الحادة المسجلة في الاوساط الاجتماعية الشعبية ( بالخصوص) تعود الى تخلف الحكومة وعدم قدرة برامجها على تصحيح هذه الاختلالات . لأن تصحيح الأوضاع وتحصين مختلف الفئات الاجتماعية من الهشاشة والفقر , يتوقف على الالتزام الكامل بالتوجه الاصلاحي العام الذي حدد دستور 2011 معالمه الرئيسية . ففيما يتعلق الموضوع بالنساء , فليس في مستطاع الحكومة , واجهزتها المختصة , ان تنكر التأخر , بل والتراجع الحاصل في مجمل قضايا النهوض بأوضاع النساء وحمايتهن من الضغوط والتعسفات المتصلة بالنظرة الدونية والمفاهيم المحافظة التي تحكم التدبير الوزاري الحالي لشؤون المراة والاسرة . وللاختصار أكثر , تكفي الاشارة الى القضايا الساخنة , والمثيرة للتوجس والتخوف من المفاجأت ,غير السارة , وخاصة منها ما يتعلق بمصير صندوق المقاصة واصلاح انظمة التقاعد ,ومآل العديد من الملفات الاجتماعية التي تجسد عينيا معاناة الأسر المغربية والتي لا يمكن التمويه عليها او إخفائها ب ( دعم ) فئوي عليه الكثير من الملاحظات والمؤاخذات . ولذلك، فان البداية الصحيحة والسليمة لمواجهة الهشاشة تكون من معالجة طامة البطالة التي وصلت معدلاتها ازيد من 10 بالمائة , وبتوفير الخدمات الاجتماعية الاساسية لكل الفئات ذات الدخل المحدود , والوصول الى تسوية ناجعة وعادلة لملف صناديق التقاعد وصندوق المقاصة , وحل ازمة المدرسة المغربية واشكالات التربية والتكوين , والتقليص من الفوارق الاجتماعية والمجالية , والعمل الجدي على النهوض بمكانة المراة وبحقوقها الكاملة ... نعم , محاربة الهشاشة لا ولن تتم بالخطوات العرجاء وبالتدابير الفئوية الفارغة ... محاربة الهشاشة تتطلب سياسة منسجمة قادرة على تحقيق خطوات ملموسة عن طريق النهوض الشامل بأوضاع البلاد والعباد .