بعد سنة كاملة من نسيان تام، من الجانب الحكومي ومن (غير) القارىء المغربي، لشتى أنواع الكتاب الثقافي، وبعد أن تأكد التعاطي المتزايد لمشاهدة الشاشة الصغيرة، قليلا لإنتاجات «تكليخية» الداخلية للفضاءات الخارجية، من طرف مغاربة أكدت الدراسات الميدانية الأخيرة تعاطيهم للقراءة خلال دقائق يومية معدودة، وجلوسهم بمعدل ساعتين بالمقهى، حيث يتناوب الزبناء على قراءة نسخة واحدة من كل جريدة والاكتفاء بشراء فوطوكوبي الكلمات المتقاطعة... بعد سنة كاملة من الفراغ الثقافي، تزدحم خلال هذه الأيام المعدودة والمحدودة كل الأنشطة الموسمية المتعلقة بالكتاب والكتابة! كأنها تريد تقديم قليلها في أقل مدة، عساها تظهر في أحسن حُلة! ازدحام موسمي عابر يجمع بين انعقاد فعاليات الدورة 21 للمعرض الدولي للكتاب والإعلان عن جوائز المغرب للكتاب وعن نتائج جائزة البوكر للرواية العربية. تراكم في الزمان والمكان، هنا والآن، لتحويل التغطية الثقافية المستمرة إلى غطاء ظرفي لانعدام انتشار الكتابة وتنوعها، بعدما اضطرت لجنة جائزة المغرب للكتاب إلى حجب جائزة الشعر خلال الدورة الحالية، وغطاء ظرفي لقرب انقراض الناشرين المغاربة. عندما تأتينا مشاركة فلسطين المقاومة والمحاضرة بعشرة ناشرين في المعرض الدولي للكتاب بالمغرب، بينما نلاحظ إفلاس شركات مغربية للنشر في تراجع واضح لعددها وجودة خدماتها، كما تدل على ذلك هيمنة الناشرين الأجانب على طباعة وتسويق كتابات متميزة تمثل أصنافا إبداعية مغربية معتمدة في الجوائز المقدمة لمختلف الفروع الأدبية والعلمية («نقد التراث في صنف العلوم الإنسانية» صادر عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت، «التبالغ والتبالغية» الصادر عن دار كنوز المعرفة بعمان، «روح الديمقراطية» عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر ببيروت)!. أما المسؤولية عن كل هذه التراجعات فلا تعود فقط إلى القطاع الوزاري المكلف بالشؤون الثقافية، رغم ما يُنتظر منه من حكامة تدبيرية أكثر عقلانية، بتراجع التبريرات الخطابية. إذ هناك كذلك تراكمات اقتصادية- اجتماعية تربوية، تعليمية وذهنية لها آثار سلبية عميقة على حال ومآل الكتابة والقراءة والنشر والتوزيع. إضافة إلى تطورات تكنولوجية جديدة وعادات استهلاكية جديدة، فرضتها الثورة الرقمية الحالية. بعد كل ما حملت معها من هواتف محمولة ومواقع الأنترنيت بالآلاف المؤلفة، بخيرها وشرها الذي عوض المحاورة والمراسلة ببضع كلمات SMS تكتب كما تسمع، في غياب تام لكل إبداع في الأسلوب ولا حتى احترام أبسط القواعد الإملائية! كما تراجعت فرص القراءة المركزة أمام اقتحام اللقطات الفايسبوكية التافهة! هذا بالموازاة مع تراجع بناء الخزانات الجماعية لتقريب الكتابة من القراءة. بعدما أصيب الوعاء العقاري الحضري بمضاربة التجزئات والعمارات، وبعدما تراجع اهتمام المنتخبين بإنشاء المرافق الثقافية، بل حتى بحسن تدبير الفضاءات القليلة الحالية، هل سمعتم يوما عن رئيس جماعة محرج أمام تعدد ططلبات التفويض من طرف نوابه لتدبير الشؤون الثقافية؟ أبدا! لأن كل ما يتعلق ب «وْزيعة» التفويضات (التي تعكر صفو تسيير عدة جماعات) ينحصر حول تتبع الصفقات والترخيص لرخص البناء والسكن والتجزءات والأنشطة التجارية واستغلال مؤقت (يصير دائما) للفضاءات العمومية... مع العلم أن ما أصاب «السيديات» الغنائية من قرصنة ألحقت خسائر جسيمة بآخر منتجي الألبومات (ما أصابهم) أصاب مؤخرا حتى الكتب الجامعية أو غيرها من المؤلفات المحولة إلى فوطوكبيات معروضة بسويقة درب غلف البيضاوية، تباع بأقل من ثمن عرضها على القراء من طرف ناشرين مُفلسين! سيغيرون قريبا تجارتهم، بعدما تحولت عدة محلات لبيع الكتب إلى مقاهي أو محلبات (!).