بعد قطيعة بين الطرفين استمرت لشهور، من المنتظر أن يكون مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات قد اجتمع بالمكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب مساء أمس الجمعة لمناقشة التصورات والملاحظات التي تقدم بها النادي بخصوص مشروع القانون المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة، وذلك بعدما أثارت مسودة الوزارة حول المشروع المذكور حفيظة القضاة، حيث اعتبروا أنها تكرس لسلطة الوزارة على القطاع، وتراجعا عن مكتسبات الجسم القضائي بالمغرب. واعتبرت مصادر من داخل نادي القضاة هذه المبادرة جد متأخرة، وقالت في هذا السياق إنه كان من المنطقي أن يتم إشراك النادي في إعداد هذه المسودة، التي تحمل تراجعات كبيرة ليس فقط عن دستور 2011 ولكن حتى عن ظهير 1974 المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة على عدة مستويات تصل إلى مستوى الالتفاف على الدستور في باب استقلال السلطة القضائية، لكون هذه المسودة كانت بمبادرة فردية من وزارة العدل والحريات، حيث لم تعتمد على المقاربة التشاركية، ولم تأخذ بعين الاعتبار إرادة ورغبة القضاة. وذكرت المصادر أن أعضاء المكتب التنفيذي سيدافعون خلال هذا اللقاء بقوة عن كل ماجاءت به مذكرة النادي من تصورات علمية، وسيقفون ضد ما تضمنته مسودة مشروع قانون التنظيم القضائي للمملكة من تراجعات فيما يتعلق بالمكتسبات الدستورية التي حظيت بها السلطة القضائية وعلى رأسها مكسب الاستقلالية وضرورة الابتعاد عن كل أنواع التأثير على القرار القضائي. وفيما إذا كان هذا اللقاء يعتبر إشارة لبداية علاقة جدية بين الوزارة الوصية والنادي، قالت المصادر إن" الأمور مازالت لم تعد إلي مجاريها، مستدركة "لكن نعتقد أنها ستعود قريبا وننتظر توصيات المجلس الوطني المقبل ليمنح الضوء الأخضر للمكتب التنفيذي". وكان نادي قضاة المغرب قد اعتبر، في مذكرته الموضوعة على طاولة الرميد، أن المسودة، على المستوى الشكلي، اعتمدت أسلوبا فضفاضا في التعبير عن المحتوى التشريعي سيؤدي إلى فتح الباب للتأويلات والتأويلات المضادة عند تنزيل مضامين القانون، وسيؤثر بالتالي على مضمون استقلال السلطة القضائية واستقلال الرأي القضائي، أما على مستوى النصوص فإن المسودة جاءت مشوبة بنوع من التضخم. ولاحظ النادي أن المسودة، على المستوى الموضوعي، تضمنت مجموعة من المقتضيات التي تمس بجوهر الدستور من جهة، وتتعلق بمواضيع خارجة عن نطاق القوانين المنظمة للتنظيم القضائي من جهة أخرى، مشددا على ضرورة "مراجعتها وعدم تمريرها على شكلها الحالي، لما فيها من محاولة للنيل من الاستقلال الحقيقي للسلطة القضائية في بعض جوانبها إفراغ هذا الاستقلال من محتواه، وكذا لما فيها من تقليل من مستوى جودة وقيمة النص التشريعي في حد ذاته ." وأشار النادي إلى أن مسودة مشروع قانون التنظيم القضائي للمملكة تضمنت مجموعة من المغالطات، وهو ما اعتبره "محاولة للالتفاف على المكتسبات الدستورية التي حظيت بها السلطة القضائية وعلى رأسها مكسب الاستقلالية وضرورة الابتعاد عن كل أنواع التأثير على القرار القضائي، مطالبا في هذا الصدد بإعادة النظر في كل مقتضى من شأنه المس بهذه الاستقلالية، والتراجع عنه والالتزام بروح الدستور ومنطوقه، وداعيا الجهة المكلفة بالإشراف على المسودة إلى تجاوز المساس بالاستقلال المالي والإداري للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي يتجسد من خلال وضع يد السلطة الحكومية المكلفة بالعدل على هذا الاستقلال. وانتقدت المذكرة بشدة التدخل المباشر وغير المباشر في شؤون السلطة القضائية، من خلال وضع الآليات التي تبقي للسلطة الحكومية موطئ قدم في تسيير وتدبير ومراقبة العمل القضائي، والخرق السافر للمقتضيات الدستورية من خلال جعل الخريطة القضائية من اختصاص السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، وذلك برغبتها ممارسة التأثير عليها بموجب آلية المراسيم التي أعطت لنفسها حق المبادرة فيها وإبقاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية مجرد جهة استشارية، بالإضافة إلى ما تضمنته المسودة من توظيف لآلية المرسوم من أجل التدخل في التوزيع الداخلي للعمل القضائي للمحاكم، من خلال إجازة إحداث غرف بالمحاكم بناء على مرسوم، كما أن المسودة تضيف المذكرة، " عملت على تقليص هامش الحريات التي أصبح يتمتع بها القضاة، كما عملت على التضييق على الحريات الأساسية للقضاة باعتبارهم مواطنين". كما انتقدت المذكرة التراجع عن القضاء المتخصص، معتبرة أن المبررات التي وضعها واضعو هذه المسودة في هذه النقطة تبقى واهية ولا أساس لها، مطالبة بضرورة تطوير القضاء المتخصص والعمل على الزيادة في عدد المحاكم المتخصصة بدل الاكتفاء فقط بالغرف المتخصصة . واستغرب النادي من "التراجع الخطير الذي شهده مركز القضاة من خلال إضعافهم أمام المسؤولين القضائيين "، مشيرا إلى أنه "في الوقت الذي عملت مسودتا القانونين التنظيميين لرجال القضاء والمجلس الأعلى للسلطة القضائية على تكريس نظام التنقيط و جعله سيفا مسلطا على رقاب القضاة ، ها هي مسودة مشروع قانون التنظيم القضائي للمملكة تعمل على إكمال الصورة من خلال إضعاف كل من قضاة الأحكام و قضاة النيابة العامة أمام المسؤولين القضائيين". أما بخصوص الجمعيات العمومية، فقد أشار النادي إلى خطورة تغافل هذا المطلب والعمل في المقابل على تعميم تجربة محكمة النقض على باقي محاكم الموضوع، معتبرا في هذا الصدد أن الإبقاء على هذه الوضعية بالشكل الحالي الذي ورد بالمسودة يشكل ضربة قاضية لمبدأ الاستقلال الفعلي والحقيقي للسلطة القضائية.