من يقف وراء تسريبات " كريس كولمان 24"؟ وهل صحيح أن الذي يقف وراء هذه العملية المخابرات الجزائرية أو من ينوب عنها من قراصنة الشبكة العنكبوتية؟ أم أن هناك جهات أخرى تعادي المغرب، وتتعاون بشكل منظم مع مخابرات النظام الجزائري في إطار حرب جديدة في نوعيتها وآلياتها وأهدافها؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات، حيث لا يفصلنا عن اجتماع مجلس الأمن المقبل حول الصحراء إلا شهورا قليلة، للبت في مصير هذا الملف، بعد أن ظهر بالواضح أن الطرف الآخر يسعى بكل ما أوتي من قوة إلى إفشال جهود المغرب من أجل حل النزاع في إطار مقترح الحكم الذاتي، كما أن الأممالمتحدة فشلت في أن تكون وسيطا نزيها في هذا الملف، وتبين أنها اختارت الانحياز بدل الحياد الموضوعي والإيجابي من أجل تقريب مواقف أطراف النزاع من الحل المنشود؟ أسئلة كثيرة تطرح، خاصة بعدما عاد المدعو " كريس كولمان" منذ يوم الجمعة الأخير، إلى استئناف تسريب وثائق حساسة عن الخارجية والمخابرات العسكرية المغربية، على موقع التواصل الاجتماعي " تويتر"، وذلك بعد فترة وجيزة جدا من التجميد الذي قامت به إدارة الموقع، قبل أن يقنعها بفتح حسابه، وهوما يجعل هذا التطور الجديد يعيد هذه القضية التي كما هو معلوم وصلت إلى مجلس النواب - حيث طالب مجموعة من النواب باستدعاء وزير الشؤون الخارجية والتعاون، للمثول أمام لجنة الخارجية بالغرفة الأولى، لتقديم التوضيحات اللازمة حول عملية التسريب إلى المربع الأول. فالمدعو "كريس كولمان 2 قرر استئناف شن حربه " الرقمية" على بلادنا بتسريب المزيد من الوثائق، بعد أن تمكن من "اختراق" قاعدة بيانات الوزارة والحسابات البريدية لدبلوماسييها، وهو قرار لا يمكن أن يخضع لمزاج شخصي بقدر ما هو صادر عن جهة لديها أجندتها ومخططاتها المعادية للمغرب. وسواء كانت هذه الجهة المخابرات الجزائرية ، أو كما قيل " تيار داخل الدولة الفرنسية" هي التي تقف وراء عملية التسريب، فإن الخطير في الأمر هو أن حكومتنا "الموقرة" إلى حد الآن ظلت واقفة عند " ويل للمصلين"، فلا هي استطاعت تعزيز اتهاماتها للنظام الجزائري واستخباراته العسكرية ب" أدلة دامغة" ووثائق "تقنية"، تكشف تورط النظام الجزائري في هذه اللعبة القذرة أمام الرأي العام الدولي، ولا هي خرجت من دائرة الصمت والوقوف موقف المتفرج باستخدام شبكة علاقاتها الخارجية من أجل الوصول إلى تجميد هذا الحساب بصفة نهائية، ولا هي كذلك قادرة على فتح تحقيق في هذا النازلة الخطيرة، مثلما حدث مع فضيحة ملعب الأمير مولاي عبد الله. و الأخطر من هذا كله هو أن المدعو "كريس كولمان" هدد هذه المرة بنشر وثائق أخرى " أكثر حساسية"، عن مؤسستنا الدبلوماسية والاستخباراتية فيما يتعلق أساسا بقضية الصحراء واللوبي المغربي العامل في الخارج، معلنا بذلك عن موقفه الواضح المتعاطف مع البوليساريو. فهل أصبحت بعض أجهزتنا ومؤسساتنا الحساسة مخترقة إلى هذا الحد؟ سؤال نطرحه من أجل معرفة الحقيقة، وعلى الحكومة أن تجيب بكل وضوح ومسؤولية عن هذه النازلة الخطيرة التي تكشف مدى الترهل الذي أصاب هذه الأجهزة والمؤسسات، فقد آن الأوان لتقييم الوضع ووضع اليد على الأسباب وتحديد المسؤوليات. فلا ينفع نشر أن " مجموعة من الهاكرزالمغاربة، استطاعوا كشف اللثام عن الشخص الذي يقف وراء هذه التسريبات، لأن السؤال المقلق هو، لماذا استطاع هذا الشخص أو أي جهة معنية، بكل سهولة اختراق البريد الإلكتروني لمؤسسات تعتبر حساسة واستراتيجية ومرتبطة بقضية الأمن السيادي والوطني والاستراتيجي للمغرب فلا يجوز الوقوع في مثل هذا الخطأ، الذي مكن شخصا أو جهة معينة، من الوصول إلى "وثائق"، من المفروض أنها تدخل ضمن أسرار الدولة. إن توجيه المغرب لأصابع الاتهام إلى الجزائر بوقوفها وراء هذه التسريبات، يظل أمرا مشروعا، ما دام أن ما يسمى ب "كريس كولمان 24"، يركز على وثائق تعود للخارجية والمخابرات المغربية، ويقول إنها "حساسة"، تهم قضية الصحراء، وبالتالي يبقى النظام الجزائري هو الجهة التي لها المصلحة الأولى والأخيرة دون غيرها من الدول الأخرى، في شن مثل هذه الحرب القذرة الجديدة، على بلادنا، سعيا وراء تحقيق أجندتها التقليدية الرامية إلى فصل الصحراء عن وطنها الأم المغرب. فإلى متى تظل حكومتنا «الموقرة» بعيدة عن استيعاب أن زمن الحروب التقليدية قد ولى، وأن الحروب بين الدول عرفت تحولات عميقة، وأنه لا مجال للتقاعس عن تطوير الأنظمة الأمنية الحساسة وتعزيز آليات حماية المصالح السيادية والاستراتيجية؟، فنشر وثائق سرية لمؤسسات مغربية أو لمسؤولين مغاربة واختراق حساباتهم الإلكترونية بكل هذه السهولة يضع " أمننا الإلكتروني" أمام تحديات حقيقية ومخاطر كبرى، في وقت لا يجب ترك ذلك للمصادفات ولا للاحتمالات، فالمغرب سيظل مكشوفا للأعداء والأصدقاء، إذا بقيت العشرات، بل المئات من مواقع مؤسساته الحساسة لا تتوفر على أي حماية إلكترونية، ولم تنتبه الجهات المعنية إلى أهمية وخطورة الأمن الإلكتروني، خاصة أن الخصوم يريدون الشر ببلادنا ويسعون إلى زعزعة استقرارها وأمنها وضرب وحدتها الترابية.