الوضعية الحالية للعقار بالمغرب تحتمل عدة قراءات ومن جوانب عدة، خصوصا منها الجانب الرسمي من حيث الإحصائيات المنجزة من طرف عدة إدارات، كالإدارة العامة للمحافظة العقارية والمديرية العامة للضرائب ووزارة السكنى وبنك المغرب وبعض الجهات المعنية بالموضوع. ومن خلال هذه الإحصائيات يتبين أن هناك انخفاضا في مؤشرات سوق العقار بالمغرب، والتي تتجه في مجملها إلى نوع من الركود على مستوى تصريف بعض المشاريع العقارية، وتردد بعض المنعشين العقاريين في إنشاء مركبات سكنية جديدة خوفا من المستقبل المجهول، وركود استثمارهم العقاري بفعل النقص في الإقبال على اقتناء العقارات خلافا للمراحل السابقة، حيث كان يتم بيع المشروع قبل الشروع في إنجازه ومن خلال التصاميم فقط. يتضح أن عددا كبيرا من المنعشين العقاريين انسحبوا من السوق العقاري، والذي كان يتهافت عليه منذ نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات أناس لاعلاقة لهم، لا من قريب ولا من بعيد، بميدان إنشاء المشاريع العقارية نظرا لطبيعة السوق المغربي الحر، وعدم تقنين هذا الميدان. وسنحاول شرح الوضعية الحالية لسوق العقار بالمغرب، دون التوغل في تفاصيل الإحصائيات، علما بأن هذه المؤشرات تتغير من فينة إلى أخرى وليست بمقاييس ثابتة ودائمة. الوضعية الحالية لسوق العقار بالمغرب المجال العقاري بالمغرب سوق مفتوحة وحرة، ويصبح فيها المنعش العقاري، أي منعش، ذا صفة شخصية أو معنوية، إلا أن تدخل عدد من المتطفلين الذين تهافتوا على هذا الميدان، أضر بمصالح المقاولات العقارية الجادة الشيء الذي أثر سلبا على جودة بعض المنجزات السكنية من خلال انعدام المراقبة الصارمة والسعي وراء الربح السهل والسريع إلى حدود سنة 2010. وبعد أزمة البنوك الأمريكية الخاصة بمجال القروض العقارية وتأثر بعض الدول الأوروبية بها وخصوصا منها الدول الجنوبية، توقفت بالمغرب بعض الاستثمارات الأجنبية بهذا المجال الشيء الذي ساهم بطريقة غير مباشرة في ارتفاع سومة الوعاء العقاري للأراضي العارية، خصوصا في بعض المدن الكبرى كمراكش، طنجة، أكادير، تطوان وبعض المناطق الساحلية بالصحراء المغربية. ومن خلال هذه المعاملات العقارية ارتفعت الأثمنة في الفترة الممتدة ما بين 2001 – 2009 إلى أثمان خيالية وبوتيرة سريعة بلغت في بعض الأحيان 300% في ظرف ثلاثة أشهر، مما دفع ببعض المستثمرين المحليين إلى المغامرة في بعض الاستثمارات التي دخلت في خانة الاحتياطات العقارية. وبذلك أصبح بعض المنعشين يملكون أراضي شاسعة دون جدوى بعد انخفاض الطلب على اقتناء العقارات الجاهزة، كالسكن الراقي وفوق المتوسط وفيلات فاخرة وتجزئات خاصة بالبقع المخصصة للسكن الراقي، مما اعتبر السبب الحقيقي لانخفاض الطلب على بعض العقارات وخصوصا السكن الثانوي. وبعد أزمة البنوك الدولية، سارعت جل البنوك المغربية إلى أخذ جميع الاحتياطات اللازمة وتجديد هياكلها وتشديد الحرص على عدم المغامرة في توزيع القروض العقارية على بعض المنعشين العقاريين و«المغامرين» في هذا الميدان، حرصا منها على ضمان توازن السوق العقاري بالمغرب ومراقبة مؤشر المخاطر بالنسبة للقروض العقارية، فيما ظل أشخاص ذاتيون يرغبون في إنشاء سكن مع إنزال ترسانة من الشروط والمؤشرات المادية للحد من مشكل عدم تسديد الديون ضمانا لتوازن الحسابات المالية للبنوك. وقد تمكنت البنوك من تحقيق أرباح مهمة في هذا الميدان وفي هذه الفترة بالذات رغم ما يقال عن الأزمة العقارية في المغرب، التي جعلت هذه الظرفية ترسخ مظاهر أزمة عقارية لدى البعض بخصوص غلاء الوعاء العقاري خصوصا داخل المدن الكبرى كوسط الدارالبيضاءوالرباط، وبالضبط بالمواقع التجارية الجديدة التي مازال الطلب فيها كبيرا وكذا بعض المناطق الساحلية المطلة على البحر والمناطق التي ازدهرت فيها تجارة السكن الاقتصادي والتجزئات السكنية، مثل التي تمتد من الرباط إلى شاطئ سيدي رحالجنوبالدارالبيضاء. ومن جهة أخرى وبعد بزوغ أزمة 2009 سارع بعض المنعشين العقاريين الذين كانوا يتوفرون على احتياط وعاء عقاري كبير إلى إنجاز مشاريع ضخمة، استنفذت منهم الاحتياطات المالية وقل الطلب بحدة على اقتناء الشقق والفيلات الخاصة بالسكن الثانوي والسياحي، وخصوصا بالمناطق الساحلية والسياحية بمدن كبرى كأكاديروطنجة ومراكش وفاس وغيرها ونزوح بعض المنعشين العقاريين الصغار والمتوسطين من السوق، وركوبهم المغامرة بالحفاظ على المدخرات والبقاء بالسوق العقاري بصفة ملاحظ في سوق الاستثمارات العقارية. انفراجات جديدة في سوق العقار بالمغرب بعد الفترة الممتدة ما بين 2010-2014 أخذ جميع المتدخلين في هذا الميدان درسا مهما، بحيث أصبح المنعش العقاري يستلزم مؤهلات مادية وبشرية هامة، إذ أصبحت جميع المشاريع تخضع لدراسة قبلية هامة سواء تقنية تجارية أو مالية، أوجب تحالفات استثمارية مشتركة ذات قوة مادية لمواجهة السوق وترميم الضغوط وإنجاز مشاريع على المديين القريب والمتوسط مع دراسة استباقية للمشاريع الكبرى على المدى البعيد، ويتجلى هذا في كون السوق الحالي أصبحت تهيمن عليه شركات معروفة ووازنة وذات مؤهلات تقنية بشرية ومادية قوية، وتسريح تصاميم التهيئة، خصوصا ببعض جهات الدارالبيضاء الكبرى، مما أعطى نفسا جديدا لبعض المنعشين للاستثمار، مع العلم أن عدوى الأثمان لاحقت هذه المناطق بين عشية وضحاها، فأصبح ثمن المتر المربع يتراوح بين 30000 و40000 درهم بعدما كان الثمن مستقرا قبل تسريح التصاميم لا يتجاوز 15000 درهم. وفي منتصف 2014 لاحظنا رغبة جديدة لدى بعض المستثمرين في سوق العقار في اقتناء أراض صالحة لإنجاز بعض الاستثمارات شريطة عدم وجود أي مشكل قانوني مقيد بالملكية ووجوب وجود تصميم التهيئة وتموقع جيد وغير بعيد عن وسط المدينة، وتكون للكلفة الإجمالية للوعاء العقاري سومة تشهد بقيام المشروع وتبيان قيمة الربح، وكل هذه الشروط لم تكن تؤخذ بعين الاعتبار سابقا وإنما ظرفية سوء المؤشرات العامة لسوق العقار، جعلت المستثمرين يأخذون بصفة جدية هذه المعطيات لتجنب التعثر الذي عرفته بعض المشاريع في الأربع سنوات الماضية. آفاق السوق العقارية يمكن التفاؤل بمستقبل مستقر وجيد للسوق العقاري. فبعد قيامنا بدراسة مستقبلية لمعرفة زبناء المستقبل في المجال السكني، اتضح أن المغرب مازال في بداية مشوار الملكية المشتركة حسب القانون المنظم لها رقم 18.00 وكذا التوسع العمراني شريطة احترام عدم إقامة مشاريع كبرى في مدن صغيرة بغية الربح، لأن هذا يخلق ركودا في السوق المحلية للعقار لهذه المدن، حيث الساكنة محدودة وكل مواطن له وضعية مالية مستقرة بتقنية سكنه الفردي، وفي جانب آخر، تساهم هجرة الشباب المثقف حديث التخرج إلى المدن الكبرى في تقلص الزبائن بشكل كبير في المدن الصغرى، أما المدن الكبرى فما زال الطلب قائما بوتيرة أقل من السابق وهذا طبيعي لأن الأمور عادت إلى طريقها الصحيح. ومن بين العوامل التي ستساهم في نمو الطلب هناك تحول وضعية الطلب على مستوى السكن الاقتصادي إلى رغبة المستفيدين في سكن متوسط، ونفس الشيء بالنسبة للطبقة الوسطى التي تحاول تطوير السكن باقتناء مسكن أكبر اتساعا أو فيلا خاصة بالسكن الفردي سواء عادية أو راقية أو اقتناء بقعة أرضية لبنائها بوسائلها الخاصة، وإضافة إلى ذلك، يجب أن لا ننسى العدد الكبير من الأطر الجديدة التي تلج عالم الشغل وبعد الاستقرار به لسنة أو سنتين، وهذا معدل واقعي، تتولد الرغبة في الاستقرار الانفرادي والزواج وهما عاملان يجعلان الشخص مجبرا على اقتناء سكن فردي نظرا لتغير نمط العيش لهذه العائلات بالمغرب منذ 20 سنة تقريبا . وحسب إحصائيات رسمية، فإن 50% من ساكنة المغرب تقل أعمارهم عن 25 سنة مما ينبئ بارتفاع وتيرة الطلب على السكن الفردي مستقبلا لهذه الشريحة من المجتمع. نقط للمناقشة يمكن القول إن ميدان العقار والتوسع العمراني يقتضيان الحفاظ على توازن سوق العقار ومحاربة الغلاء وإتاحة الفرصة للمستثمرين للاشتغال وتوفير السكن حسب الإمكانيات وحسب الطلب، وضرورة العمل على تخليص المدن من التكدس السكني نظرا لوجود وعاءات عقارية محلية في أطراف المدن، لكننا لم ننجح إلى حد الآن في إقناع فئة كبيرة من المواطنين للخروج من وسط المدن الكبرى إلا المجبرين على ذلك، نظرا لانعدام شروط الحياة الاجتماعية المتكاملة وعدم التفكير في العنصر البشري ومسلتزماته اليومية وإعداد بنية تحتية متكاملة تشبه إلى حد بعيد أو أحسن البنية التحتية التي توجد وسط المدن الكبرى. ففي معظم الدول الأوروبية تنشأ بجوار المدن الكبرى وفي محيطها مدن صغيرة تابعة لنفس المدينة والجهة، حيث ليس هناك فرق كبير بين المدن الكبرى الأوروبية والمدن الصغيرة المجاورة لها أوالمتفرعة عنها، حيث تتوفر على جميع مستلزمات العيش المريح من طرق ومستشفيات ومحلات تجارية وفنادق وإدارات ومتاحف ومدارس وكليات ومسارح وجميع المستلزمات التي تدخل في صميم تدبير وتسيير الشأن المحلي. كما يجب تخليق تسيير الشأن المحلي والنهوض بالمستوى البشري غير المادي، وتقوية دور المجتمع المدني في مراقبة تسيير وتدبير الشأن المحلي، وذلك نظرا للدور الذي يمكن أن يلعبه للنهوض بهذا الميدان كما أكد على ذلك جلالة الملك محمد السادس نصره الله في العديد من خطاباته السامية.