لقد عبر جلالة الملك مند اعتلائه العرش على الحرص الكبير على تحقيق التوازن المجتمعي القائم على التعاون بل حتى المنافسة لكن في إطاره الصحيح حينما يقصد بها تقوية التعاون كما كان الشأن في المشروع الكبير المرتبط بالاستثمار البشري بغرض تنميته والزيادة في رفاهه . وإذا كانت عمليتا التعاون والتنافس بالمفهوم الصحيح هما عمليتان متلازمتين بالنسبة للإنسان كما هو الشأن للمتناقضات، فإن الحقيقة التي استخلصها المغرب أن المطالب بالتغيير في المرحلة السابقة إنما كانت صورة نمطية مؤثثة بغياب الإحساس المتين بالوطنية خارج أي التزام بنوع معين في التصرف . المطالبة بالتغيير والرغبة في الإصلاح الفعلي طيلة سنوات التصادم وعدم التوافق أبانت عنه شجاعة جلالة الملك محمد السادس في الرفع من إيقاع الاستجابة للمطالب، ذلك أن إيقاع المطالبات خلال مرحلة من المراحل التي مر منها المغرب لم تكن قط بدافع وطني داخلي من طرف العديد من الاتجاهات والتيارات بقدر ما كانت تمليها إملاءات أجندات محددة لقوى احتكرت سياسة الاحتواء والاستقطاب لتنال المملكة المغربية نصيبها من التشتت الإيديولوجي الفاقد للخطاب الإصلاحي الواقعي . بل وحتى التسليم بالمنطلقات العملياتية في البناء الاجتماعي كأساس منبعه التستر وراء وظيفة التجمع الإنساني في الفعل المحدد بهدف فإنه في الوقت الذي كان يؤمل فيه أن تقوم الدولة بتنظيم وظائف المجتمع كانت محاولات الجماعات تقوم بالتأثير على شخصية الأفراد الذين ينتمون إليها أو يحيطون بأفكارهم في اتجاه تجديد الناحية المحققة للحاجات والرغبات وإن على نطاق الفئوية والطبقية الضيقة . وقد يكون لزاما علينا التأكيد في ظل الأحداث المتسارعة إقليميا و التي تجعل من أي سوء للتقدير في تجنب الأسوء داخليا صيدا ثمينا خارجيا، أن نعود إلى مرتكزات الخطاب الملكي للتاسع من مارس سنة 2011 و التي كان من ثمارها تكريس دسترة المساواة و المحاسبة بالمفهوم الصحيح و الذي يفتح أبواب الأمل لجميع المواطنين المغاربة في السراء و الضراء تعبيرا عن روح الاحساس بالانتماء لهذا الوطن الغالي. ولعل توالي الأخطاء الناجمة عن سوء تقدير الحكومة للأمور يجعلنا نتفهم تساؤل جلالة الملك في خطاب العرش ل 30 يوليوز الماضي عن غياب تنزيل الاستراتيجيات الكبرى للدولة نتيجة غياب الثمار في أرض الواقع؛ اليوم تطالعنا الحكومة بمعاكسة أخطر و أعمق في الابتعاد بشكل جلي و بالتصريح لا التلميح عن تنزيل الدستور بل و إخضاعه للمزايدات السياسوية مرة أخرى، و هكذا نزل عشرات الحقوقيين والنشطاء خلال الأيام القليلة الماضية أمام مقر وزارة العدل للمطالبة بالتحقيق في وفاة الطالب مصطفى مزياني بعد إضراب عن الطعام دام 72 يوميا. الإهمال السياسي والاجتماعي الذي شهده ملف مصطفى مزياني هو نتيجة تهرب مؤسسات الحكومة من تحمل المسؤولية، و التي بإهمالها تعيد فتح أجواء المغرب على الاحتجاجات و المطالبات بالتحقيق و تحديد المسؤوليات بل تفتح المجال أمام تساؤلات أعمق مفادها لماذا تحرك رئيس الحكومة بطائرة خاصة لدى وفاة طالب محسوب على حزبه و لم يتحرك لوفاة مواطن شاب مغربي مات نتيجة إهمال في المسؤولية من طرف الحكومة، و في ظل التقاعس عن تنزيل الدستور الذي نتباهى به بين أعدائنا و المتربصين بنا. لقد عودتنا الديموقراطيات الكبرى التي استطعنا أن نحقق دستورا مغربيا يماثلها في المضمون و الرؤية الاستشرافية للمستقبل، أن إهمال الحكومات في تحمل مسؤولياتها خصوصا حينما يتعلق الأمر بإزهاق الروح إنما تكون النتيجة تقديم مسؤول حكومي مباشر لاستقالته. فمن المسؤول عن وفاة مصطفى مزياني؟