قدم المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، مجموعة من التوصيات في تحليله للوضعية الاقتصادية والاجتماعية البيئية للمغرب، حيث أوصى المجلس في تقريره السنوي برسم سنة 2013، " بالنهوض بأداء الاقتصاد الوطني وتنافسيته، وتعزيز جاذبية بلادنا"، داعيا من أجل تقوية دور الدولة في مواكبة وتعزيز هذه الجاذبية" إلى مواصلة جهود تقويم وضعية المالية العمومية، خاصة عبر الاستفادة من التوصيات الصادرة عن المناظرة الوطنية حول الإصلاح الضريبي". وطالب المجلس في تقريره بضرورة العمل على خلق تكامل بين توجهات السياسة الضريبية ومختلف محاور السياسات العمومية المتعلقة بالتضامن ودعم الفئات الهشّة، وبالحماية الاجتماعية، بهدف الرفع من جاذبية بلادنا، لاستقطاب كبار المستثمرين الأجانب، كما شدد المجلس على ضرورة "تعميم الممارسات الناجحة في مجال تدبير المشاريع الكبرى وأسلوب حكامتها"، مشددا "على إدخال بنود تحدد وتفرض مستويات معيَّنة للمقاصَّة الصناعية ونقل التكْنولوجيات في المشاريع الاستثمارية الكبرى". وفي ما يخص الاستراتيجيات القطاعية، أوصى المجلس بضرورة العمل على تسريع تفعيلها، مع خلق التجانس بينها في إطار مقاربة مندمجة وتشاركية ومستدامة، تشجع على البحث والتنمية والابتكار، مضيفا في ما يتعلق بالشق الصناعي أن المخطط الجديد للتسريع الاقتصادي يبلور رؤية جديدة تستهدفُ بالخصوص المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتأتي استكمالا للميثاق الوطني للإقلاع الاقتصادي، الذي مكّن من تحديد الفروع الصناعية الواعدة، وأعطى نتائج ملموسة، وخاصة في قطاعات صناعة السيارات وصناعة الطائرات وترحيل الخدمات. وأكد التقرير أنه "لا شك أن هذه الدفعة الجديدة ستعزز نجاعة السياسة الصناعية الوطنية، ولكن من المناسب الحرص، مع ذلك، أثناء تنفيذها، على ضمان تجانسها مع باقي الاستراتيجيات القطاعية"، معلنا أنه رغم أن المؤشرات الاقتصادية تشهد تطورا متناميا، فإن محتوى التشغيل في معدل النمو المحقق واصل منحاه التنازلي سنة 2013، بحيث لم يحدث أي تأثير على نسبة البطالة، التي استقرت في حدود المستوى المسجل سنة 2012، مشددا على أن قضية التشغيل، وخاصة مع تفشي البطالة في صفوف الشباب، ومشاركة المرأة، تظل واحدة من أبرز التحديات أمام تحقيق التماسك الاجتماعي، كما تثير بعض التساؤلات حول السياسات العمومية في مجالِ إغناء محتوى التشغيل في النمو، وتوفير فرص الشغل بالنسبة إلى الشباب والنساء على وجْه الخصوص، مفيدا أن المسار الذي اتخذه الحوار الاجتماعي سنة 2013 لم يساهم في بروز توافقٍ حول الإصلاحات الهيكليةِ الكبرى وانتعاشِ النمو الاقتصادي، مؤكدا "على ضرورة استئناف الحوار الاجتماعي ثُلاثي الأطراف الذي لم يعرف سنة 2013 أي تطور يذكر". كما أوصى المجلس بمأْسسة الحوار الاجتماعي والرفع من فعاليته، من أجل إبرام تعاقدات اجتماعية كبرى، التي من شأنها المساعدة على إقرار السلم الاجتماعي القائم على احترام القانون في مجال الشغل والحماية الاجتماعية، مطالبا بتفعيل آليات للتفاوض الجماعي. وأوضح التقرير أنه رغم التطورات الملموسة التي شهدها المغرب من حيث تعميم التمدرسِ،"إلا أنه مازالت هناك بعض النقائص، سواء في مستوى الهدر المدرسي وعلى صعيد الكفايات المكتسبة من قِبَل التلاميذ، أو التفاوتات الاجتماعية والجهوية وتلك المرتبطة بالنوع"، داعيا إلى أن يحظى إصلاح منظومة التعليم وفق خطاب جلالة الملك ل20 غشت 2012، بتوافق واسع، مما يستدعي اعتمادَ مقاربة تشاركية مع كل الأطراف، في إطار مقاربة أفقية ناجعة. وأضاف أن هذا الإصلاح يتطلب توفير المواردِ البشرية والمالية الضرورية، مع قبول كل الأطراف المعنية بمبدأ التقييم ووجوب المحاسبة، مطالبا بتطوير مسالك تعليمية للتكوين بالتناوب الذي يجمع بين النظرية والممارسة، وتثمينها تثمينا أفضل، عبر إحداث جسورٍ واصلة بين مؤسسات التكوين المهني والتعليم الجامعي والمدارس العليا على سبيل المثال. واقترح أن يسعى إصلاح منظومة التربية والتكوين، أيضا، إلى تحسين كفايات التلاميذ السلوكية، مما يرفع من فرص حصولهم على منصب شغل، ويساعد على تكوين مواطنين منفتحين على بيئتهم ومحيطهم، تحركهم روح المبادرة والرغبة في الابتكار والإبداع. في مجالِ الصحة والحماية الاجتماعية، دعا المجلس إلى دعم الخطوات التي تم تحقيقها حتى اليوم، عبر إدماج السكان الذين لا يستفيدون من التغطية، تدريجيا، في الأنظمة القائمة، وخاصة الصناع الحرفيين وأصحاب المهن الحرة والطلبة، من أجل تعزيز التضامنِ، وتفادي الانْفصال بين الأنظمة، الذي يظل سببا في الاختلالات المالية، مؤكدا ضرورة مراجعة نظام حكامة التغطية الصحية، بما يتيح توضيح مهام مختلف المتدخلين. كما دعا إلى سن سياسة صحية جديدة تستهدف ضمانَ ولوج منصف للعلاجات عبر الحد من التفاوتات بين الجهات، والرفع من قدرة المواطنين على الولُوج إلى الأدوية، وإدماجَ البعد الصّحّي في السياسات العمومية المرتبطة بالقطاعات الأخرى، عبر تضمينها المحددات المؤثرة في الصحة، ثم إشراك القطاعين الخاص والتّعاضدي وتأطير تطورهما، من أجل تحسين العروض الصحية واستغلالِها الاستغلال الأمثل. وبخصوص تغطية التقاعد، أكد على توفير شروط تعميم التقاعد، وذلك بهدف إقرارِ تضامن أمثل، وإنصاف أكبر، وحركيّة متزايدة في العمل، مؤكدا أن" إصلاح أنظمة التقاعد يكتسي طابَعا استعجاليا وفق مقاربة شاملة ومندمجة". في ما يخص الولوج إلى السكن، أكد المجلس أنه من شأن التراجع الذي يعرفه القطاع، أن يدفع السلطات العمومية إلى التساؤل حول ملاءمة النموذج المعتمد لتطوير قطاع السكن، وبالتالي ضرورة إصلاحه، مسجلا بعض الإشكاليات المرتبطة بالسكن غير اللائق والمَسَاكن الآيلَة للسقوط، إضافة إلى أن برامج السكن الاجتماعي، التي ساهمت إلى حد كبير في تقليص النقص في مجال السكن، لم تعد تؤدي هذا الدور بنفس الفعالية والنجاعة، بسبب ضعف التجهيزات الأساسية والربط بمراكز النشاط الاقتصادي في المدن، مما يحد من جاذبية هذه البرامج. وأكد أن محاربة التفاوتات المرتبطة بالنوع، وخاصة في مجال المشاركة الاقتصادية واستفادة النساء من الخدمات الصحية، تتطلب جهودا إضافية، مشيرا إلى أن هذه التفاوتات، تسجل في سوق الشغل، حيث لمْ تستفد وضعية النساء كثيرا من التطورات المهمة التي شهدتها بلادنا، خاصّة في ما يتعلق بمعدل نشاط النساء الذي لا يتعدى 25 في المائة. وأبرز أن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يشكل رافعة بالغةَ الأهمية لإدْماج النساء والشباب، وإن كان هذا المجال يشهد تفاوتات كبيرة بين الجهات، مع تمركزه بشكل ملحوظ في القطاعات الفلاحية، موصيا بضرورة تعزيز المبادرات في هذا الميدان، من حيث التكوين وتقوية قدرات الفاعلين. ومن أجل تحسين وضعية المرأة، أكد على ضرورة تنزيل "الهيئة العليا للمناصفة ومحاربة كل أشكال التمييز" المنْصوص عليها في الدستور، مشددا على تسريع وتيرة اعتماد قانون-إطار يحدد بوضوح أشكال التمييز ضد المرأة، ويمكّن من التصدي لكل مساس بحقوقها. وبخصوص وضعية الأطفال، أبرز التقرير أنها شهدت تحسنا ملحوظا، مطالبا بضرورة تعزيز الأعمال الهادفة إلى الإدماج الاجتماعي للأطفال وحمايتهم، عبر مضاعفة الجهود في مجال محاربة كل أشكال استغلالهم، وضمان الاحترام الكامل لحقوقهم. وأوصى المجلس باعتماد استراتيجية وطنية شاملة ومندمجة لصالحِ إدماج الأشخاص في وضْعية إعاقة، قائمة أساسا على مقاربة حقوقية، مطالبا بضرورة التعجيل بإصلاح الإطار التشريعي، وخلْق آلية ناجعة للتنسيق المؤسساتي، وتفعيل البند المتعلق بفئة "الأشْخاص ذوي الاحتياجات الخاصة" في إطار صندوق التماسك الاجتماعي، موصيا بتسهيل ولوج الأشخاص في وضعية إعاقة إلى التربية والصحة والتغطية الاجتماعية، وإقرار تمييز إيجابي لصالحهم، وخلق تحفيزات لتوفير فرص الشغل لهم. وفي ما يتعلق بحِماية حقوق المهاجرين، أكد المجلس على ضرورة وضع آلية للتتبّع واليقظة بخصوص التطبيق الفعلي للآليات المقررة، وذلك بغية التأكد من تجسيد هذا الجيل الجديد من الحقوق الأساسية للمهاجرين في بلادنا. وعلى الصعيدِ البيئي، أوصى المجلس بتعميم برامج النجاعة المائية، من أجل عقلنة استعمال المواد المائية وتثمينها، عبر تسريع تفعيل البرنامجِ الوطني للاقتصادِ في الماء للسقي، وإعداد برنامجٍ وطني للاقتصاد في الماء الشروب والماء الصناعي، مشددا" بغية تشجيعِ إنجاز مشاريع الإنتاج الكهربائي ذي القوة الصغيرة والمتوسطة، على تسريع إصدار مراسيم تطبيق تحدد مواصفات إحداث وإنتاج وشراءِ الكهرباء، بناء على قانون الطاقات المتجددة".