لا يمكن لذاكرتي أن تنسى مشهد الطفل الذي لا يتجاوز عمره أربعة أعوام، عندما صفعه والده على وجهه بمنتهى القسوة أمام الناس في السوق. وسألت نفسي: ما الذي يدفع أب إلى ضرب ابنه بهذه الطريقة المهينة وعلى الملأ؟ وعرفت الإجابة التي صعقتني: لقد ضرب الرجل المحترم طفله الصغير لأن الطفل الذي لا يتجاوز عمره أربع سنوات أفلتت يده من قبضة والده فانطلق ببراءة بعيدا عنه واختفى عن نظره وبدلا من أن يعانق الأب ابنه عندما وجده، ويلهج لسانه بحمد الله، ويتعلم أن يمسك يد ابنه بإحكام، كان اللقاء بينهما مفجعا ومؤلما ..ورغم أنني كنت في ذلك الوقت في الرابعة عشر من العمر إلا أن المشهد المثير انطبع في ذاكرتي ولم تستطع الأيام أن تمحوه منها أبدا وعندما قرأت مقال الصحفي أشرف عبد المنعم- المهانون في عقر دارهم- منذ عدة أيام تمثل أمامي المشهد السابق بكل تفاصيله وكأني عشته بالأمس.. يحكى أشرف ويقول: كان الشارع ممتلئا بالمارة والسيارات ليلا كعادته، ولقد رأيته عن بعد واقفا على قارعة الطريق ممسكا بتلابيب طفل لا يتعد عمره التاسعة أو العاشرة على أقصى تقدير، وقد راح ينهال على هذا الطفل بكل ما أوتى من بأس وقوة: صفعات تتلوها صفعات، وركلات تتلوها ركلات وكلما أراد الطفل أن يلوذ بالفرار ما بين الصفعة والصفعة ، هم الرجل ممسكا به مرة أخرى لا لشيء إلا لكي يكيل له المزيد من الضربات التي كان أبرز ما يميزها في نظري أنها لم تكن موجعة فحسب وإنما كانت بحق مهينة.. واقتربت من الرجل واخترقت الدوائر المحيطة به من المتفرجين والذين وقفوا يشاهدون هذه المهزلة الإنسانية في صمت رهيب دون أدنى تدخل من جانبهم، واندفعت صوبه ولم يزل هو يكيل لهذا المسكين الصفعات، فأمسكت بذراعه القاسي بكل ما أوتيت من بأس، وسألته: أيجوز لرجل مثلك أن يفعل هذا بطفل صغير كهذا أيا كان ما فعل؟ التفت الرجل نحوي بعين مستنكرة مستنكفة متعجبة وسألني: طفل ؟ فأشرت إلى الطفل وقلت صائحا: هذا الطفل.. ففاجأني صاحبنا بإجابة لا أزال أسمعها في أذني حتى هذه اللحظة: طفل؟؟ هذا ابني .. فقلت: ابنك؟! أيهون على امرئ أن يضرب ابنه على هذا النحو المهين القاسي؟ ففاجأني صاحبنا بإجابة أكثر غرابة صائحا: أليس ذلك أفضل من أن أتركه يجرى فتصدمه السيارات المسرعة؟ ويعلق أشرف على هذا الموقف قائلا: لقد انهارت كل المعاني التي تعلمتها في حياتي أمام هذا المنطق أو ربما اللا منطق الذي يجعل من البعض منا أدوات تشويه لأبنائهم دون تدخل من أي جهة في المجتمع من شأنها أن ترصد هذه العلاقات وتقومها إذا ما خرجت عن صحيح مساراتها لأسباب اجتماعية وثقافية واقتصادية متشابكة.. والسؤال الذي أود أن أطرحه : هل الأبناء هم هبة الله لنا، أم أنهم ملكية خاصة بنا نستطيع أن نفعل بهم ما نشاء دون أن يسألنا أحد فيما نفعله؟ وقبل أن تجيبوني أدعوكم إلى قراءة ما يلي أحدث تقرير تم تقديمه إلي الكونجرس الأمريكي هذا العام أكد أن الآباء يشكلون77فى المائة من مرتكبي سوء المعاملة لأبنائهم!! وهذا أيضا ما أكدته الدراسة التي قامت بها د. فوقية راضي أستاذة علم النفس بجامعة المنصورة تحت عنوان( أثر سوء معاملة الآباء علي مستوي ذكاء الأبناء), وذكرت صاحبة الدراسة أن سوء معاملة الآباء لأبنائهم تعد الآن من أهم المشاكل التي يعاني منها الأطفال. وتتمثل صور سوء معاملة الآباء لأبنائهم في الإهمال بنسبة53 في المائة والضرب بنسبة26 في المائة و14 في المائة يتعرضون لسوء المعاملة الجنسية و5 في المائة يعانون من سوء المعاملة النفسية, وهناك22 في المائة من الأطفال في العالم يقعون تحت وطأة صور أخري من سوء المعاملة. وترجع أسباب سوء معاملة الأبناء من قبل آبائهم إلي تعرض الآباء أنفسهم في طفولتهم لأنواع من سوء المعاملة. وهي أيضا ناتجة عن تدني المستوي الاجتماعي والاقتصادي لبعض الأسر المرتبطة بالبطالة, وزيادة نسبة المرأة المعيلة في المجتمع والخلافات الأسرية وكبر حجم الأسرة. وأكدت الباحثة أن سوء معاملة الأبناء له أثار سلبية علي نموهم الجسدي والنفسي.. فهم يعانون من ضعف عام في الصحة, ويبدون أقل حجما ووزنا لأن التلف المبكر في الخلايا العصبية يؤثر بصفة عامة علي الصحة.. ويعانون أيضا من الشعور بعدم السعادة نتيجة لأصابتهم بالكوابيس المتكررة أثناء النوم, والشعور الدائم بالصداع وبعض آلام المعدة.. والتبول اللاإرادي والاكتئاب والشعور الدائم بالذنب. وأوضحت د. فوقية راضي أن أهم أثار سوء المعاملة للأبناء هو التأثير السلبي علي مستوي ذكائهم الذي يتضح في انخفاض مستوي أدائهم الدراسي. نشرة جسور