صراحة لقد شدني الحنين إلى ضجيج الابتدائي وتلك السمفونية التي كنا نعزفها عندما كنا نترك مقاعدنا ونرفع أصبعنا حتى يحجب النظر عن أعين المعلم رغبة في الإجابة. اشتقت ، ولا شك أنكم تبادلوني نفس الشعور، اشتقت كثيرا إلى تلك القطعة من الخبز المدهونة بزيت الزيتون والتي كانت تترك بصماتها واضحة على صفحات كتبنا، إلى “المطعم” و عدس الدولة المدعم، “الشكارة” التي رسمت معالمها على أكتافنا آنذاك،”الفلقة” التي كان لها مفعول سحري إيجابي على أغلبيتنا وحفلة آخر السنة التي كانت مسك الختام وتصفية حسابات وفرحا وأحزانا... يقولون أن الأعذار خلقت لكي تستعمل وكم كذبنا على الحارس العام ونحن نتفنن في ابتداع مبررات لا على البال ولا على الخاطر، يقولون أيضا حتى الورقة تصبح أخف إذا حملها اثنان وكم ساعد بعضنا البعض في الغش في الامتحانات ويقولون كذلك من احتار بين مقعدين جلس أرضا وكم ترددنا بين التجارة والتسيير وقبل ذلك بين الشعب العلمية، الأدبية والاقتصادية ... نسأل الله عز وجل أن يوفقنا في اختياراتنا، إنا نعود بك من كل علم لا ينفع... كانت هذه مقدمة بسيطة تلخص ذكريات ستبقى راسخة في أذهاننا ما دمنا على قيد الحياة، لكن رغم هذا هناك أشياء عديدة وجب ذكرها لعل وعسى أن يستفيد الخلف بعدما حرم من ذلك السلف. إن النهوض بقطاع التربية والتعليم يحتاج إلى تغيير جذري للمنظومة التعليمية وليس إلى حلول ترقيعية. على المسؤولين إعادة النظر في مهنة المعلم أو الأستاذ. شخصيا أرى أن هذه المهنة الشريفة والنبيلة يجب أن تكون أسمى مهنة يمكن أن يحلم بتقلدها الإنسان في بلدنا حتى أعلى درجة من مهن الطبيب والمهندس والربان. يجب أن نلحق خيرة الإطارات المغربية بهذه المهنة لسبب وحيد لأنهم سيسهرون على تدريس وتكوين أبناء المستقبل، بمعنى آخر هم من سيدرسون مهندسي وقضاة الغد. يجب أن تكون مهنة المدرس الأعلى دخلا في البلاد ويتم تمتيعهم بكامل الامتيازات حتى يكونوا في أحسن الأحوال من أجل تأدية الواجب كما يجب. لا يبدأ الموسم الدراسي في المغرب إلا عندما تذكرنا فيه المكتبات بعد افتتاحها، أيام العطل أصبحت تطغى على الأيام العادية، ناهيك عن سلسلة الإضرابات التي لا تنته. بعد تغيير استعمال الزمن أصبح التلميذ يدرس أربع ساعات و يتمتع ببقية النهار، ما الفائدة من ذلك إن لم يكن هناك متنفسات ومركبات رياضية وفنية لصقل مواهب التلاميذ كما هو معمول به في بقية البلدان التي نقلدها؟ لقد وجب تغيير المقرر الدراسي مضمونا وليس شكلا، مللنا من “كتب كريم الدرس” ففي البلاد التي تحتل فلسطين مؤقتا يدرسون”صنع يوحنى صاروخا”،مثال بسيط يعكس التكوين المعرفي للتلميذين. بصريح العبارة، لقد مللنا من التبعية الفرنسية في كل شيء خاصة المناهج التعليمية. من أجمل ما قرأت عيناي وسمعت أذناي هو مصطلح “قابلية الاستعمار” حينما نحب نحن أن يستعمرنا الغير وما أخطر هذا النوع من الاستعمار المعروف بالاستعمار الفكري. من المفروض إحداث قطيعة مع الماضي ومع هذه الطرق الكلاسيكية في التدريس التي أبانت عن فشلها في عديد المناسبات. ليس عيبا أن نعتمد على منهجنا الخاص، أين هو دور النكتة في إيصال الفكرة؟ من الممكن بل من الأحسن استعمال أسماء أبطال الرسوم المتحركة خلال الدرس، حتى هذه الرسوم المتحركة التي تذاع عبر قنواتنا لا تساعد على الإبداع و توسع الخيال بالنسبة للتلاميذ بل بالعكس تمرر أفكارا غير مرغوب فيها أبدا. لنصل إلى رأس الهرم والذي يتشكل من مدراء المدارس وأطر وزارة التربية والتعليم. يجب أن نبتعد كثيرا وليس قليلا عن مبدأ الأقدمية في التوظيف في هذه الوزارة حيث يتحول المعلم إلى مدير ومن الممكن أن يشغل الأستاذ منصبا في نيابة التعليم ...لقد أصبح من الضروري الاعتماد على خريجي المدارس العليا خاصة في شعب الإدارة والتسيير لشغل هذه المناصب كما وجب إحداث مؤسسة لتكوين وتخرج مدراء المؤسسات التعليمية لأن الأمر حساس ولا مجال للأقدمية أمام الكفاءة المهنية. لن أطيل في الكلام لأن مشاكل هذا القطاع عديدة فلم نتكلم بعد عن الحجرات المدرسية، المرافق الصحية، التعليم الخاص، النقل المدرسي، التباعد الحاصل بين المقرر النظري وسوق الشغل التطبيقي، الحركة الانتقالية ...ليس لأنها على ما يرام ولكن حتى نكون أكثر تفاؤلا ونبتعد عن رسم تلك الصورة الظلامية للتعليم بالمغرب، بالعكس سنكون أكثر احترافية وسنقف وقفة واحدة مع برنامج المخطط الاستعجالي إلى حين تحقيق أهدافه أو لا، آنذاك نصفق لكم أو ننتقدكم أما أن نقف في وجه كل إصلاح منذ بدايته فهذا ليس من شيمنا. كلمة الختام نوجهها إلى كل أسرة، نقول لها أن لك أيضا مساهمة كبيرة في نجاح المنظومة التعليمية من عدمها...”اعطوا شويا ديال الوقت لولادكم وولادنا”. بقلم الطالب سعيد بونا