مقدمة: يعتبر الإعلام المدرسي والمهني والجامعي أحد المكونات الأساسية التي ينهض عليها مجال التوجيه التربوي عبر مختلف الأسلاك الدراسية والتكوينية. وقد أوكلت مختلف النصوص التشريعية والتنظيمية المستشار في التوجيه التربوي، مجموعة من المهام تتجلى في تأطير التلاميذ ومواكبتهم خلال مساراتهم الدراسية، وتهدف إلى مساعدتهم على بلورة مشاريعهم الشخصية، باعتماد طرق تربوية هادفة. ومن بين هذه المهام، كما نص على ذلك الميثاق الوطني للتربية والتكوين " الإعلام الكامل والمضبوط للمتعلمين وأوليائهم حول إمكانات الدراسة والشغل" باعتماد، وفق ما مقتضيات المذكرة التنظيمية " أنشطة لتمكين التلاميذ من معرفة محيطهم الدراسي والتكويني والمهني وإدراك التفاعلات القائمة بين هذه المكونات" وذلك من خلال " المساهمة في تأطير وتنشيط منتديات المهن والتظاهرات والملتقيات الإعلامية المنظمة محليا وإقليميا وجهويا". وللقيام بهذه الأنشطة الإعلامية يتم تسطير برامج دورية وسنوية تندرج ضمنها العمليات المؤطرة للتلاميذ وأولياء أمورهم، والهادفة إلى التعريف بالمجالات المدرسية والمهنية والجامعية والتكوينات المتاحة، والمتطلبات والمؤهلات والآفاق المستقبلية. إلا أن هذه البرامج غالبا ما تصطدم بمستجدات مفاجئة تربك كل المخططات السنوية، خصوصا عند ورود المذكرات المعلنة عن هذه المستجدات متأخرة، وفي أواخر السنة الدراسية، فيتم الاكتفاء بإعلانات وإخبارات باعتماد سبورة التواصل. فهل تعتبر الإعلانات والإخبارات عملية إعلام مدرسي ومهني وجامعي؟ وما هي الشروط والظروف المؤطرة لعملية الإعلام المدرسي والمهني والجامعي؟ ومتى يمكن أن تكون عملية الإعلام المدرسي والمهني والجامعي فعلا تربويا هادفا؟ سنحاول مناولة إشكالية الاقتصار على إخبار التلاميذ من خلال إعلانات مقتضبة حول ولوج تخصصات معلن عنها بشكل فجائي، ودعوة التلاميذ إلى تقديم ترشيحاتهم دون انتهاج طرائق تربوية تمكن التلاميذ وأولياء أمورهم من استيعاب الموضوع المعلن، ومضامينه ومتطلباته والمؤهلات المطلوبة والآفاق المستقبلية. وقد تنوعت وبشكل كبير التخصصات والشعب والمسالك الدراسية والتكوينية، وأضحت تستأثر باهتمام التلاميذ وأولياء أمورهم، خصوصا الجديد منها الذي أضحوا يتطلعون إليه من أجل التعرف على مضامينه وإمكاناته ومنافذه، لكن التأخر المهول الذي يطال الإعلان عن المستجدات يربك التلاميذ، ويحدث لديهم اضطرابات على عدة أصعدة، وخصوصا أواخر السنة الدراسية، فمن التعبير عن الترشيحات لولوج الدراسات والتكوينات المعلنة والمهيأ لها، إلى المراجعة والتثبيت إلى الفروض المحروسة. وفي غمرة تفرغ التلاميذ لهذا البرنامج الحافل وتركيزهم على الاستعداد للامتحانات الإشهادية، ومغادرتهم المؤسسات الدراسية لوضع آخر اللمسات على المقررات، تطل بشكل مباعث ومفاجئ مستجدات يتم إدراجها ضمن هيكلة التوجيه وتصبح جزء لا يتجزأ من التخصصات والمسالك الدراسية المتاحة للتلاميذ التي قد لا يستفيدون منها بالشكل الطلوب، ما يشكل الموضوع الحالي الذي نتناوله من خلال الفقرات التالية: I. الإعلام المدرسي والمهني والجامعي ليس إخبارا: ولتبليغ التلاميذ مضامين كل المستجدات التي تفد على المؤسسات التعليمية بشكل مفاجئ وفي آخر السنة الدراسية، ولأهميتها، يتم الالتجاء في جو من الاستعجال والارتجال والانشغال بمهام موازية إداريا وتربويا، إلى وضع إعلانات على سبورة التواصل، التي لا تتعدى درجة إطلاع وإخبار مقتضب وموجز، قد يتسم بالفضفضة والغموض ويفتقد للإجرائية والاستيعاب، ما قد يجعله مرفوضا وغير مرغوب فيه، كونه جافا، ويفتقد للجاذبية التواصلية، والخصوصيات التربوية، والاحتكاك المباشر بالمشرفين على محتوياته من أجل التفسير والتعمق والغوص في المرامي والأهداف واستشراف المستقبل. وعليه، فعملية الإعلام المدرسي والمهني والجامعي ليست إخبارا ولا إشهارا ولا دعاية تخضع لوصلات موجزة تفتقد لخصوصيات العمل التربوي فتبقى محدودة المفعول. وهكذا فالإخبار، غالبا، ما يواجه بالنفور، كونه يقتحم ذات فرد دون تهيء نفسي ولا استعداد لاستقباله أو تقبله، فيواجه باللامبالاة وعدم الاهتمام، ما قد يتسبب في تفويت فرص لا تعوض، وما قد يضرب العملية المعنية في عمقها فتضيع الجهود وتهدر الطاقات. II. الإعلام المدرسي والمهني والجامعي ليس توثيقا: من المعلوم أنه يتم تأطير عملية الإعلام المدرسي والمهني والجامعي من خلال أنشطة تربوية، وفي إطار شروط وظروف مدرسية مقبولة، تسعى إلى تزويد التلميذ بمعلومات ومعارف هادفة حول ذاته ومحيطه الاقتصادي والاجتماعي يستعملها لفك شفرات مختلف التمثلات المتكونة لديه حول ذاته ومحيطه من خلال معلومات دقيقة وذات أهمية، تختلف بشكل جذري عن التوثيق الذي قد يشمل معلومات كثيرة وجد متنوعة، ولكن قد لا تفي بالأغراض المطلوبة، ولا تصب في صميم الموضوع المعني، وبالتالي يبدو التلميذ مزودا بعدة معلومات غير قابلة للاستعمال الهادف، وعليه قد تتوفر معلومات ضئيلة لدى التلميذ ولكنها ذات أهمية وتستجيب لرغباته وطوحاته وتجيب بشكل ناجع على الأسئلة التي يطرحها على نفسه. III. الإعلام المدرسي والمهني والجامعي وسيلة وليس غاية: إن عملية الإعلام المدرسي والمهني والجامعي مجموعة أنشطة تربوية، تواكب باستمرار التلميذ وتضع بين يديه طرائق وأدوات ووسائل ناجعة، يستعملها للتزود بمعلومات عبر مساراته الدراسية والتكوينية، وخلال حياته المهنية والعملية، تساعده على التحكم في وضعيات معينة، وتكمنه من التوجيه الذاتي واتخاذ قرارات ملائمة تستجيب لطموحاته، وذلك بإيقاظ لديه مجموعة من الأفكار حول ذاته ومحيطة، تمكنه من الاندماج في وسطه وفي عالم يتغير باستمرار وشديد التطور. إن الإعلام المدرسي والمهني والجامعي وسيلة محددة وهامة، تعمل وبشكل متواصل خلال المسار الدراسي والمهني والجامعي على تزويد التلاميذ بوسائل ناجعة مساعدة على اتخاذ القرار المناسب وتحسين نوعية الأنشطة المنجزة، ضمن العمليات التربوية والتكوينية، وكذا المردودية والفعالية للنظام التعليمي والتكويني. IV. الإعلام المدرسي والمهني والجامعي فعل مشخصن: ويعتبر التلميذ محور جميع أنشطة الإعلام المدرسي والمهني والجامعي، وفاعلا إيجابيا في تنشيط مختلف العمليات التربوية، يكتسب من خلالها معارف تمكنه من اكتشاف خصوصياته الذاتية ومحيطه الاجتماعي والاقتصادي، كما تمكنه من اتخاذ قرارات تتناسب ومميزاته الشخصية. هذه العمليات، لا تعتبر فعلا أحادي الجانب وعمودي الاتجاه، بل فعل تشاركي يسهم فيه التلميذ ويبلور مختلف مكوناته ويؤسس المعلومات التي هو في حاجة إليها، وذلك حسب خصوصياته ومميزاته الشخصية والمعرفية. وعليه كلما شارك التلميذ في التزود بالمعلومات التي هو حاجة إليها، كلما ترسخت لديه وكانت إيجابية وذات فعالية، فيستعملها بشكل إيجابي لتحقيق الأهداف التي يرسمها لنفسه، وبالتالي يعمل على تحقيق مشروعه الشخصي والمهني. V. الإعلام المدرسي والمهني والجامعي فعل تربوي: إذا كان انفتاح وتفتح الفرد ونضجه عن طريق تحقيق طموحاته وآماله وتطلعاته الأكثر توافقا مع مميزاته وخصوصياته ومؤهلاته الذاتية ومتطلبات التخصص الدراسي/المهني وسوق الشغل هو الهدف الأساسي لمنظومة التوجيه التربوي، فالإعلام المدرسي والمهني والجامعي يعتبر الوسيلة الناجعة والفعالة لتحقيق هذا الهدف، حيث يشكل جزء لا يتجزأ من مقاربات وممارسات التوجيه التربوي والبرامج التعليمية والتكوينية. إذن فعمليات الإعلام المدرسي والمهني والجامعي تعتبر فعلا تربويا متكامل الجوانب، وصيرورة تستهدف نمو ونضج الفرد من جميع مناحي الشخصية، ولا يختلف لا شكلا ولا ممارسة عن أساليب ومضامين العملية التربوية والتعليمية التي تعتبر عملا مسترسلا ومتواصلا، وذلك لا من حيث المناهج والمقررات ولا من حيث الطرائق البيداغوجية. خلاصات ومقترحات: حيث إن الإعلام المدرسي والمهني والجامعي ليس إخبارا أو دعاية، وليس توثيقا، بل فعل مشخصن، وفعل تربوي يرتكز على التلميذ الذي يعتبر عنصرا إيجابيا بلورة وتنفيذا، فإن المقترحات التالية تبدو ذات أهمية ضمن منظومة التربية والتكوين للنهوض بمجال التوجيه التربوي: 1. إنتاج كراسة للإعلام المدرسي والمهني والجامعي والتكويني، حسب المستويات الدراسية مع انطلاق السنة الدراسية، مع العمل على تجنب الإعلانات والإخبارات المفاجئة، والعمل على تنقيحها وتحيينها كل موسم دراسي وتدرج ضمن البرامج والمقررات المدرسية، وتضم: التخصصات المدرسية والمهنية والجامعية والتكوينية، وكل ما يرتبط بنظام الدراسة والتكوين (المواد، الحصص، المعاملات، المجزوءات والعناوين البارزة للأبواب والفقرات المقررة، الأسلاك الدراسية، أهداف الدراسة/التكوين، متطلبات الدراسة/التكوين، نظام الدراسة/التكوين، شروط الترشيح/التسجيل، مواصفات المتخرجين، الشهادة/ الدبلوم المخول، المهنة/الوظيفة، الآفاق المستقبلية، مجال/ قطاع العمل، إحصاءات وإسقاطات حول مختلف القطاعات...)؛ التعرف على جميع المستجدات وكذا الجدولة الزمنية للمباريات المبرمجة خلال السنة الدراسية، وليس في آخرها، أو في العطلة الصيفية، مع تحديد: تاريخ كل مباراة على حدة، مواد المباريات، عدد المناصب المتوفرة ومتطلبات سوق الشغل، شروط الترشيح، كيفية الانتقاء، مدة التكوين، نظام التكوين، برنامج التكوين، دبلوم التخرج، مجال العمل، ظروف وطبيعة العمل، الترقي، الامتيازات الاجتماعية...؛ معطيات إحصائية حول ولوج المؤسسات المدرسية والجامعية والتكوينية، والتخرج منها والالتحاق بالعمل والاندماج المهني؛ لمحة عن المؤسسات التأهيلية والجامعية والتكوينية والمهنية، من حيث مسارها التاريخي، وموقعها ونظام الدراسة/التكوين بها، ومردوديتها النوعية والكمية، الداخلية والخارجية...؛ جرد لمختلف المهن والوظائف حسب التخصصات المدرسية والمهنية والجامعية والتكوينية، والقطاعات الاجتماعية والاقتصادية، وكذا متطلباتها ومميزاته وكل ما يرتبط بها إداريا واجتماعيا…؛ تمارين وتطبيقات تعمل على تنمية وتقوية الفكر التمثلي لمختلف المجالات المهنية عند التلاميذ، حتى يتشكل لديهم تصور شامل لمختلف المهن من حيث خاصياتها ومتطلباتها ومميزاتها...؛ متطلبات سوق الشغل حسب القطاعات الإنتاجية حاليا ومستقبلا: إحصاءات وإسقاطات... 2. إدراج هذه الكراسة الإعلامية، حسب المستويات الدراسية، ضمن اللوازم المدرسية، لاقتنائها من طرف التلاميذ وأولياء أمرهم، الشيء الذي من شأنه أن يشيع ثقافة الإعلام المدرسي والمهني والجامعي والتكويني، ويعزز أواصر التواصل البناء للتلاميذ مع المستشار في التوجيه، ويحفزهم ويؤجج طموحاتهم، ويؤسس قاعدة متينة وموضوعية للمناقشة والحوار. 3. كما يمكن المستشار في التوجيه من تركيز جهوده حول العلميات التربوية الجوهرية للتوجيه، المتجلية في: المقابلات الفردية الهادفة إلى التعرف على التلاميذ وتعريفهم بأنفسهم؛ التقييم التربوي والنفسي باعتماد روائز متخصصة من أجل مساعدة التلاميذ على بلورة مشاريعهم الشخصية؛ دراسة واستثمار النتائج المدرسية، وتحديد نوع تعثرات التعلم عند التلاميذ، والمشاركة في تنظيم حصص الدعم والتقوية لفائدتهم من أجل الرفع من مستواهم التحصيلي؛ إنجاز ملفات التتبع والتوجيه خلال المسارات الدراسية للتلاميذ؛ رصد حاجيات التلاميذ واستعداداتهم واهتماماتهم باعتماد أدوات قياس متخصصة؛ رصد التلاميذ ذوي الحاجات الخاصة، وذوي الصعوبات من أجل إدماجهم في الوسط المدرسي والتربوي؛ دراسة الظواهر التربوية ومحاولة وجود حلول تربوية ملائمة لها؛ المشاركة في تقييم المردودية المدرسية الكمية والنوعية للمؤسسة التعليمية... 4. إدراج المجالات المهنية حسب المستويات الدراسية ضمن المجزوءات والبرامج المقررة، حتى يستوعب التلاميذ مميزات المهن والوظائف وخصوصياتها وكل ما يتعلق بها؛ 5. إصدار مضامين هذه الكراسة الإعلامية، تدريجيا، وحسب فترات محددة، على صفحات الجرائد والصحف الوطنية لمداولتها ونشرها وتقريبها من العموم؛ 6. تخصيص حلقات أسبوعية للإعلام المدرسي والمهني والجامعي والتكويني ضمن برامج الإذاعة والتلفزة الوطنية، ينشطها متخصصون في التوجيه التربوي؛ 7. إحداث مواقع على شبكة الإنترنيت لهذه الكراسة الإعلامية، حسب المستويات الدراسية، ونشرها للعموم وتنقيحها وتحيينها كل موسم دراسي، وربط المؤسسات التعليمية بهذه الشبكة؛ 8. تجهيز القاعة متعددة الوسائط بالحواسيب اللازمة والبرمجيات الإعلامية والتعليمية التفاعلية، وربطها بشبكة الإنترنيت وتنظيم تردد التلاميذ على هذه القاعة للتزود بالمعلومات التي هم في حاجة إليها، والتي تساعدهم عل معرفة الذات، والمحيط التربوي والمهني، من أجل تحقيق الأهداف التي يرسمونها لأنفسهم، كما ينص على ذلك الميثاق الوطني للتربية والتكوين؛ 9. تنظيم ندوات ولقاءات وتظاهرات تربوية في إطار إداري وتربوي أو تشاركي مع جمعية أمهات وآباء وأولياء التلاميذ أو فاعلين تربويين أو هيئات أو جماعات محلية للتعريف بالتوجيه التربوي والمهني والجامعي وأهميته ضمن منظومة التربية والتكوين ببلادنا؛ الإعلام المدرسي والمهني والجامعي عملية تربوية بقلم: نهاري امبارك