اليوم الثاني المكان : مكتب النائب الإقليمي الفاخر جدا ! الزمان : صباحا، مساء، ليلا أو نهارا…لا يهم ! يتحلق المستشارون والمفتشون في صمت حول طاولة مستديرة في انتظار النائب الذي يجري مكالمة هاتفية بصوت مرتفع وبحدة مبالغ فيها للظهور بمظهر القائد الشجاع أمام جنوده. يرسل في طلب العون العجوز المكلف بسجل التوقيعات. يدخل العون المسكين وهو يرتعد حاملا "السجل الذهبي". يوقعه النائب بعصبية ونرفزة مصطنعتين. تمر الثواني ببطء وكان عقارب الساعة قد توقفت عن العمل. يقبل النائب أخيرا وهو مزهو بنفسه كالطاووس ليجلس أمام الحاضرين. ثم يبدأ الإسهال اللفظي الناتج عن التعفنات المعرفية المزمنة. - رغم أن الوزارة قد وفرت جميع الظروف البشرية والمادية لهذا الموسم الجديد إلا أن الدخول المدرسي لا زال متعثرا كالعادة والسبب يعود في رأيي، وأنا مقتنع بذلك إلى تهاون الطاقم الإداري والتربوي…تقدير المسؤولية منعدم في هذا البلد وهو سبب تخلفنا…فساد الإدارة من فساد المسؤولين…لا يمكن أن نصلح الإدارة إذا لم نصلح المسؤولين…التربية أولا وأخيرا…غياب الأخلاق هو مشكلتنا الرئيسية…تخليق الإدارة هو الشعار الذي تبنيته منذ أول يوم لي في هذا المنصب ولن أتراجع عنه…سأضرب بيد من حديد على كل من تهاون في العمل…من رأى منكم منكرا فليغيره بيده…متابعة الدخول المدرسي من مهامنا جميعا وسأشكل لجانا لتتبع هذه العملية وأريد أن تصلني التقارير الكبيرة والصغيرة حول أي خلل مهما كان…يجب أن يلتحق التلاميذ بفصولهم الدراسية في التاريخ المحدد لذلك وأي تأخير في ذلك يعاقب عليه طبقا للقوانين الجاري بها العمل…لا أريد أي تسامح في الموضوع…لا افهم كيف ينام هؤلاء وهم مرتاحو البال وكيف يتقاضون رواتبهم وهم يأكلون السحت الحرام… - سيدي النائب، ما تقولونه معروف لدى الكبير والصغير لكن المشكل الحقيقي هو في العلاج…سياسة العصا فاشلة والكل يعلم ذلك…المقاربة يجب أن تكون علمية ورصينة بعيدا عن التشنجات والاعتبارات النفسية أو السلطوية… - ما تقوله اعرفه وأحفظه عن ظهر قلب لكننا في المغرب والمغاربة "راسهم قاسح وكامونيين الا ما زيرتهم ما يطلقو الريحة"…"الحساب صابون"…وأنا أيضا محاسب من طرف الوزارة…هذه المقاربات تصلح لاجتياز الامتحانات المهنية أما الواقع فهو بعيد جدا عنها فلا داعي من فضلك لتكرار هذا الكلام الجميل… - اسمح لي سيدي النائب لكننا لن نتحول إلى" فرقة المؤمنين" la cabale des dévots للتجسس على الأطر الإدارية والتربوية وكأننا في القرون الوسطى…ليست مهمتنا التحقق من نوايا الموظفين أو تربيتهم… - اسمع يا…ما اسمك ؟ الإدارة لا ترحم… من لا يريد العمل فليغير هذه المهنة…لقد سئمنا من كثرة الكلام النظري…التلاميذ يريدون تعليما في المستوى وليس تنظيرات فارغة… - التلاميذ يا سيدي مكدسون في الزنازين- الأقسام كالدواجن في أقفاصها – راجع مقالنا السابق بعنوان خبراء التربية الدواجن- والكل يعاني في صمت من هذا النظام التربوي المتهرئ ولا احد يجرؤ على الطعن فيه وكأنه من المقدسات… - أنا هنا لتنفيذ سياسة الوزارة وليس لإصلاح التعليم …هذا شان آخر…أنت موظف وعليك طاعة رئيسك في العمل…في المنشط والمكره… الرأي حر لكن قراري ملزم … بمقدوري فصلك نهائيا عن الوظيفة…لا أريد نقاشا في الموضوع…انتهى الاجتماع…نسيت…هناك تعويضات مالية لهذه اللجن…فالمرجو تعبئة المطبوعات الخاصة بذلك…أراكم بعد انتهاء زياراتكم الميدانية…يتبع يوميات مستشار في التوجيه التربوي محمد ازرور