مددت وزارة التربية الوطنية أجل المباراة التي تنوي إجراءها لفائدة الأساتذة حاملي الشهادات الجامعية لترقيتهم إلى الدرجة التي تناسب شهاداتهم ، و قد جاء هذا التمديد إثر إضرابات طويلة وشرسة خاضها هؤلاء الأساتذة وصلت إلى ما يقارب السبعين يوما من الإضراب المتواصل ، و أيضا بعد الاجتماع الذي أجرته مع النقابات التي تحاورها في القضايا القطاعية و الاجتماعية … هذا التمديد ما زال مرفوضا جملة و تفصيلا لاعتبارات موضوعية تتبناها مجموعة كبيرة من الأساتذة ، رغم أن وزارة التربية الوطنية غيرت لغتها الترهيبية تجاههم ، و بدأت تسن لغة الترغيب و التودد إليهم ، من خلال إصدارها بلاغا صحفيا جديدا ، ينفي أن تشتمل مباراتها على الحصيص ، الذي يعني نجاح نسبة معينة دون أخرى ، و اقتصارها على القول بإن كل من حصل على المعدل المطلوب سيتم نجاحه مباشرة ، كما تنفي إعادة التعيين إلا لمن غير الإطار . نرى أنه من المنطقي أن نضع هذه المباراة في إطارها الصحيح ، و نحاول استبانة مشروعيتها التي تنادي الوزارة بها أو نخرج متيقنين بصدق خلاصات الأساتذة الذين يرفضونها رفضا باتا لأسباب كثيرة،و يمكن تلخيص ذلك في النقط التالية : تنبغي رؤية المباراة في إطارها القانوني ، و الوعي بتبعاتها ، فكما يقال : لا يعذر أحد بجهله للقانون ، فهذه المباراة أسسها المرسوم 211 على 623 و القرار 1328 13 الوزاريان ، بالنسبة إلى المرسوم الأول فقد جعل هذه المباراة إعادة للتوظيف و إعادة للتعيين في درجات جديدة حسب الشهادات الجامعية ، و ذلك في مادته الاولى ، أما القرار الثاني فيصرح مباشرة في مادته الخامسة و السابعة بأن هذه المباراة ستفتح حسب عدد المناصب المتبارى بشأنها ، كما ستتم إعادة تعيين الناجحين في اليوم الموالي من نجاحهم . إذاً لا تأويل في القانون ، و لا لعب في ألفاظه و عباراته اللغوية ، فكلمات أو عبارات من قبيل : المناصب المتبارى بشأنها ، أو التعيين ، أو التوظيف … فيها دلالات واضحة على أن كل من سيجتاز المباراة لا يظن يقينا نجاحه ، و لا يسلم من إعادة التعيين من جديد ، كما ستقرصن سنوات رتبه في السلم ، و سيرجع القهقرى من جديد . الوزارة حاولت أن تستر عورتها القانونية ، و أخرجت بلاغا صحفيا تنفي فيه الحصيص ، و إعادة التعيين ، و لكي لا تتناقض مع المرسم و القرار القانونيين دون غيرهما ، أردفت ببيانها أن كل من حصل على المعدل المطلوب سيتم نجاحه ، كما أنه لن يعاد التعيين من جديد إلا لمن غير الإطار معتقدة أنها ستقنع الأساتذة باجتيازها . و بتأمل بسيط في بيانها ، نستشف منه أولا تزكيته للمرسوم و القرار ، فقد جعل البيان عتبة النجاح حسب المعدل المطلوب ، لا كما يظن بعض إخواننا أن كل من حصل على 10 على 20 سينجح ، فعبارة البيان : المعدل المطلوب ، فيها دلالة واضحة أن تحديده سيناط بالوزارة ، فقد تجعله 19 على عشرين إن أرادت ترقية 100 أو 200 أو 300 من بين 6000 أستاذا و أستاذة ، كما أن إعادة التعيين لم تنفه مطلقا حتى في بيانها ، فقد قالت أنه سيفعّل في حق من غير الإطار ، و من يدري أن الوزارة إن أرادت أن تسد الخصاص الكبير الحاصل في التعليم الثانوي التأهيلي ، فستعيد تعيين أساتذة الابتدائي و الاعدادي في مناطق جديدة ، و ربما قاسية جدا ، ليس فقط للحاصلين على الماستر ، بل حتى الإجازة ، ما دام شرط التدريس في التعليم الثانوي التأهيلي الحصول على الإجازة . بالإضافة إلى ذلك ، فالقانون لا يعترف بالبيان الصحفي ، فهو حبر على ورق لا يلزم أحدا بشئء ، فالقانون يعترف بالوثائق المختومة ، مثل المراسيم ، و القرارات ، و المذكرات . هذه الفلتة القانونية التي لم تنطل على هؤلاء الأساتذة ، جعلتهم أيضا يفتحون نقاشا آخر حول نزاهة هذه المباراة ، فقد جعلتها الوزارة شفهية ، و الجميع يعلم مدى الشنار الذي يقع في الامتحانات الشفهية ، فلن تكون الكفاءة هي المعيار في النجاح ، فقد تبدأ الاستفزازات التي ستطول شخصية المتباريين ، و ستسعى إلى النيل منهم ، و ربما رد الصاع صاعين لهم بعد الاحداث التي وقعت مؤخرا ، هذا إذا تم اجتيازها طبعا ، بل حتى في التعليم العالي ، فقد فطن وزيره الداودي إلى العيوب التي تشوب الامتحانات الشفهية في الماستر ، ثم الزبونية و البيع و الشراء ، فقرر مبدئيا إلغاءها ، و الاكتفاء بالامتحانات الكتابية ، لكن لم تلتزم أغلب الجامعات بذلك كما هو معلوم . شيء آخر لا بد من ذكره ، و هو أن أي أحد ، و ربما حتى الوزارة و النقابات المحاورة ، لا يعلم متى ستصدر نتائج هذه المباراة ، فمعلوم أن الوزارة لها ذكر سيء في احترام المواعيد ، و ما تأخر نتائج الحركة الوطنية الانتقالية عنا ببعيد ، بمعنى أن الوزارة قد تصدر نتائج هذه المباراة بعد أكثر من سنة ، و ربما سيذهب الأمر إلى السنتين ، و الكل أيضا يعلم تأخر صدور نتائج المباريات الترقية المهنية . إن في تأخر إعلان نتائج الناجحين في هذه المباراة ، معناه أن الناجح سيحس أنه دخل من جديد إلى التعليم ،و أن جميع سنواته ذهبت سدى فمثلا ، أستاذ دخل إلى التعليم سنة 2012 ، في السلم التاسع ، و بالرتبة 2 ، إذا صدرت نتائج هذه المباراة بعد سنتين ، و نجح فيها ، سيصبح ترتيبه السلم 10 الرتبة 1 أو 2 ، بمعنى أنه سيجد نفسه بعد أكثر من أربع سنوات في التعليم ما زالت في رتبة متأخرة في السلاليم ، و أن صديقه الذي فشل في مباريات التعليم ، إذا لحق به ، في ظرف سنتين سيكون في نفس رتبته ، أي السلم 10 الرتبة 2 . لذلك ، يبدو أن مطلب الأساتذة و الأستاذات بعدم مشروعية و منطقية المباراة في محله ، و يجب على كل معني حاليا مقاطعتها ، و الفصام معها ، و في نفس الوقت يجب إيصال مثل هذه الأفكار للمجتمع المدني ، الذي يظن بعض أفراده واهمين أننا نخاف من المباريات ، و هذا غير صحيح ، فنحن نطالب بالمماثلة ، و لم ندع إلى سُنَّة محدثة ، و إنما ندعو إلى تفعيل الدستور الجديد ، الذي يفرض مبدأ المساواة و العدالة دون تمييز .