عبد الحفيظ زياني يقصد بالمجتمع المدني، كل المؤسسات المدنية التي تمارس أنشطتها في إطار المقاربة التشاركية الحقيقية للعنصر البشري مع مرافق الدولة بهدف تحقيق الاحتياجات الملحة لخلق تنمية شاملة . قد يجزم الجميع بالدور البارز والطلائعي للمجتمع المدني في تفعيل الحياة العامة وتخليقها، وكسب رهانات الشأن العام بالانخراط الإيجابي ضمن كبرى القضايا، الشيء الذي يجعل من المؤسسات والتنظيمات المدنية محركا استراتيجيا يعتبر التنمية من أولوياته . إن مقياس رقي المجتمعات هو مدى قدرة أجهزتها المدنية على تجاوز الصعاب والمعيقات، والمساهمة الإيجابية في صنع تنمية فعلية، بخلق مجالات لاستثمار الطاقات و جلب الفرص الحقيقية، لتصبح المحك الحقيقي لنشر الوعي ، وثقافة الذات ، مما يجعل منها محركا للتربية على القيم. عل الشرط الأساسي في نجاح المهمة هو القدرة على استيعاب النخب المؤهلة، القادرة على الإنتاجية في إطار دعم السلوك المدني لتحقيق الأهداف و الغايات الكبرى، لاعتبارها المكون الرئيسي لبناء المجتمعات ورقيها . قد تتفاوت الأدوار و المهمات حسب البيئة و الظروف، ويبقى المجتمع المدني القائد الوحيد لعملية التنمية البشرية القادرة بدورها على إنتاج الكفاءات ضمن حركة تفاعلية جدلية . يعد المجتمع كمؤسسة ونواة صلبة لإنتاج الفكر البشري القادر على المشاركة في بناء ثقافة تساهم بالقسط الوافر في رفع المردودية، في إطار مشروع يقتضي طرح أسئلة واضحة حول صيغ تدبير الأزمات والاستفادة من تراكم الأخطاء من خلال رؤية شمولية واضحة، ليتضح في النهاية موطن الداء و الخلل، إن كان أزمة هوية، أم مجرد مسألة تدبير . لاشك أن الدولة و المجتمع المدني متلازمان، فالأولى تشرع القوانين التي تهيء المناخ الملائم و الكفيل بخلق ظروف تسمح بنجاح المنظمات غير الحكومية المساهمة في العملية التنموية ، الأمر الذي يفرض إلزامية وجود هذه الأخيرة، فهناك أسباب داخلية وأخرى خارجية مرتبطة بالمناخ الدولي وتأثيره، فلم تعد الدولة وحدها قادرة على تنمية الطاقة البشرية كثروة حقيقية، مما فرض بديلا يتمثل في بناء شراكة فعالة لأجل تحقيق الأهداف و الغايات لإنجاز وتحقيق التحديات الكبرى . لكن من شروط العلاقة التشاركية الجيدة، هو توفير الظروف الملائمة لضمان نجاح المجتمع المدني ضمن أدواره التي خلق لأجلها، من خلال ثلاثية العناصر و الأدوار : الدولة، المجتمع المدني، التنمية . لعل من الوظائف الرئيسية لأجهزة الدولة، وفعاليات المجتمع المدني هي القدرة على إنتاج واستثمار الثروات، والعمل على إدماجها في دواليب الشأن العام ، وتبقى الثروة الحقيقية هي الثروة البشرية، وتعد المدرسة هي المؤسسة الوحيدة القادرة على إنتاج وإعادة إنتاج الطاقة البشرية الكفيلة بالتأثير في مختلف المجالات والأصعدة : الاجتماعية و الثقافية والسياسية، لنخلص في النهاية إلى الثالوث المسؤول عن التنمية البشرية : الدولة، المجتمع المدني، المدرسة .