ذ. كريم الطيبي/ أستاذ اللغة العربية. 1- توطئة: شكّلت إشكالية تدريس اللغة الأمازيغية وجعلها عضوًا في جسم المنظومة التربوية ببلادنا دَيدَنَ بعض الكُتّاب الذين نذروا أقلامهم في سبيلها؛ ورافقوا قضيتهم بكل وفاء وإخلاص وتفانٍ، وخَصَّصوا مجموعة من الأعمدة والمقالات في الصحف والمجلات تصدّوا فيها لقضية اللغة الأمازيغية وتدريسها تنظيرًا وممارسة، مع تعقّبهم لمسير هذه القضيّة منذ قبل الاعتراف بها رسميًّا إلى حين أن أصبحت مادة تُدرّس في المدارس التعليمية مثلها مثل اللغة العربية واللغة الفرنسية وغيرهما. ومن أبرز هؤلاء الكتّاب الذين يمكن لنا تصنيفهم في هذا المجال، البحّاثة والأستاذ"عبد الله أزواغ" الذي أصدر كتابه المعنون بِ"الأمازيغية التعليمية في الصحافة المغربية- مقاربة ديداكتيكية"؛ ونسعى في هذه الورقة تقديم فَذْلَكَة موجزة عن هذا الكتاب المهم. 2- نبذة عن الكاتب: عبد الله أزواغ من مواليد مدينة العروي (إقليمالناظور)، حاصل على الإجازة في تخصص الأدب العربي بجامعة محمد الأول بوجدة، وهو خريج مركز تكوين الأساتذة بالناظور، ويشتغل حاليًا أستاذا للتعليم الثانوي التأهيلي مادة اللغة العربية؛ ويعتبر الأستاذ أزواغ ممّن عُنِيَ بدراسة التراث الأمازيغي والدعوة لتدريس اللغة الأمازيغية في المدرسة المغربية باعتبارها رافدًا من الروافد التي تُكوّن الثقافة المغربية الثرية والخصيبة، ومن أهمّ ما أنتج في هذا الحقل كتاب:"الأمازيغية ضمن المنظومة التربوية" و" قافلة تيفيناغ الطريق إلى الأمازيغية"… وإلى جانب إصداراته العديدة، ومقالاته الكِثاث ؛ فهو يشتغل – حاليًا – على إصدار معجم أمازيغي. 3- نبذة عن الكتاب: كتاب "الأمازيغية التعليمية في الصحافة المغربية" هو عبارة عن مقالات متنوعة نشرها الكاتب في مجموعة من الجرائد المحلية والوطنية المهتمة بهذا الشأن، يقول الأستاذ أزواغ في مقدمة كتابه:"ارتأينا أن نسهر على جمع هذه المقالات التربوية الأمازيغية التي نشرت عبر مختلف الجرائد الوطنية المهتمة بالثقافة الأمازيغية والتي أعطتها الصحافة المغربية عناية من خلال الصفحات المخصصة للنشر"؛ ويذكر الكاتب الجرائد التي أذاعت مقالاته وهي:"جريدة العالم الأمازيغي، تاويزا، أكراو، تاسافوت، تيفراز، أمنوس، المستقل، شروق." يتبدّى لنا أن المؤلف أحسّ بأهمية هذه المقالات لذلك قام بجمعها وتحصينها في كتاب، وهذا الكتاب جاء في 206 صفحة من القطع المتوسط، عن مطبعة "إقرأ- الناظور". والكتاب يُقارع مجموعة من القضايا والإشكاليات المتعلِّقة بمسألة تدريس اللغة الأمازيغية؛ وعن المنهج الذي تأسّاه المؤلف في دراسته لهذه القضايا، وتحليله للإشكاليات، يوضّح الأستاذ أزواغ ذلك للقراء قائلا: " هذه المقالات تروم إلى مقاربة ديداكتيكية تهم المجال التعليمي الأمازيغي وفق منهجية مبنية وواضحة تتوخى الوقوف على مكامن الضعف والقوة في المنهج التعليمي الأمازيغي وما يتعلق به من طرائق ديداكتيكية تسعى إلى تقويم الخلل التربوي وتطرح بديلا تعليميا صالحا ومسايرًا للعملية التعليمية الأمازيغية من كل الجوانب إن على مستوى الطرائق أو إعداد العدة أو مجال تأليف الكتاب المدرسي."(ص2) وسنحاول أن نبيّن أهم الإشكاليات التي غاص فيها الكاتب. 4- الإشكاليات المطروحة في الكتاب: بَسْمَلَ الكاتبُ كتابه بإهداء عام يشكر فيه مسانديه ومساندي القضية، والشرفاء الفضلاء، لينتقل لذكر مقدمة يوضّح فيها فكرة الكتاب ومنهجه والهدف من تأليفه؛ ثم ساق الكاتب مقبوسات من بعض الخطابات الملكية التي تَخدُمُ القضية التي يرصدها المؤلّف في كتابه. وقد وجدَ أنه من المهم إيراد الأسس المنظمة لمنهاج اللغة الأمازيغية ومرتكزاته، والتوجهات والاختيارات المتعددة في تأطيره في بَدْأةِ الكتاب؛ ثم يمضي في مناقشة بعض القضايا التي لخصناها في إشكاليتين اثنتين: . إشكالية الاعتراف بالأمازيغية: يطرح المؤلف إشكالية مهمة هي الاعتراف بالأمازيغية باعتبارها هوية للمغرب، وتكتسي بعدًا ثقافيًا وإرثًا لغويًا وجب الاعتناء به، ودراسته وتدريسه، من أجل التعريف به من جهة والحفاظ عليه من جهة ثانية؛ وهذا ما دعت إليه مجموعة من الخطابات الملكية ولعل أبرزها خطاب أجدير أكتوبر 2001:"ولأن الأمازيغية مكون أساسي للثقافة الوطنية، وتراث ثقافي زاخر شاهد على حضورها في كل معالم التاريخ والحضارة المغربية فإننا نولي النهوض بها عناية خاصة، في إنجاز مشروعنا المجتمعي الديموقراطي الحداثي…إن النهوض بالأمازيغية مسؤولية، لأنه لا يمكن لأي ثقافة وطنية التنكر لجذورها التاريخية."(ص5) فالخطاب لغته صريحة ووَضَّاحة، يؤكد على مهادنة الوضع وانتهاء زمن شتيمة "الأوباش" وانقضاء تلك القسمة الضّيزى "مغرب نافع" و"مغرب غير نافع"؛ والمغاربة قابلوا هذا المنجز بالفرحة والانشراح وأحسوا بفناء الضّيم والتهميش. غير أن الواقع بعد الإعلان عن الرغبة في الاهتمام بالقضية الأمازيغية، أكّد غير ما قيل؛ والمؤلِّف يسعى إلى ذكر الاختلالات التي سايرت قضية تدريس الأمازيغية كغياب استراتيجيات جادة في تعميم تدريسها على جميع المستويات؛ ليجيب المؤلِّف قائلا:" وكأن وضعها (أي الاعتراف بالأمازيغية وتدريسها) تكميمًا للأفواه التي طالما نادت بإدراجها إدراجًا سليمًا وتامًا انطلقت عملية التدريس للغة الأمازيغية والتي اعتبرها جل الفاعلين التربويين ببيضاء التلقين نتيجة الارتجالية والتسرع وبذلك حكم عليها بالإعدام والإعدام المبكر سيما عندما تدرس لغة بلغة وهذا ما يفقدها جاذبيتها وهويتها…"(ص35) ويقول في موضع آخر:"إن تعليمها كان شعارًا لتكميم الأفواه المنادية لإنصاف الأمازيغية باعتبارها حناجر محرجة لأعدائها نادت بمشروعية الوجود اللغوي الأصلي لهذا الوطن."(ص83) . إشكالية تدريس الأمازيغية: تعرّض الأستاذ أزواغ في كتابه، قيد القراءة، إلى إشكالية تدريس الأمازيغية في المؤسسات التعليمية بشكل مُطْنِب ومُسْهِب، بل يمكن أن نقول أنها الإشكالية التي شغلت بَلْبالَه، وسيطرت على هواجسه في هذا الكتاب، وهذا راجع لحساسيتها وأهميتها؛ يقول المؤلف:"إن المتتبّع للحقل التربوي بالمغرب على علم بالكيفية التي تمّ بها إدماج اللغة الأمازيغية بالمدرسة العمومية المغربية بدءًا من مراحل الحوار وقوفًا عند الإقرار ووصولا إلى التنفيذ والتطبيق فعملية تدريس الأمازيغية جاءت لتملأ الفراغ اللغوي الذي عرفته المنظومة التربوية الوطنية وخلق حلقة تواصل جديدة بين كل المغاربة."(41) إن قرار تدريس الأمازيغية –وإن جاء متأخرًا- بدل أن يلقى دعمًا من المهتمّين، ويدًا معينة من قِبل المغاربة أجمعين، لقي العكس، حيث أثار السخط والشنآن؛ إذ انقسمت فئات متعددة ترد على هذه القضية بردود مختلفة؛ هناك من يقول بعدم جدوى تدريسها، فهي لا قيمة لها ولا تسمن ولا تغني من جوع؛ وهناك من اعتقد أن تدريسها يحمل في باطن الأمر نوايا خبيثة، هي استهداف اللغة العربية ومزاحمتها وفي هذا الرأي من يذهب بشطحات خياله إلى آفاق لا محدودة. بينما القليل النزير من وجد في هذا القرار إنجازا مهمَّا، من خلاله سيتم إعادة الاعتبار للغة الأمازيغية المسلوب حقها، وسيتم الاعتراف بلسان يتحدّث به عدد كبير من سكّان المغرب شمالا ووسطًا وجنوبًا؛ ويتحدّث المؤلف عن هذه الإشكالية بقوله:" المشكل ليس في تدريس الأمازيغية بقدر ما هو في العقليات المختلفة والمتخلفة الرافضة للتعدد والاختلاف والساعية دائمًا للسيطرة وإقصاء الآخر صاحب اللغة الأخرى مع أن هذه اللغة الأمازيغية هي أصيلة ووطنية ولم تأت من الشرق ولا من الغرب."(ص41) لقد ألقى المؤلِّف الضِّياء على قضية تدريس اللغة الأمازيغية من الخارج، ثم فتح باب التحليل والنقد في العمق، ليقف على مجموعة من الاختلالات والأخطاء الظاهرة؛ كما حاول أن يبيّن أن اللغة الأمازيغية نبتة نادرة وجديدة على الجسم التربوي وقد تمّ غرسها في تربة غير ملائمة لها؛ ولهذا فمن الطبيعي ألا نحصل على نتائج إيجابية، وأن تتبوأ هذه المادّة مكانة جيدة، ونجاحاً باهرًا. ويشير المؤلِّف، في مقالات عدّة، إلى جملةٍ من العيوب التي رافقت تجربة تدريس الأمازيغية نذكر منها على سبيل التمثيل – لا الحصر-: - غياب التكوين الجاد والتوجيه السليم مع الخلل الحاصل في الحصص الزمنية. - إسناد مهمة تدريس اللغة الأمازيغية لأساتذة غير ناطقين بها وغير أكفاء لتدريسها. - استغلال حصة الأمازيغية للدعم أو للرسم أو أشياء أخرى نظرًا لغياب رقابة تأطيرية جادّة ومسؤولة. - غياب التكوين والتكوين المستمر. - وجود معجم أمازيغي صعب، وغياب قاموس توضيحي مرفق يشرح معانيه…الخ وفي المقابل يقدّم المؤلِّف بعض الحلول العملية التي من شأنها تطوير العملية التعليمية – التعلمية الأمازيغية وتحسينها؛ نذكر منها: - يجب أن يكون المدرس المنوط به مهمة تدريس اللغة الأمازيغية أهلا لها ومتمكنا منها. - إسناد اللغة الأمازيغية يجب أن يكون لأستاذ واحد متخصص فيها. - تعليم اللغة الأمازيغية يتم بخلق أرضية موازية هادفة وموجهة للمتعلم مع مراعاة شروط تفعيلها، وخلق فضاءات تربوية مساعدة لمواصلة التحصيل وزرع الرغبة لديه…الخ كانت هذه لمحة موجزة عن إشكاليتين مهمتين تطرق إليها المؤلف في كتابه، ولا شك أن الكتاب قد تناول إشكاليات متعددة ورَصْدُها لا يتأتّى إلا بقراءة الكتاب قراءة متأنية وفاحصة وثاقبة. على سبيل الختام: يعدّ كتاب:"الأمازيغية التعليمية في الصحافة المغربية" ترسانة مهمّة من الأفكار التي من شأنها إثراء العملية الديداكتيكة في اللغة الأمازيغية، هذه اللغة التي هي بنت شرعية للهوية المغربية، ويجب صيانتها وزرعها في الناشئة من أجل تعميق الأواصر بالأصل والتراث، ومن يحاول وَأدَ هذه البنت وهي حية باسقة في العلا، إنما يسعى لمحاربة سنة الله في الكون، التي من علاماتها { خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين} (سورة الروم:22).