مركز تفكير فرنسي: مسار الانتقال الطاقي بالمغرب يسير قدما مدعوما بإصلاحات استراتيجية ومنظومة مبتكرة    مدرب الرجاء: لم نقدم الأداء المطلوب والحكم ألغى هدفًا مشروعًا    هذه توقعات أحوال طقس اليوم الأحد بالريف وباقي مناطق المملكة    حصيلة ضحايا حرائق لوس أنجلوس ترتفع والنيران آخذة في الاتساع    السكتيوي يلغي التجمع الإعدادي لمنتخب المحليين    حافلات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية معرضة للاتلاف أمام مقر عمالة الجديدة    طنجة: وفاة امرأة بسبب تسرب غاز البوتان أثناء الاستحمام    حادث مروّع في ستراسبورغ: اصطدام عربتي ترام يُصيب العشرات (فيديو)    طنجة: عمليات أمنية صارمة للحد من المخالفات الخطيرة لسائقي الدراجات النارية    الحرائق المستعرة تتسع بلوس أنجلوس.. ساحة حرب كاسحة وخسائر فادحة    المدرب المؤقت للرجاء ينتقد التحكيم    أولمبيك آسفي يعمق جراح الشباب    إلغاء تجمع "منتخب 2000 فما فوق"    جمعية بسطات تحتفل بالسنة الأمازيغية    توقيف تاجر مخدرات في سيدي إفني    "كوست ويف" يتجاوز البلوكاج بالجديدة... توفير ضمانات يحرر صافرتيْ إنذار    اختتام أشغال قمة التنمية الزراعة الإفريقية على خلفية التزام بزيادة إنتاج الصناعة الغذائية    الخنوس أحد صناع الفوز العريض لليستر سيتي أمام كوينز بارك رينجرز    دراسة تسلط الضوء على تحذير بشأن ارتفاع حرارة محيطات العالم    حصيلة ثلاث سنوات غنية من تجربة مسرح رياض السلطان بطنجة    كمبالا: البواري يؤكد التزام المغرب بتطوير فلاحة قادرة على الصمود    أخطاء كنجهلوها.. أهم النصائح لتحقيق رؤية سليمة أثناء القيادة (فيديو)    "قيادات تجمعية" تثمّن الجهود الحكومية وورش إصلاح مدونة الأسرة المغربية    اليمن بمن حضر فذاك الوطن    عرض مسرحية "أبريذ غار أُوجنا" بالناظور احتفالا بالسنة الأمازيغية    بفضل الرؤية المتبصرة لجلالة الملك، مسار الانتقال الطاقي يسير قدما مدعوما بإصلاحات استراتيجية ومنظومة مبتكرة (مركز تفكير فرنسي)    الصمت يرافق ذكرى أول وفاة بسبب "كوفيد" في الصين    مؤسسة وسيط المملكة: تحسين العلاقة بين الإدارات ومغاربة العالم    إيقاعات الأطلس تحتفي برأس السنة الأمازيغية في مسرح محمد الخامس    المغرب بين المكاسب الدبلوماسية ودعاية الكراهية الجزائرية    جدل دعم الأرامل .. أخنوش يهاجم بن كيران    زياش يمنح موافقة أولية للانتقال إلى الفتح السعودي    الملك محمد السادس يهنئ سلطان عمان بمناسبة ذكرى توليه مقاليد الحكم    اعتداء عنيف على الفنان الشهير عبد المنعم عمايري في دمشق    نفسانية التواكل    مطالب متجدّدة لأمازيغ المغرب وأماني وانتظارات تنتظر مع حلول "إض يناير" 2975    ذكرى 11 يناير تذكر بصمود المغاربة    الصناعة التقليدية تعرف تطورا إيجابيا بتحقيق نسبة نمو 3% خلال سنة 2024    إسرائيل تواصل التوغل في سوريا    ارتفاع درجة الحرارة العالمية.. الأمم المتحدة تدعو إلى التحرك لتجنب أسوأ الكوارث المناخية    مكناس.. الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة على نغمات فني أحواش وأحيدوس    الصين تعرب عن رغبتها في نهج سياسة الانفتاح تجاه المملكة المتحدة    واشنطن "تتساهل" مع مليون مهاجر    بعثة نهضة بركان تصل إلى أنغولا استعداداً لمواجهة لواندا سول    طنجة... الإعلان عن الفائزين بجائزة بيت الصحافة وتكريم إعلاميين ومثقفين رواد (فيديو)    وفاة وفقدان 56 مهاجرا سريا ابحرو من سواحل الريف خلال 2024    إنفوجرافيك l يتيح الدخول إلى 73 وجهة دون تأشيرة.. تصنيف جواز السفر المغربي خلال 2025    الصين: تنظيم منتدى "بواو" الآسيوي ما بين 25 و 28 مارس المقبل    رواية "بلد الآخرين" لليلى سليماني.. الهوية تتشابك مع السلطة الاستعمارية    مراكش تُسجل رقماً قياسياً تاريخياً في عدد السياح خلال 2024    أغلبهم من طنجة.. إصابة 47 نزيلة ونزيلا بداء الحصبة "بوحمرون" بسجون المملكة    بوحمرون: 16 إصابة في سجن طنجة 2 وتدابير وقائية لاحتواء الوضع    ملفات ساخنة لعام 2025    ارتفاع مقلق في حالات الإصابة بمرض الحصبة… طبيبة عامة توضح ل"رسالة 24″    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إصلاح التعليم .. واقع و شعارات
نشر في الأستاذ يوم 04 - 08 - 2011

رفع المغرب شعارات الإصلاح منذ أزيد من خمسين سنة أي منذ فجر الإستقلال. إصلاح لم يؤت أكله بل عرف القطاع تعميقا للمشاكل وتدهورا للمردودية وما هي في الحقيقة إلا إنعكاس لما تعرفه قطاعات أخرى، فلا يمكن فصل التعليم عن الصورة المجتمعية الشاملة. ويكفينا كمؤشر أن نسجل وفق الإحصائيات الرسمية أن 38% من الأطفال في سن العاشرة فما فوق يعانون من الأمية، رقم مهول إذا إستحضرنا التقارير الرسمية والمبادرات التي طبل لها في عقد التسعينيات مع سياسة التعميم. فالميثاق الوطني للتربية والتكوين والذي أعتبر حينها بمثابة عصا سحرية ستخرج المنظومة التربوية من البوتقة وتحل جميع إشكالاتها، أعلن عن موته السريري حتى قبل إنتهاء عشرية الإصلاح. كيف لا والتقارير الدولية والوطنية تتالت وهي تصور واقعا مريرا؟ إشكالات في واد وإصلاحات في واد آخر. فتقرير البنك الدولي حول إصلاح التعليم في منطقة الشرق الإوسط وشمال إفريقيا دعا المغرب إلى التعجيل بإصلاح تعليمه وحذره مما سماه السكتة القلبية، فترتيب تعليمنا جاء في آخر اللائحة ولم يتقدم سوى على اليمن وجيبوتي وهو أمر له دلالاته، في حين تربع الأردن على رأس اللائحة. ورغم تقارب البلدين إقتصاديا وإجتماعيا إلا أن تباينهما التربوي وفق التقرير المذكور عاد أساسا لتملك الأردن “نظاما تعليميا قيما لأنه يرتكز على العلوم التطبيقية والتكنولوجية والرياضية عوض التركيز على دراسة العلوم الإنسانية” أمر يتضح جليا مع طوابير العاطلين من حملة شواهد شعب العلوم الإنسانية، والتي لا تتيح لحامليها الإندماج بسلاسة في سوق الشغل. ويأتي تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة ليموقع المغرب في الرتبة 126 من أصل 177 دولة ومن أسباب ذلك إرتفاع مهول في نسبة الهدر المدرسي إذ يغادر فصولنا الدراسية كل سنة أزيد من 400 ألف تلميذ، مع العلم أن جهة مراكش تانسيفت الحوز تحتل موقعا متقدما على مستوى إرتفاع نسبة الهدر وطنيا. معطيات ساهمت في إخراج المخطط الإستعجالي إلى حيز الوجود أو ما سمي بإصلاح الإصلاح، مخطط ووجه بإنتقادات لاذعة حيث أعتبرت مردوديته وآثاره على المؤسسة التربوية لا تعكس حقيقة الميزانيات الضخمة المرصودة له. فقد تم الإعلان عن مشاريع متعددة تركز في أغلبها على تجاوز المعيقات المحيطة بالمؤسسة التعليمية. وهكذا تم التركيز ككل مرة على الشعارات من قبيل: “مدرسة النجاح”. مدرسة أختزلت في مستوى واحد ثم مستويين، وكأن الفصول الأخرى تكريس لمدرسة الفشل.. برمجة وبدل حل مشاكل ساهمت في بعض الأحيان في خلق مشاكل أخرى، إتضحت جليا مع العمليات الإجرائية التي كانت تعرف كل مرة عراقيل ومشاكل كما نقول بدارجتنا البليغة بالعرام. فمن توزيع المحافظ المدرسية المطبوع بغياب التنظيم، وغياب الأطر الكافية للقيام بالعملية وبالتالي الزج بهيئة التدريس في الإشراف عليها مما يؤدي إلى تضييع زمن مدرسي بآلاف الساعات في بداية كل موسم.. دون أن نتحدث عن الإخلال بدفتر التحملات من طرف مكتبيين زودوا تلاميذ بمحافظ لا يتجاوز ثمنها ثلث الثمن المخصص لها.. أضف إلى ذلك ما خلفته العملية من تفقير بل وتجويع أحيانا للمكتبيين الصغار المتواجدين في محيط المؤسسة مما ساهم في نمو حقدهم على المدرسة واجتهادهم في كثير من الأحيان في تغذية التوتر في محيطها بإعتبارها ضارة بمصالحهم المادية المباشرة.
وبإنزال الإصلاح تم تعميم تجربة جمعيات النجاح، وهي في الحقيقة تضرب في العمق العمل الجمعوي من خلال تغييب الديموقراطية والتي تعد بحق الركن الأساس في هذا العمل.. فرؤساء الجمعية وأعضاؤها وبمختلف مستوياتهم يتم تعيينهم. مع العلم أن التجربة في أصلها مستقدمة من دولة أخرى، ولكن كان من اللازم تشويهها كما جرت العادة كل مرة لجعلها منتوجا مغربيا بإمتياز. دون أن ننسى الإحصاء ات والتي بالعشرات، فما تكاد هيئة الإدارة التربوية تنهي إحصاء إلا لتبدأ آخر وأحيانا لتعيد الأول نظرا لطابع الإرتجالية الذي وسم سنوات الإستعجال والتعجل، وكما روي عن أجدادنا والصادقون حتما : لا زربة على صلاح.. وعلاقة دائما بالإصلاح الذي أقام الدنيا، وبعد مرور سنتين على الشروع فيه، هناك حديث عن أرقام تتبجح بالتمكن من بناء 3000 فصل في السنة وللإشارة فقط فهو معدل تم تجاوزه في نهاية التسعينات وبميزانيات أقل بكثير، لتثبت لنا التجارب حينها أن الكم لا يحسن الكيف، بل يفسده أحيانا.
وبعيدا عن تجربتنا المغربية، هناك تجارب دول أخرى كانت على موعد مع النجاح: بالبرازيل نجد مثلا ما سمي بالبورصة العائلية، من خلال منح مساعدات مادية للأسر الفقيرة جدا لتدريس أبنائها، حيث بلغ عدد المستفيدين منها 46 مليون برازيلي ينتمون إلى 12 مليون أسرة فقيرة، وتصل منح هاته الأسر إلى 70 أورو وهو مبلغ محترم بالبرازيل. وقد ساهمت هاته المنح في الحد من نسبة الفقر وسط البرازيليين لتنزل إلى 25% بدل 34% في وقت سابق. بل إن عدد المستفيدين عرف تقلصا سنة بعد أخرى لفقدهم شروط الإستفادة ومغادرتهم عتبة الفقر.. تجربة أنقذت البرازيل حينها من غول أطفال الشوارع والذي شكل تهديدا حقيقا للأمن والإستقرار داخل المدن البرازيلية. تجربة حاول المغرب تقليدها من خلال برنامج تيسير، والمتميز بضعف الدعم المخصص للأسر والذي لا يتجاوز بضع عشرات من الدراهم مع إغفاله لمقاربة الأحق بالإستفادة، كما يشتكي القيمون الحقيقيون عليه والمقصود هنا هيأتي التدريس والإدارة التربوية من ضعف شقه التربوي والتنظيمي مما يحول وتحقيق الغايات المرسومة له.
ولنعرج على تجربة أخرى هي تلك الهندية، والتي حاولت الدفع بأطفالها إلى متابعة مساراتهم الدراسية من خلال توفيرها لهم وجبات غذائية حقيقية، وجبات تكون في المستوى وتفي بحاجياتهم الغذائية. وبالفعل نجحت الهند في تحقيق أهدافها بل وتحسين آدائها الإقتصادي وهي اليوم تصدر المنتجات العالية التقنية للدول الصناعية نفسها، بل هي اليوم عضو في النادي النووي والبقية تأتي.. وهنا لا ندعي أن كل ما سبق يعود لبرنامجها الفعال في التغذية المدرسية، بل هو عنصر ساهم بشكل أساس في الحفاظ على المسارات الدراسية لأطفالها. وبالمقابل فالمغرب بدوره تبنى برنامجا وطنيا للتغذية المدرسية وهو في الحقيقة يسجل كل سنة تحسنا من سيء إلى أسوأ. فهل بقطعة بسكويت يتيمة أو شوكولاتة ممعنة في الرداءة سنضمن لطفل قطع كيلومترات عديدة حاجياته الغذائية لقضاء يوم دراسي بفرعية نائية؟ واليوم وفي الكثير من المؤسسات يعاف المتعلمون ما يقدمه له مطعمهم بل ويهجرونه ولا من يحرك ساكنا.. إن الإطعام المدرسي غدا مشكلة تستلزم من المعنيين وقفة من أجل إطعام في مستوى التطلعات وإلا في مستوى الحاجيات.
وتجربة أخرى هي التجربة الأمريكية، والتي من خلال برنامج إيمباكت الهادف إلى الرفع من مستوى التعليم عبر إخضاع المدرسين لنظام تقويمي، يتم بناء عليه إما الإحتفاظ بالمدرس لكفاءته أو منحه فترة سنة لتحسين مستواه وإلا تسريحه. لنعلم أنه خلال السنة الماضية تلقى المئات من المدرسين في 20 ولاية أمريكية تقييمات سلبية جعلتهم مهددين بفقد وظائفهم. وهي تجربة رغم معارضة إتحاد المدرسين لها إلا أنها تبقى نموذجا للحلول الأمريكية.. وبالمقابل على الضفة الأخرى للأطلنتي حيث المغرب، فإن الوزارة مركزيا وخارجيا لا تجرؤ في كثير من الأحيان على إتخاذ ما يلزم في وجه موظفين ليسوا في المستوى المطلوب بل أشباح لا يؤدون أي واجب في مقابل رواتبهم.. بل إن مسؤولين خارجيين للوزارة يعمدون إلى حماية وضعيتهم هذه بمبررات واهية.. ويحرمون بالتالي تلاميذا من خدماتهم في ظل الخصاص والإكتظاظ الخانقين التي تعرفه نياباتهم..ولا من يحرك ساكنا..
وبإختلاف التجارب وتعددها يبقى الهدف الأسمى والأوحد هو الخروج بالتعليم من إشكالاته وإنقاذه من تردياته، فلا تقدم ولا حضارة بدون تعليم وتعليم حقيقي في المستوى، وهذا يستلزم ممن يهمهم الأمر النزول إلى المؤسسات التعليمية والتواصل مع أطراف الشأن التربوي وفاعليه بعيدا عن المكاتب المكيفة وعبارات المجاملة والتي لن تساهم بأي حال من الأحوال في تحقيق مبتغانا جميعا.
بقلم: محمد اسليم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.