أوتيت الست الحرة من العلم والذكاء وشرف النسب وخبرة سياسية لم يؤتى نساء عصرها لأنها نشأت في وسط يسوده جو الزعامة والقيادة منذ نعومة أظافرها . فمن تكون هذه الشخصية التي حكمت تطاون وسعت إلى هدنة المنطقة ووحدتها ودافعت عن حرية وطنها زهاء ثلاثين سنة ؟ كيف فرضت نفوذها السياسي وتبوأت الدور القيادي في تسيير الشؤون التجارية والحربية في المغرب واستطاعت سفنها ان تجوب أغوار المتوسط ؟ كيف رسخت هذه المرأة في الذاكرة الشعبية المغربية طيفا يخرج من البحار يدعى "عائشة قنديشة" وهو اللقب الذي يرمز لكل ما هو مخيف ومظلم مرتبط بعالم الجان والشعوذة ؟ . النسب الشريف للسيدة الحرة . ولدت السيدة الحرة بشفشاون حوالي سنة (900ه - 1493م) ونشأت في بيت جهاد اشتهر بالورع والتقوى . فهي بنت الأمير علي بن موسى بن راشد بن الشريف مؤسس وحاكم مدينة شفشاون ، وأمها للا الزهرة من أصل اسباني أسلمت وحسن إسلامها، ونستند في ذلك للمؤرخ محمد بن داوود حين قال "انها من اصل مسيحي وأسلمت" ، كما أنها تنحدر من دوحة شريفة لكونها من ذرية الولي الصالح مولاي عبد السلام ابن مشيش صاحب المقام المشهور بجبل العلم بشمال المغرب. لقد شاع الحديث في المصادر عن نسب السيدة الحرة الى بيت سلطة وشرف وهو مبرر استند عليه المؤرخين لإثبات احقية الحاكمة في وراثة الحكم والسلطة وراثة شرعية لا لبس فيها ، كما رفع من قدرها نسبها المنحدر من سلالة عريقة اشتهرت بالصلاح والورع ، وتبلور ذلك في المصادر في التنافس في وصف شجاعتها وتقلدها للمناصب القيادية بالمدينة عن جدارة واستحقاق . وهكذا نلمس أن هناك ثنائية تميز سيرة حياة هذه الحاكمة ونسبها المنحدر من دوحة شريفة ، وهي اولا أمثلة هذه الشخصية النسوية الحاكمة وإضفاء طابع الشرف والورع على محيطها المتشبع بالكرامات ، وثانيها ارتهان سرد المؤرخين الى خصوصيات الأسلوب التقليدي بإعادة الأشياء عبر الزمن والذاكرة والركون الى الينابيع الأولى التي تنسب كل من يتقلد السلطة الى سلالة شريفة تضمن له شرعية في الحكم . . تضارب الآراء حول اسمها ولقبها . ظل لقب حاكمة تطاون مثار نقاش حامي الوطيس بين المؤرخين ، ولم يكن يعنينا أن نبحث عن سبب هذا النقاش بينهم بقدر ما يهمنا البحث عن أسباب تغيبت اصل هذا الاختلاف، كما انه لم يكن صعبا ان تتأمل في تفسير سبب التسمية التي أدلى بها كل مؤرخ ، ولكن الصعوبة تكمن في كيفية الانتقاء من تلك المعلومات المتراصة في المصادر لما يتناسب مع شخصيتها الفذة . فقد أكد بعض المؤرخين الأجانب أمثال "هنري دو كاستري"Henry de Castrie ) (، أن اسمها هو "عائشة"، وربما وقع لهم لبس بينها وبين السيدة "عائشة بنت أحمد الإدريسية" أم القاضي محمد بن عساكر صاحب كتاب" دوحة الناشر" ، ونورد رأي آخر يقول إن من حسن حظها حيث أن الكاتب ابنها ، لذا فهو دون لها وفق متطلبات الظروف السياسية والتي فرضت عليه السكوت عن العديد من مواقف السيدة عائشة ، ليذكر جانب زهدها وعبادتها فقط. بينما ورد في بعض المراجع الأجنبية اسم "عايشة كنديسة " و هو لقب الشرف الذي أطلقه عليها البرتغاليون او الأسبان وتعني الأميرة عائشة. وهنا نتساءل هل هذه الشخصية النسائية أسطورية أم حقيقية ؟ خصوصا بعدما أجحفتها الحكاية المغربية الشعبية حقها فأعطتها لقبا مخيفا مهيبا"عائشة قنديشة" وهو لقب يرمز لكل ما هو مفزع ومخيف ومظلم ومرتبط بعالم الغيبيات . ويبقى من الصعب أن نجزم أنها شخصية حقيقة من خلال شخصيتها الأسطورية ولكن من الأصعب إثبات العكس وخصوصا أن المصادر الأجنبية تحدثت خصائصها ونسبت إليها أفعالا شيطانية والتي لها ارتباط بكل ماهو أسطوري بعيد عن الواقع وحيثياته . اكد المؤرخون المغاربة أمثال عبد الله كنون و إبراهيم حركات ومحمد حجي وغيرهم أن اسمها الحرة ، وتحدث مؤرخ تطاون الفقيه محمد داود عن سبب حملها لهذا اللقب حين قال "...إنها لقبت بالحرة تمييزا لها عن الإماء، لأن الناس في ذلك العصر كانوا يكثرون من التسري بالجواري..." ويذهب الأستاذ عبد القادر العافية في كتابه " أميرة الجبل الحرة بنت علي بن راشد " إلى ابعد من ذلك حين قال إن أبوي الست الحرة اهتديا إلى هذا الاسم تيمنا بملكة غرناطة الذائعة الصيت، وأيضا لأن عقد زواجها بالسلطان أحمد الوطاسي، أتثبت بما لا مجال للشك أن اسم الأميرة هو "الحرة". ولعل المؤرخين المغاربة قصدوا من التأكيد على اسم "الحرة" ترسيخ الخصال الجميلة في الذاكرة المغربية عن الحاكمة التطاونية وإضفاء طابع من البطولة والفضيلة عن صورة هذه الحاكمة ،وهي في الوقت نفسه تنزع عنها خصلة التبعية لأي سلطة كانت وتلبسها ثوب الزعامة المطلقة ، خصوصا ان سياستها فجرت الثورة في نفوس فريق من الساكنة التطاونية ، في الوقت الذي تعرضت فيه البلاد لأخطار الغزو الخارجي . . تعليمها وخصالها الرفيعة : لنا ان نتساءل بأي سلاح شقت هذه المرأة الطريق إلى هذا المجد كله ؟ هل بالجمال وحده ؟ ام اقترن ذلك بالفطنة والذكاء العلم ؟ كيف استطاعت ان تخطط لنفسها أدوارا ريادية فرضتها اللعبة السياسية في تلك الفترة ؟ ارجع البعض سبب تقلدها للسلطة إلى جمالها الأخاذ وأنوثتها الفياضة ومواهبها المتعددة التي كان لها وقع كبير على كل من حولها ، وهي صفات استحقت بفضلها لقب أميرة بدون منازع ، على ان من يجمعن بين الجمال والفطنة من النساء لا يمثلن في المجتمع إلا الصفوة النادرة. اقترن ذكاء السيدة الحرة بعلمها وحكمتها جعل عدد غير قليل من المؤرخين يشيدون بها في مؤلفاتهم . فقد تلقت علومها عن كبار العلماء والفقهاء فكانت ذات معرفة ونظر، كما أنها تلقت تعليمها على يد أشهر العلماء والفقهاء وهي حاكمة تطاون ، مما لا شك فيه أن انفتاح المدينة واستقطابها للعلماء والأدباء ساهم في تلقي الست الحرة لعلوم مختلفة ، انعكست على تصرفاتها وقراراتها فيما بعد. وفي هذا الموضوع تروي لنا المصادر سواء البرتغالية أو الإسبانية أن هذه السيدة النبيلة كانت تتوفر على ذكاء نادر، وأخلاق سامية هيأتها لتتقلد السلطة عن جدارة واستحقاق ، وذلك بسبب التعليم الذي تلقته على يد أشهر العلماء ورجال الدين في عصرها...". ويبدو أنها قبضت على زمام الحكم وارتضى الناس حكمها لما كانت عليه من الحزم وحسن السياسة ونستشهد بقول الشيخ محمد داود" بالرغم من كون ولاية المرأة للحكم شيئا لم يكن معهودا بالمغرب إلا أن مكانة العائلتين المنظرية والراشدية وذكاء الست الحرة ومرونتها وحزمها ودهاءها وقوة شخصيتها سوغ لها أن تحكم البلاد سياسيا واجتماعيا وحربيا"، وأضاف "وذلك من أغرب ما حديث في تاريخ تطاون ". . الارتباط السياسي أم زواج السيدة الحرة؟ . لم تطل إقامة الست الحرة في مسقط ر أسها وبين ذويها، فما إن اكتمل نضجها، في سن الثامنة عشر من عمرها، حتى ارتبطت بالقائد المنظري الثاني أحد أتباع والدها ، وكان الغرض الرئيسي من هذا الزواج بين الأسرتين هو تقوية روابط المصاهرة وجمع الشمل وتوحيد الكلمة قصد تقوية جبهة الجهاد ضد التدخل الأجنبي للثغور الشمالية، فانتقلت مع زوجها إلى تطاون ، حيث وجدت وسطا أندلسيا مشبعا بالعادات والتقاليد و التي لا تختلف كثيرا عن تقاليد مسقط رأسها ، فأنجبت منه بنتا واحدة، لم يذكر لنا التاريخ اسما لها سوى خبر زواجها من المنظري الثالث حفيد المنظري الأول (ت946ه). و ما هو مؤكد أن المنظري الثاني الزوج الأول للسيدة الحرة كان بمثابة قائد على تطاون تابع لأمير شفشاون ونستند في قولنا على المؤرخ البرتغالي كوميس صاحب كتاب " تاريخ الملك ضون مانويل " حيث كان حين الحديث عن المنظري يصفه دائما بقائد تطاوين في حين يطلق على ابن راشد سيد القوم الذي يعني الأمير". وتجدر الإشارة أن المدينة ارتبطت بجارتها شفشاون بروابط متينة منذ تجديدها على يد سيدي علي المنظري898 ه (1493م ) الذي طلب الإذن من علي بن راشد ، ومنذ تلك التاريخ استمر التواصل بين المدينتين وشاركتا جنبا إلى جنب في العديد من الغزوات اشهرها غزوة لهما لمدينة أصيلا سنة 1594م بقيادة علي بن راشد الذي قال عنه المؤرخ عزوز حكيم كان أمير المنطقة الشمالية ككل . ومهما كان من أمر هذا القائد ،فقد اخبرنا الفقيه داوود انه قام بأعمال جليلة، وبعد وفاته سنة 1504 م خلفه حفيده المنظري الثاني شارك ضمن مجموعة من الغزوات الجهادية وساهم بمواقفه في دعم الملاحة في الحوض المتوسطي ، فكانت السيدة الحرة تتولى بعض شؤون المدينة في غيبته وتنوب عنه في بعض القضايا لما كانت عليه من سداد الرأي وحسن التدبير. انتقل حكم المدينة إلى زوجته انطلاقا من سنة 931ه في حين أن وفاة القائد المنظري الثاني أثبتته المصادر سنة 924 ه. وهنا نتساءل عن المدة التي فصلت بين وفاة القائد المنظري وحكم السيدة الحرة والتي قدر بثمان سنوات . فمن تقلد حكم المدينة خلال هذه الفترة ؟ وهل يمكن أن تكون المدينة حكمت نفسها بنفسها في غياب حاكم حقيقي ؟ في هذا الإطار نجد أن الفقيه الشيخ محمد داوود مستندا على وثائق موثوق منها اثبت أن المدينة حكمها المنظري الثالث حين قال " ... وقد خلفه بعض المنحدرين من العائلة وكلهم كانوا سادة في تطور ( محمد داوود ص . 117 ) ونجد أن مسألة الحفيد محل جدال بين المؤرخين ، فقد ذكر المؤرخ الاسباني مارمول كربخال انه زار مدينة تطاون في عهد حفيد المنظري الأول وسار محمد داود في نفس الاتجاه ، في حين نجد الأستاذ محمد عزوز حكيم أن مصطلح الحفيد بالنسبة لسكان تطاون هو ابن الأخ ، وبهذا يكون المنظري الثالث ابن أخ المنظري الأول وليس ابن ابنه. ولا ننسى أن هذه الفترة هي من أواخر العهد الوطاسي الذي تقلص فيه الحكم المركزي عن بعض أطراف المملكة مما أتاح الفرصة لظهور شخصيات منها السيدة الحرة وأبوها وزوجها في ذلك الإقليم.. غير أن السلطان أبا العباس أحمد بن محمد الوطاسي أراد أن يوثق علائقه مع إقليم الشمال فوفد على تطاون وتزوج فيها بالسيدة الحرة في ربيع الأول عام 948ه موافق 1541م. وقد ذكر مضمن ذلك في الاستقصا. إلا أن السلطان سرعان ما غادر المدينة وبقيت هي بها حاكمة، مما يؤكد أن هذا الزواج سياسي أريد به توطيد دعائم الدولة المغربية اعتبارا للمقام الممتاز الذي كان للسيدة الحرة ولعائلتها في تلك النواحي خصوصا وقد سبق للسلطان المذكور أن زوج أخته للقائد مولاي إبراهيم شقيق السيدة الحرة ، وفي هذا المضمار يقول صاحب كتاب تاريخ تطوان :" لذلك ترك زوجته نائبة عنه في حكم الناحية" وصرح بقية المؤرخين بأن ذلك الزواج إنما تم لإستتباب الأمن في تلك الربوع." . الظرفية السياسية للحوض المتوسطي. شكلت شخصية السيدة الحرة الحاكمة حدثا سجاليا مجتمعها على اعتبار أن غيرت الصور الثابتة حول أدوار المرأة والذي من شأنه أن يحرر الذاكرة التاريخية ، ويهيئ التفكير لتقبل صور غير مألوفة لها ، حيث انه غالبا ما يتم التعرض لعلاقة المرأة بالسلطة في الأساطير والمرويات الشعبية ، لكن عندما يثبت أنها حقيقة فإن موقعها داخل التاريخ يتغير إلى شخصية بطولية صانعة للحدث ومؤسسة للممالك ومدافعة عن حريتها. فقد تقلدت السيدة الحرة مقاليد السلطة في القرن العاشر للهجرة الموافق 16م والحوض المتوسطي يعرف صراعا قويا بين الإمبراطورية العثمانية والإسبان والبرتغال في الغرب المسيحي ، وكان الهدف هو التحكم في الحوض المتوسطي ( عبد العزيز الفشتالي، مناهل الصفا ) . ولقد قد ادركت الممالك الابيرية مدى موقع المدينة الاستراتيجي للدفاع عن غرب اروبا المسيحية ضد الخطر العثماني، ، وتجدر الإشارة هذه الدول الابيرية نفسها دخلت في صراع فيما بينها دفاعا عن مصالحها الاقتصادية ،وقد مثل الصراع الاسباني البرتغالي ضد الانجليز نموذجا لذلك، لكون انجلترا أسست شركة البربر واحتكرت أهم الموارد الاقتصادية المغربية وهددت تواجد الابيرين بالمنطقة ، (هنري دوكاستري ، 144 ) كما عرفت فترة حكم هذه السيدة صراعات طاحنة بين البرتغاليين والوطاسيين من جهة وبين الوطاسيين والسعديين من جهة أخرى على المستوى المركزي . أما على المستوى المحلي فقد شهدت المدينة بدورها صراعا قويا حول الحكم ، ولنا ان نتساءل كيف استأثرت هذه المرأة بالحكم في كل هذه الظروف العصيبة ؟ وما هي العوامل التي ساعدتها على تحقيق كيان مستقل من أي تبعية كانت ؟ لقد اختارت حاكمة تطاون بسياستها ما يمكن أن يسهم في التعبير عن بعد نظرها ورؤيتها الفكرية والإفصاح عن خطاب سياسي سببه الصراع الدائر بين خصمين ، وقد نسب إليها بعض المؤرخين أفعالا شيطانية بسبب قدرتها الفائقة في التخطيط ودرايتها الكبيرة بسيرورة الأحداث ومصير التحالفات في الحوض المتوسطي، إضافة إلى شخصيتها المؤثرة على كل ما حولها ، ونلمس من المسار الأحادي في التخطيط لمسير الأحداث الجسيمة غريب عن تجربة المرأة التطاونية ، وهذا يعني أن هذه الأميرة أول من كسر القواعد الاجتماعية للوصول الى أهدافها حاملة لشواغل وطنها ليجعلها متفردة في الذاكرة والزمن . - إشعاع تطاون في عهدها : كقاعدة جهادية ومدينة تجارية . تعتبر دراسة تطور حياة السيدة الحرة ومساهماتها في الجهاد البحري خطوة لإدراك مدى تداخل العوامل التي ساهمت في إبراز الملامسات المتحكمة في القرارات السياسية . وكان لها نفوذ كبير في مدينة تطاون ونواحيها قال الأستاذ داود: ويصح أن يقال أنها تولت الحكم فيها وقال ابن عسكر" أن تطاون كانت في ولايتها". وأخبار هذه السيدة ضئيلة جدا في مصادرنا العربية بعكس المصادر الإسبانية والفرنسية التي أفاضت في ذكرها ووفتها بعض حقها ، وإن كان فيها بعض الخلط. إذ أن الإسبان كانت لهم علائق متصلة مع السيدة الحرة وخاصة مع حكام سبتة وقادة الأساطيل الأجنبية التي كانت تمخر البوغاز.. وكان للسيدة الحرة نفسها مراكب بحرية تحرس الشواطئ وتمارس القرصنة التي كانت مباحة آنذاك. مما يدل على سمعتها الواسعة ونفوذها الداخلي والخارجي. والى أي حد استطاع أسطولها رد الهجمات الأيبيرية والدفاع عن الثغور . ورثت أن السيدة الحرة عن زوجها الأول أسطولا جهاديا قويا ومنظما خصوصا له رجالاته ومعداته وموانئه واشتهاره بالجهاد البحري بسواحل مرتيل و ترغة . ويذكر أن السفن التطاونية كانت تتحرك في الحوض المتوسطي بكل حرية غير مبالية بالتواجد البرتغالي ، وهذا ينم على قوة الأسطول ووفرة معداته.وشجاعة رجاله حتى انه كان مستعد أن يخوض غمار أي اشتباك . وقد ازداد هذا الأسطول قوة عندما استقرت بعض السفن العثمانية في المنطقة وحصل تعاون حقيقي بين العثمانيين وأهالي تطاون من المجاهدين قصد تحرير بعض الثغور من قبضة البرتغاليين خصوصا مدينة سبتة ، ومهما يكن من هذا التعاون المرحلي، فإن السيدة الحرة كانت تضاعف من مجهوداتها لتقوية أسطولها والتكثيف من وحداته والتطوير من أساليبه والاستفادة من التقنية العثمانية في مجال الملاحة وبناء السفن . وفي هذا الإطار يخبرنا حاكم وهران Alcadenté))ضمن رسالة وجهت إلى عاهل اسبانيا أن المدينة في فترة حكم المدينة كان يتوفر على أسطولا يتكون من 25 سفينة ، و لا ندري بالضبط هل هذا الرقم يخص مجموع السفن جميع موانئ المنطقة ام يخص مرسى واحد ؟ ولكننا نعتقد انه من المستبعد أن يكون أسطول المنطقة ككل الذي وصفه المؤرخون بالقوة والتماسك أن يتوفر على هذا العدد من السفن فقط ، خصوصا وان الأميرة خصصت ورش خاصة للاعتناء بصنع السفن وإصلاحها . أنشأت السيدة الحرة إلى جانب الأسطول الجهادي أسطولا تجاريا ، إذ كانت سفنها تجوب أغوار البحار مما خول لها أن تربط علاقات خارجية خصوصا مع جيرانها الجزائريين والأسبان. فقد سجل لها التاريخ الغربي مساعداتها بالمؤن لحاكم الجزائر "بارباروس" ممارسته للجهاد البحري. وكذا مساعداتها العديدة للإسبان والبرتغال الذين عقدوا معها علاقات وثيقة بصفتها القوة البحرية المسئولة عن المنطقة من أجل إطلاق سراح أسراهم. وقد أدى إصرار الست الحرة على استقبال السفن التركية، والتعاون مع المجاهدين في المغرب الأوسط إلى تأزم العلاقة بينها وبين حاكم سبتة، نتج عنه توقف التبادل التجاري بين المدينتين سنة 1542 ميلادية. ونخلص مما تقدم أن السيدة الحرة حكمت مدينة تطاون في إطار مؤسسات تمكنت بفضلها من تسيير شؤون رعيتها على أسس تضمن لها التطور الاجتماعي والرقي الحضاري ، فحرصنا على تتبع منجزاتها كما أخذنا بعين الاعتبار ما أوردته المراجع الأجنبية التي قدمت بدورها دراسات حول صفات الأميرة واسمها ولقبها ونظام تسييرها وعلاقتها مع الشعوب الأخرى مع رصد إسهاماتها في دعم الجهاد البحري وتعزيز أسطولها بكل العدة والعتاد وبذلك تكون فترة حكم السيدة الحرة استمرت من سنة 931 ه (1525)إلى سنة 949ه ( 1542م) على النحو التالي : - بصفتها قائدة تابعة لشقيقها الأمير مولاي إبراهيم وذلك من سنة 931ه 1525م إلى سنة 946 ه1539م - بصفتها قائدة مستقلة وقد أشركت معها المنظري الثالث وذلك في سنة 946 ه 1539 م إلى سنة 948 ه 1541م - بصفتها خليفة لزوجها الثاني الملك احمد الوطاسي من سنة 948 ه 1541 م إلى أن أطاح بحكمها المنظري الرابع يوم 12 رجب 949 الموافق 22 أكتوبر 1542م.