قبل أن تسأل عن الصدى وجب أن تسأل عن الصوت، ما هو، وكيف يحدث.. إنك تدق دقة على مائدة بمطرقة، فيتردد السطح المطروق، أي سطح المائدة، صعودا وهبوطا، وسطح المائدة يدفع الهواء، الملاصق له، فيتردد مثل تردده. في صعود السطح المطروق ينضغط الهواء المجاور ويزدحم، وفي هبوط السطح المطروق يتخلخل هذا الهواء المجاور (والهواء عبارة عن جسيمات صغيرة جدا هي الجزيئات)، وبين الردة الصاعدة والردة الهابطة يعود الهواء إلى سجيته الأولى، فلا ازدحام ولا تخلخل. ويحدث هذا كله في جزء صغير جدا من الثانية. ويتكرر التردد ليعطي نغمة تسمع. وهي تسمع عندما تصل إلى الأذن، فتتردد طبلة الأذن بمثل ترددها. ويتردد ما وراء الطبلة في الأذن مثل هذا التردد، وتنقل الأعضاء هذا التردد إلى العقل فيترجمه إلى صوت، بل إلى النغمة التي تنتسب إلى عدد الذبذبات التي كانت. فتذبذب شيء، بادئا، لازم لإحداث الصوت. والهواء لازم لإحداث الصوت. ولولا الهواء ما كان صوت وما كانت أذن. وهنا يقف الإنسان وقفة تتعلق بالخلق. صانع الأجسام والأشياء التي تتذبذب، وصانع الهواء وما فيه من جزيئات تزدحم وتتفرق وتتذبذب، وصانع الأذن، من طبلة وما وراءها داخل الأذن ومن أعصاب، صانع كل هذه، لابد صانع واحد، وإلا ما اشتركت جميعها وتناسقت في احداث ظاهرة للحياة، واحدة هي ظاهرة السمع. بالسمع أمكن بين الناس الفهم، وأمكنت الحياة والمجتمع الإنساني، وأمكن وجود الإنسان في هذا الوجود. وكثير من التعرف إلى أشيائه إنما يكون عن طريق السمع. ونترك الصوت ونعود إلى سؤال السؤال: إنه الصدى. والصدى إنما ينشأ من انعكاس الصوت على الجدران والسقوف والسطوح الجامدة متى وصلها صوت. ونحن نألف انعكاس أمواج الضوء على أسطح المرايا. ولكن كذلك تنعكس أمواج الصوت على السطوح المسطوحة فيرتد أصواتا تصل إلى الاسماع فنسميها صدى. وأنت تذهب إلى الصالة الطويلة العريضة في القصر الفخم، وتصيح، فتسمع الصدى. وأنت تذهب إلى الوادي بين الجبال الرفيعة وتصيح فتسمع الصدى. وإن صحت بقولك (لا إله إلا الله) فقد لا تسمع من الصدى سوى نهايته، سوى (إلا الله). فهل معنى هذا أن النصف الثاني من الجملة هو الذي انعكس على سطح الجبل القائم، ولم ينعكس النصف الأول ؟ والجواب: بلى، فلقد انعكس النصفان. أما النصف الأول من الصدى فقد وصل إليك سريعا وأنت لا تزال صارخا فلم تتبينه، وتبينت النصف الثاني لأنك كنت انتهيت من صراخ. والسبب في ذلك أن الصوت يستغرق زمنا في الوصول من فمك إلى الجبل، ويستغرق مثله في الرجوع إليك.وسرعة الصوت هي نحو 1100 قدم في الثانية في الطقس العادي، وتزيد كلما احتر.(وحدة القدم الدولية يبلغ طولها بالتحديد 0,3048 مترا) . فأنت لم تسمع الجزء الأول من جملتك لأن هذا الجزء قطع المسافة إلى الجبل وعاد بسرعة كبيرة، وأنت لم تكن فرغت من الجزء الثاني. والجبل هذا كلما اقترب منك كان ما تسمعه من صداك أقل. والجبل كلما ابتعد منك كان ما تسمعه من صداك أكثر، لأن الجبل يكون، لبعده، قد أمهلك لتفرغ من صياحك بالجملة فتفرغ لسماع الصدى، إذ يأتيك. فهذا جواب بعض ما سألت فيه. وتسأل عن الصدى لم لا تسمعه وأنت تصيح في حجرتك ؟ والجواب ان حوائط حجرتك، والسقف، إن صلحا لرد الصدى، فهو لاشك واقع، ولكنك لا تسمعه لأنه يصلك كله تقريبا قبل أن تفرغ من صياح. إنه حال كحال الجبل القريب وأنت في الوادي. وتقول إنك في الوادي، وبين الجبال، يتردد الصدى أكثر من مرة. وهذا صحيح. وهذا دليل وجود أكثر من سطح ينعكس عليه الصدى، فأكثر من جبل. ويصلك الصدى الأول، فالثاني، فالثالث، وذلك لوجود 3 أسطح عاكسة لجبال ثلاثة بعدت عنك أبعادا غير متساوية فوصلتك أصداؤها في فترات من الزمان قريبة متعاقبة. أما عن بيت الشعر الذي فيه الصدى، فلعلك أردت به بيت شوقي في قصيدته "يا جارة الوادي"، مثلتُ في الذكرى هواك وفي الكرى *** لما سموت به وصنت هواكِ ولكم على الذكرى بقلبي عبرة *** والذكريات صدى السنين الحاكي والقصيدة من أروع قصائد أحمد شوقي. والله الموفق 13/06/2013 محمد الشودري