لا ضير في التساؤل عن أسباب الأزمة الإتحادية ونحن نتكلم عن إحدى الأحزاب السياسية الأكثر توغلا في البنية المجتمعية للبلاد ، ذلك أن الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية ظل على مر الأيام و العقود مرتبطا في سياساته المهيكلة بمختلف طبقات الشعب المغربي الأصيل وهو الذي تابر لمصلحة المجتمع و الدولة معا ليخلق جو من التماسك الفعال و المشاركة الجمعية في ممارساته الديموقراطية ، بل إن تمحيصا دقيقا لهياكل الحزب العتيد منذ السبعينات حتى حدود النصف التاني من التسعينات يدل بالفعل على الحنكة السياسية التي دافعت به إلى التقدم بخطا منضبطة وواثقة نحو تحقيق المشاركة السياسية الحقة و المبنية على قواعد الديموقراطيات التقدمية الشاملة و الحاملة لمبادئ الحقوق الإنسانية الكونية و التي من خلالها – ومن أجلها – خلق هذا الحزب . ولا مفر اليوم ونحن على أهبة من إنعقاد المؤتمر التاسع في دجنبر القادم أن نمحص في الأسباب الخفية التي دافعت بحزبنا نحو الإنغلاق على ذاته ومن تم الإبتعاد شيئا فشيئا عن المجتمع الشعبي المغربي بمختلف أطيافه و ألوانه ، سيما بعد ما تجاوزنا المرحلة التاريخية التي تميزت بها المجتمعات العربية تحت ما عرف بالربيع الديموقراطي العادل من جهة ، وما واجهه المجتمع المغربي في ظل هذا الحراك من إنتخابات رئيسية و دستور جديد مهد لعصر وظرفية جديدة على وجه التخصيص . ونحن نعد لهذا المؤتمر لابد من مراجعة الأوراق التنظيمية الداخلية و الخارجية للإتحاد من أجل بلورة هياكل تنظيمية جديدة تنغرس في الظرفية الجديدة للبلاد وتعمل على مواكبة السياسة الوطنية الجديدة ، بل وأن نحدد موقعنا في الخريطة السياسية الجديدة بعدما عصفت بنا رياح الإنغلاق و النظرة السوداوية في بئر المعارضة عنوتا ، ونحن عندما نتكلم عن الأزمة نعني أزمة اليسار الشامل و الذي لم يعد يلعب الدور المنوط به و الذي عرف به في مجمل التاريخ ، بل إن الأزمة ليست أزمة إتحاد وفقط بل هي أزمة بنيوية هزت كل الأطياف التقدمية و التي عليها أيضا أن تعمل من أجل إصلاح الوضع القاتم ، ومن أجل ذلك فإننا نرى أنه يجب علينا أن نضع أنفسنا على المحك علنا نتخطى الوضعية لنحدد لأنفسنا طريقا واضحا يتماشى و الظرفية السياسية الجديدة التي تعرفها الدولة المغربية في عهدها الجديد ومن أجل تصحيح ذلك خرجنا بعناصر توضيحية إرتكزت على ثلات أسس رئيسية لتصحيح المسار و التي تمثلت أولا في أزمة الإنفصال بين المركز و الشبيبات / بين الشباب و القيادة ، ثم تانيا أزمة التنظيمات الداخلية للحزب ، ثم ثالتا ضرورة الوضوح من أجل ترسيخ الرأي الإتحادي في الساحة الوطنية من حيث البعد الخارجي للحزب. 1) – ضرورة المصالحة مع هياكل الشبيبة الإتحادية قبل أن ننظر بتمعن في المسطرات الداخلية للحزب ، لابد من وضع إستراتيجية واضحة لتكريس وبناء التوحد بين الشبيبات الإتحادية في مختلف ربوع الوطن ، إذ لايمكن بتاتا أن تعمل شبيبة الحزب في إستقلال تام عن المكاتب المركزية ، بل يجب العمل في إطار من المشاركة الديموقراطية العادلة و التي تجعل من مختلف الشبيبات ، ليس مجرد أداة ثانوية ، بل بإعتارها اداة حزبية فاعلة، لها كلمتها في مختلف القضايا ، وإذ نضمن لهذه الهياكل مشاركتها الفاعل فإننا نضمن إستمرارا للقوى الجديدة الحية التي يمثلها شبابانا الطموح ، إذ لا يمكن للحزب أن يعمل بعيدا عن مناضليه الشباب التواقين للعمل السياسي الميداني ، وبهذا نضمن أفق الإستمرار و التجديد لان الشباب عنصر فعال وركيزة اساسية في المجتمع ، كما يجب علينا العمل من أجل توحيد الصفوف لا أن نعمل بعيدا عن التشاور و التلاحم وأن نناقش معظم القضايا في إطار جمعي . 2)- ضرورة إعادة النظر في التنظيم الداخلي للحزب إن الإتحاد الإشتراكي اليوم لم يعد قادرا كما في العهود السابقة على التوغل في الأطياف الشعبية للمجتمع ، و الدليل على ذلك ما حدث في الإنتخابات الأخيرة ، وهذا إن ذل على شيئ فإنه يدل عن شلل قائم في البنية الداخلية للحزب، لذلك ومن أجل تصحيح المسار لابد من إعادة النظر في مختلف القواعد الأساسية التي تسير أنظمة الحزب من الداخل وتبديلها إن أمكن و تعويضها بدماء جديدة تحقق لنا على الاقل نسبة من الوضوح و التقدم ، فلا يمكن أن نعمل في الظرفية الجديدة بقواعد صنعناها في عهود سابقة ، وهذه بالنسبة لنا ضرورة حتمية لامفر منها إطلاقا . 3)- ضرورة توضيح الخريطة الخارجية للحزب في الساحة الوطنية إن الصورة التي أضحى عليها حزبنا اليوم جعله يتبوأ صفوف المعارض بعدما عشنا سنوت من المشاركات الحكومية التي كانت بمثابة تجربة جيدة للحزب في تسيير الشان العام ، إذ لازال بعض الإخوان و بعض الأطياف السياسية الخارجية لم تستسغ التموقع الجديد للحزب في الساحة العامة للبلاد وهذا راجع بالفعل عن الضبابية التي تلف مكوناته الحزبية ، حتى أن الجرح الأخير الذي عانينا منه جميعا كان سببا في ذلك ، ومن أجل تجاوز هذه الضبابية لابد من الخروج بتوصيات وطنية في إطار المشاركة الفاعلة للمعارضة توضح الصورة الجديدة بشكل جدي .