سوبرانو المغربية تؤكد أنه يصعب الحديث عن واقع الاغنية المغربية وافاقها دون الحديث عن الازمة الحقيقية التي تخص القطاع الموسيقي. هي واحدة من الأصوات التي تبقيك داخل الحلم لفترة تكون شبيهة باللحظة المسروقة من يومياتنا. سميرة قادري التي أبهرت بصوتها، وأدهشت بتنظيمها. تمكنت من المزاوجة بين جودة اللحظة الإبداعية وجودة اللحظة التنظيمية. وذلك حين أهدت لحمامة المغرب تطوان مهرجان العود، وأثثثه بأسماء وازنة جدا كان آخر مكرميها الفنان الكبير مارسيل خليفة. امام هذا الزخم الفني الجميل والبليغ نجد انفسنا منجذبين إلى معرفة تلك التفاصيل التي قادت مثل هذه الباسقة إلى النجاح وكيف كانت الطريق وما هي الاحلام التي تراود صاحبة العود والصوت. لأجل ذلك نحاورها اليوم لنقترب منها اكثر وننعم ببوحها. • في البدء اعتدنا على طرح سؤال حول جديد الفنان فما هو جديدك لالة سميرة؟ جديدي الفني هو انني منكبة على تحضير البومين غنائيين الاول بعنوان 'من البشارات الى عرفات' يضم قصائد صوفية كتبت ما بين القرنيين السادس والسابع عشر من قبل شعراء مسلمين كتبوا بلغة الالخاميادو، وهي لغة اسبانية بحروف عربية اتخدها المورسكيون لغة لهم تعبيرا عن هويتهم وعن ثقافتهم باسبانيا المسلمة. الاشعار الصوفية التي اشتغلت عليها موجودة بمخطوط عثر عليه تحت الانقاض في القرن بفرية قرب بلنسيا باسبانيا. المخطوط موجود بالمكتبة الوطنية بمدريد يضم اشعارا وتوسلات تتطرق لمحنة المورسكيين الذين هجروا قسريا من ارض اجدادهم التي عمروها ازيد من ثمان قرون. اما الالبوم الثاني فهو بعنوان "من اعالي الجبال" وهو انتاج مشترك بيني وبين عازفين من اليونان وايطاليا واسبانيا يضم قطعا من الثرات المتوسطي الذي أثر وتأثر بالموسيقى الاندلسية. بعد نجاح البومي لأول اندلسيات من ضفة الى أخرى الذي انجته الشركة الاسبانية بنايوما سنة 2009 استعد لطرح الجزء الثاني منه بعنوان آخر. كما استعد الشهر المقبل للمشاركة ببعض العروض الفنية خارج الوطن.
• قياسا على نجاحك الفني وكونك سوبرانو تمثل المغرب أفضل تمثيل هل من وصفة جاهزة للتألق والنجاح؟ الحدبث عن نجاح اية تجربة فنية يجرنا للحديث عن مختلف المراحل التي يجتازها المبدع لشق طريقه. فالابداع ليس وليد الفراغ وانما حصيلة تراكم معرفي وخبرة وبحث متواصل وممارسة وانفتاح عن تجارب الاخرين. فبداياتي الفنية كانت سنة 1995 اي بعد تخرجي من المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط ودراستي للموسيقى ولفن الاوبرا. مند البداية كنت واعية كل الوعي انني اخترت طريقا شاقا وشائكا في مجال موسيقي جد نخبوية. بحيث ركبت صهو مغامرة فنية مع الراحل المؤلف المغربي مصطفى عائشة في اداء قصائد عربية في قوالب موسيقية عالمة في غياب مرجع يستند عليه. التجربة بالرغم من تفردها وتميزها كسابقة في الوطن العربي لم تحظ بالمكانة اللائقة نظرا لغياب تقاليد الموسيقى الاوبرالية والغياب التام للنقد الفني القائم على تقريب المتلقي من المبدع. يالرغم من الصعوبات التي اعترضتني في البداية عملت جاهدة في تسجيل حضوري كأول سوبرانو عربية تقتحم موسيقى اللييد باللغة العربية او القصيد الليريكي كما اطلق عليه الراحل مصطفى عائشة اول مؤلف عربي ابدع في صنف موسيقي باتت حكرا على الاجانب. بحثا عن جمهور يؤمن بالفن الراقي وبرسالته الكونية لم اقف عند حدود موسيقى اللييد بل تخصصت في الموسيقى التراثية لدول البحر الابيض المتوسط بحثا واداء. فكل الجوائز التي حصلت عليها لم اضعها يوما في حسباني بقدر ما أومن بان الفن رسالة نبيلة وتمرد جميل. والموسيقى لغة سحرية تتيح لنا مساحات في حرية التعبير عن مواقف انسانية عميقة. مند البداية اشهرت رفضي لكل ما هو سهل واجتراري ومبتدل.
اردت ان اجعل من صوتي قلما ينبش في أعماق ذاكرة التاريخ والهوية. فلم أتردد في تذكير كل من تناسى دور المسلمين العرب بالجزيرة الايبيرية او مأساة تنكيلهم وطردهم من بلاد الفردوس المفقود. كل العروض التي قدمتها تستعرض وتستحضر جزءا مهما من تاريخنا البطولي. بالموسيقى وبالانغام نجهر بالحق ونكشف عن الحقائق التي عجز السياسيون عن طرحها. ولا أعتبر كل ما حققته سوى انطلاقة جديدة طموحة لتحقيق مشاريع فنية وبحثية اخرى اكثر عمقا واكثر جراة. فالمفتاح الحقيقي لتحقيق النجاج هو الى جانب الموهبة والتكوين الاكاديمي الايمان برسالة الفن وتوظيفها بطريقة صحيحة. • لم تكتف بدورك كفنانة بل أخدت على عاتقك مسؤولية إشعاع المغرب من حمامته وهي تطوان، كيف كان الإشتغال بعيدا المزدوج على تقديم خدمة فنية ثقافية وتنموية لمدينة تطوان من خلال مهرجانها الجميل؟ عندما دخلت الى المعهد العالي للفن المسرحي لم يخطر ببالي يوما انني ساعمل بالوظيفة العمومية. بعد حصولي على شهادة البكالوريا في شعبة الاقتصاد فضلت الدراسة بالمعهد العالي للمسرح بالرباط بعدما تم قبولي بالمعهد العالي للتجارة، نظرا لميولاتي الفنية مند صغر سني حظيت بقبول عائلتي لأدرس الفن المسرحي الذي تتلمذت فيه على يد اساتدة في الفنون الدرامية، لكن بعد تخرجي وجدت نفسي اشغل منصبا فنيا ثقافيا اتاح لي التواصل مع نخبة مهمة من المثقفين والمبدعيين لمدينة تطوان. عشقت المكان لقربه من المعهدين الفنون الجميلة والمعهد الموسيقي. لم احس يوما انني مسؤولة ادارية امضيت معظم اوقاتي في دار الثقافة هذا الطقس الثقافي الفني لعب دورا كبيرا في توجيه مساري المهني والفني. عشت في هذه المؤسسة ازيد من 20 سنة ارتدي فيها قبعتيين مختلفتين، لكن كل واحدة في خدمة الاخرى. لا اتردد في تقديم مدينتي وبلدي وثقافتي في اي فضاء احل به كفنانة سوبرانو. بفضل مشاركاتي الفنية اتيحت لي عدة فرص لربط علاقات ثقافية مثمرة بين مدينتي ومدن اخرى خارج الوطن نتجت عنها مشاريع هامة. فعلاقتي بالفضاء مقدسة اعتبرها بيتي الثاني. ولم اشعر يوما انني مسؤولة ادارية بل دوري يتجلى كفنانة في خدمة الثقافة والفن. عندما عُينت حاولت تكسير هذه الصورة النمطية واقنعت مجموعة من الموظفين ان دار الثقافة هي مركب للقاء واللمة الثقافية. فصباحا نخصصه لاستقبال الطلبات والزوار. والمساء هو للانشطة والتأطير. خلقت عدة محترفات فنية البعض منها كنت اشرف عليها واؤطر مجموعة من المستفدين من شباب المدينة. كما أسهمت في تأسيس مجموعة من المهرجانات الدولية بالمدينة او بالجهة.
اشير انه لي كل الفخر ان ادير المهرجان الدولي للعود الذي وصل الان الى دورته الخامسة عشرة. المهرجان الذي اهدته وزارة الثقافة الى مدينة تطوان الذواقة والتواقة للفن الراقي استطاع ان يحقق صيتا عالميا. تضافرت فيه كل الجهود بفضل طاقم متماسك ومتكامل استطاع ان يكتسب خبرة عالية في التنظيم والتدبير. بالاضافة إلى ان المهرجان عرف تطورا نوعيا عندما اسندت مهمة تنظيمه للمديرية الجهوية للثقافة بتطوان دون ان اغفل دور خلية المهرجانات بالوزارة سابقا. • كيف هي مجاورة الفنانة للمسؤولة في داخلك؟ لا اخفي ان مسؤوليتي بالرغم من كل ميزاتها الفنية والثقافية فاحيانا تحد من انشطني الفنية لا يمكنني الانخراط في بعض المشاريع الفنية اثناء مواعيد ثقافية لدار الثقافة. في مجال البحث اجد بعض الصعوبات في الانكباب المتواصل على بعض المواضيع الهامة. علما ان الوثائق التي اشتغل بواسطتها موجودة بشكل نادر في مكتبات خارج الوطن. • رغم المجهودات التي تبذل لكن الأغنية المغربية لا تزال تراوح مكانها. في رأيك كيف السبيل لإخراجها من سباتها الحالي؟ يصعب الحديث عن واقع الاغنية المغربية وآفاقها دون الحديث عن الازمة الحقيقية التي تخص القطاع الموسيقي. يبدو من الصعب الان التطرق للموضوع والوقوف جديا لتشخيص الحالة المرضية التي وصل اليها الابداع الموسيقي عامة في المغرب. يمكن اجمال عوامل الركود الى عاملين الاول ذاتي يتعلق بعناصر وبنيات الابداع الموسيقي التي يرتكز على التعامل مع القصيدة تأليفا ولحنا وتوزيعا واداء ونقدا. وعامل آخر مرتبط بمكانة الفن الموسيقي في المجتمع المغربي ومدى تنظيم التعليم الفني في المؤسسات التعليمية وبالمعاهد الموسيقية. وعامل آخر يرتبط بموقع الفن الموسيقى في الاقتصاد والانتاج. بالرغم من بعض المحاولات التي ظهرت في السنوات الاخيرة من اجل النهوض بقطاع الموسيقى وتخليق الممارسة الفنية وتقنين المهن الموسيقية. لا يزال القطاع مشلولا يعاني من عدة رواسب تستدعي معالجة جذرية وجهودا مكثفة من قبل كل الهيئات التنظيمية للقطاع. • إذا لم يكن الدعم الذي قدمته وزارة الثقافة للأغنية كافيا لإخراجها من حالة الركود إذا ما العمل وهل نستطيع القول الآن أن المشكل في الفنانين وليس في الوزارة أو غيرها من الهيئات المسؤولة والمعنية بالقطاع؟ كما ذكرت المشكل الحقيقي لا يكمن فقط في قلة او انعدام الامكانات الداعمة في الانتاج والترويج للاغنية المغربية. وزارة الثقافة مشكورة على مبادراتها الطيبة ولكن لتحقيق نهضة حقيقية لقطاع الموسيقى عموما وللاغنية المغربية خصوصا لا بد من تضافر كل الجهود من قبل جهات رسمية واخرى غير حرة. وهنا اشير الى دور الجماعات المحلية في السهر والاهتمام بقطاع الموسيقى المحلية والجهوية. بدون شك عملية الدعم محفز اساسي للمبدع في تجريب وتقديم أعماله الابتكارية. لكي تتمكن الوزارة من تحقيق نتائج ابجابية في اختيار اجود الاعمال الموسيقية ارتات ان تسند مهمة السهر وتتبع عملية الدعم للجنة تضم خيرة من المختصين في الميدان الموسيقي. • نختم بكلمة مفتوحة نريدها رسالة حب ومودة لعشاق السوبرانو سميرة؟ قول بكل حب وصدق انني مدينة لكل الذين احتضنوني بعطفهم وتشجيعهاتهم. بفضل ايمانهم وتقديرهم للفن الراقي تحديت الصعاب ولا زلت اواصل رحلتي. شكرا.