"غَنُ وأنا نسمع"، عبارة تصويرية يتم تداولها بكثرة في أغنيات تطوان، وفيها دعوة صريحة للمرأة التطوانية للغناء والإبداع ومن ثم إشراك الآخر للاستماع والاستمتاع بجماليات موسيقى وكلمات تحمل خطابا مثقلا بأحاسيس إنسانية شتى. أما المرأة التي يُوجه إليها هذا الخطاب في أغنيات تطوان عموما هي: الصديقة، والحبيبة، والعايلة، ولالة، ومولاتي وغزالي، وهي أيضا الحرايمية، والزاهوية، وغيرها من الأوصاف التي وردت في أغنيات تطوان بمختلف أشكالها وأنواعها. ولعل هذا الاهتمام بالمرأة في آثار نتداولها في حياتنا اليومية باستمرار، أن يدعونا إلى تخصيص حديثنا لنتأمل بعمق علاقة المرأة التطوانية بفن الموسيقى، ولنقف على كثير من أدوارها واجتهاداتها التي تصبو إلى تطوير هذا الفن بمدينتها. لاشك إذن أن حديثنا طريف، لكنه شائك في نفس الآن فالمرأة التطوانية مثلها مثل الرجل انشغلت بالموسيقى، وأبدعت فيها غناءً وعزفا وتلحينا، كما أنها طبعتها بسمات خاصة جعلتها ترتبط بالفضاء الذي تنتمي إليه، وبالنسق المعرفي والثقافي العام الذي يكونها ويبنيها. وقد تألقت نساء تطوان في تشكيل أنماط موسيقية متعددة منها: أعيوع، والأغنية الجبلية، والموسيقى الأندلسية، والأغنية الشعبية التطوانية، والأمداح النبوية، والأغنية العصرية وغيرها والمتداول عند العارفين بتفاصيل هذه الأنماط الموسيقية أن أداءها يخضع لتقاليد خاصة تتعلق بطريقة اللباس وكيفية الغناء وتوظيف اللهجة التطوانية ذات الجرس الموسيقي الطريف، إلى غيرها من المكونات والسمات الفنية التي تجعل كل متلق ينعت ما يستمع إليه بكونه عمل فني خاص بموسيقى نساء تطوان، دون غيرها من المدن المغربية الأخرى. وما من شك في أن للأغنية النسائية التطوانية تاريخا شاسعا وعريضا بدليل كم الأغاني التي نتداولها في حياتنا العادية، وفي الحفلات والمناسبات، وفي مختلف الوسائل الإعلامية البصرية والمسموعة. لذلك تصبو غايتنا في هذا المقال تأمل مختلف الإبداعات الموسيقية الخاصة بنساء تطوان، ومحاولة قراءتها من خلال ثلاث زوايا تتحدد أولاها بمختلف الإشكالات والقضايا الفنية المرتبطة بها، ويتمثل ثانيها بتتبع مسيرها التاريخي الممتد إلى فترات قديمة وعريقة، أما ثالثها فيقترن برصد مختلف الصور الفنية التي تبني عالمها الموسيقي وتجعل منها كونا فنيا تطوانيا ونسائيا بامتياز. عنوان الكتاب: المرأة التطوانية وإسهامها في البناء الحضاري والمعرفي الكاتب: كتاب جماعي الناشر: مركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدراسات (مفاد) بريس تطوان يتبع...