في خضم الغليان الشعبي المتصاعد منذ شهور في جميع جهات المملكة المغربية بسبب مسلسل ارتفاع أسعار المحروقات التي ألقت بظلالها على كافة المواد الأساسية والغذائية، وبعد إقرار حكومة عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار بفشل سياستها في مواجهة هذا الغلاء الفاحش والتصدي للوسطاء والمضاربين، طفت على السطح أخبار عن شروع القضاء المغربي في تدارس ملفات فساد إداري ومالي ثقيلة، همت عدد من المنتخبين والمسؤولين هنا وهناك. إذ ليس وحده ملف البرلماني عن حزب الحركة الشعبية، الوزير السابق ورئيس بلدية الفقيه بن صالح منذ 1997 محمد مبديع المعروض على أنظار المحكمة في حالة اعتقال منذ 27 أبريل 2023 رفقة خمسة آخرين في سجن عكاشة بمدينة الدارالبيضاء، على خلفية متابعته في قضية فساد تتعلق باختلاس وتبديد أموال عمومية والتزوير والرشوة والغدر واستغلال النفوذ وغيرها، بل هناك آخرون من بينهم البرلماني عن حزب الاستقلال ورئيس مقاطعة بني مكادة محمد الحمامي، الذي تم إحضاره بالقوة يوم 3 ماي 2023 إلى المحكمة الابتدائية بمدينة طنجة للمثول أمام نائب وكيل الملك بسبب ما يواجه من اتهامات على مستوى تدبير المقاطعة والتلاعب في رخص التعمير والبناء، فضلا عن قيامه بصفع صحافي خلال نشاط رسمي. فالوزير السابق والملقب بديناصور الفساد في إقليم الفقيه بن صالح الذي صار اسمه مرتبطا بالعرس الأسطوري لزفاف ابنه، وحظي بمتابعة إعلامية واسعة، لا تعتبر قضيته سوى بمثابة تلك الحجرة التي حركت مياه الفساد الراكدة، وفسحت المجال لإطلاق نقاش عمومي حول خلفيات المتابعة ودوافعها وتوقيتها، فمن قائل بأنها مجرد فقاعة إعلامية لن تلبث أن تختفي، بعد أن تعمل على إلهاء الجماهير الشعبية وامتصاص الغضب المتزايد من فرط الغلاء المتواصل وارتفاع الأسعار. ومن قائل بأنها إعلان صريح وواضح عن حملة تطهير جديدة، لجر العديد من الأسماء المشتبه في تورطها في قضايا فساد إلى القضاء، تنفيذا لربط المسؤولية بالمحاسبة وإنهاء زمن الإفلات من العقاب. ومما يؤكد الفرضية الثانية هو توجيه وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت تعليماته الصارمة للولاة والعمال، مباشرة بعد توصل الوزارة بتقارير سوداء من طرف المفتشية العامة حول تدبير عدد من الجماعات الترابية، يحثهم من خلالها بتنفيذ القانون وعدم التساهل في تحريك مساطر العزل الإداري، بخصوص رؤساء ومستشاري الجماعات الترابية، ممن ثبت تورطهم في ارتكاب خروقات أو أخطاء جسيمة تتعارض مع القوانين التنظيمية للجماعات، بغض النظر عن انتمائهم الحزبي. وهكذا كشفت عدة معطيات في الأيام الأخيرة من شهر ماي 2023 عن متابعة عدد من المنتخبين والمسؤولين أمام القضاء، بتهم مختلفة منها ما يتعلق بالاختلاس وتبديد المال العام ومنها كذلك ما يرتبط بالتزوير في محاضر رسمية والتلاعب في صفقات عمومية وغيرها كثير. حيث قضت المحاكم الإدارية بعزل رؤساء جماعات وهم في ذات الوقت برلمانيون، وبإسقاط البعض من البرلمان من قبل المحكمة الدستورية، بينما يتابع آخرون إما في حالة سراح أو في حالة اعتقال. ففي إطار تفعيل مقتضيات القانون التنظيمي للجماعات 14 .113خاصة المادة 64 منه، قررت سلطات بنسليمان توقيف رئيس مجلس جماعة بوزنيقة محمد كريمين المنتمي لحزب الاستقلال وإحالة ملفه على القضاء، حيث قررت المحكمة الإدارية بالدارالبيضاء يوم الأربعاء 24 ماي 2023 عزله من عضوية ومنصب رئاسة الجماعة مع ما ترتب عن ذلك الحكم من آثار قانونية مع النفاذ المعجل، بناء على الطلب الذي تقدم به عامل إقليم بنسليمان في شأن مجموعة من الخروقات التي تم تسجيلها والمتمثلة أساسا في تضارب المصالح وخروقات في التعمير وشبهة تلاعبات في ملف عقد التدبير المفوض بقطاع النظافة… ومساء يوم الخميس 25 ماي 2023 أمر قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالرباط، باعتقال النائب البرلماني عن حزب الاتحاد الدستور والمعزول قبل أيام من رئاسة جماعة سيدي سليمان ياسين الراضي رفقة أحد أصدقائه ومجموعة من "بائعات الهوى"، وإيداعهم جميعا سجن العرجات بتهمة محاولة القتل والفساد وإعداد وكر للدعارة، وذلك بعد قضائهم ليلة ماجنة بفيلا في ملكيته بطريق زعير بالرباط، حيث انتهت تلك الليلة الحمراء بإلقاء إحدى "المومسات" بنفسها من الطابق العلوي، أصيبت على إثره بجروح خطيرة وكسور، ونقلت على وجه السرعة إلى قسم الإنعاش في حالة حرجة. ناهيكم عن عدد آخر من البرلمانيين ورؤساء جماعات ومستشارين ومسؤولين في الأبناك والأمن والصحة المتهمين، سواء بالاتجار بالبشر أو بصفقات عمومية مشبوهة أو النصب والاحتيال أو تبديد واختلاس أموال عمومية أو الارتشاء أو السطو على الأراضي السلالية أو استغلال النفوذ وغيره من التهم، حيث هناك من اعتقلوا في فضائح صفقات مشبوهة بوزارة الصحة وهناك من يشرفون على تسيير أبناك وشركات تجارية في قطاع الأدوية، وهناك كذلك أطر يعملون بالمصالح المركزية للأمن الوطني… من المؤسف أن ينطبق على المسؤولين ببلادنا القول: "حاميها إلى حراميها"، علما ألا أحد اليوم يجهل أن الفساد بكافة أشكاله وأنواعه ظاهرة مقيتة وآفة خطيرة، من شأن استشراؤه تعميق جراح المواطنين وتقويض أركان المجتمع والحيلولة دون نهضته وتنميته، باعتباره العدو الأكبر والأخطر للتنمية والازدهار، إذ طالما دعا ملك البلاد محمد السادس في أكثر من مناسبة إلى ضرورة تضافر جهود الجميع في اتجاه مكافحته بكل قوة.