(ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون) أي ولا تأخذوا أموالكم أي أموال غيركم، أضافها إليهم لأنه ينبغي للمسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويحترم ماله كما يحترم ماله ولأن أكله لمال غيره يجرئ غيره على أكل ماله عند القدرة… ولما كان أكلها نوعين.. نوع بحق ونوع بباطل وكان المحرم إنما هو أكلها بالباطل قيده تعالى بذلك، ويدخل في ذلك أكلها على وجه الغصب والسرقة والخيانة في وديعة أو عارية أو نحو ذلك. ويدخل فيه أيضا أخذها على وجه المعاوضة بمعاوضة محرمة كعقود الربا والقمار كلها فإنها من أكل المال بالباطل لأنه ليس في مقابلة عوض مباح، ويدخل في ذلك أخذها بسبب غش في البيع والشراء ونحوهما، ويدخل في ذلك استعمال الأجراء وأكل أجرتهم، وكذلك أخذهم أجرة على عمل لم يقوموا بواجبه، ويدخل في ذلك أخذ الأجرة على العبادات والقربات التي لا تصح حتى يقصد بها وجه الله تعالى، ويدخل في ذلك الأخذ من الزكوات والصدقات والأوقاف والوصايا لمن ليس له حق منها أو فوق حقه، فكل هذا ونحوه من أكل المال بالباطل فلا يحل ذلك بوجه من الوجوه حتى ولو حصل فيه النزاع والارتفاع إلى الحاكم الشرعي وأدلى من يريد أكلها بالباطل بحجة غلبت حجة المحق وحكم له الحاكم بذلك فإن حكم الحاكم لا يبيح محرما ولا يحلل حراما إنما يحكم على نحو مما يسمع، فمن أدلى إلى الحاكم بحجة باطلة وحكم له بذلك فإنه لا يحل له ويكون آكلا لمال غيره بالباطل والإثم وهو عالم بذلك فيكون أبلغ في عقوبته وأشد في نكاله، وعلى هذا فالوكيل إذا علم أن موكله مبطل في دعواه لم يحل له أن يخاصم عن الخائن كما قال تعالى "ولا تكن للخائنين خصيما". لذا حرم الله تناول الحرام من أي وجه سواء أكان رشوة أو سرقة أو ربا أو غلولا أو من عقار أو غصب، أو اختلاس من وراء وظيفة أو غش أو قيمة شيء محرم أو أجرته كمهر البغي وحلوان الكاهن وكثمن آلات اللهو والصور المحرمة والكتب والمجلات والصحف المشتملة على الإلحاد أو الخلاعة وكثمن الخمر وكالأجرة على الرقص وعلى شهادة الزور وما اقتطع بيمين كاذبة أو أخذ بغير حق وإن كان حكم به القاضي إلى غير ذلك من طرق الكسب المحرمة. روى البخاري من حديث خولة الأنصارية أن رسول الله صلى عليه وسلم قال : (ان رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة) وروي البخاري عن زيد بن أرقم عن أبي بكر رضي الله عنه.. قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) وفي الحديث: (لا يدخل الجنة جسد غذى بالحرام) رواه الترمذي.. وروى البيهقي بإسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا من يحب فمن أعطاه الله الدين فلقد أحبه ولا يكسب عبد مالا حراما فينفق منه فيبارك له فيه ولا يتصدق منه فيقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ولكن يمحو السيئ بالحسن) وفي صحيح مسلم حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب مطعمه حرام ومشربه حرام وماله حرام وغذى بالحرام فأنى يستجاب لذلك.. ومن المحرمات أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وشرب الخمر ونكاح المحارم، ومثل الاكتساب المحرم كالربا والميسر وثمن ما لا يحل بيعه وأخذ الأموال المغصوبة بسرقة أو غصب ونحو ذلك (قال العلماء رحمهم الله ) ويدخل في هذا الباب المكاس والخائن والسارق وأكل الربا وموكله وأكل مال اليتيم وشاهد الزور ومن استعار شيئا فجحده وأكل الرشوة ومنقص الكيل والوزن ومن باع شيئا فيه عيب فغطاه والمقامر والساحر والمنجم والزانية والدلال إذا أخذ أجرته بغير إذن من البائع، وقد احل الله لنا الطيبات النافعة وحرم الخبائث الضارة فلله الحمد على ذلك وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.