من مذكرات الوطني الرائد الأستاذ امحمد بنونة (ت1387ه/1967م): ترجمته: ولد الحاج امحمد بن العربي بنونة يوم 17 رجب 1318ه ، موافق 11 نونبر 1900م بتطوان، وعاش حياته الأولى في كنف والده، إذ ماتت أمه وهو ابن ست سنين. قرأ القرآن على الفقيه عبد السلام السعود والفقيه المدرر محمد بن تاويت. ثم درس العلوم على مجموعة من الشيوخ من بينهم محمد المودن، أحمد الزواقي، ومحمد افيلال، ومحمد المرير، وشقيقه عبد السلام بنونة، وعبد الرحمان اقشار، والحاج عبد القادر الشلي، والسيد محمد البيضاوي الشنقيطي. انتقل الى فاس في ربيع الاول (1919/1338م)، وجلس إلى جلة شيوخها في تلك الفترة. سافر الى مصر في محرم (1342ه) وأقام بها مدة اتصل فيها بكثير من علمائها وأدبائها، وتلقى بما أيضا بعض الدروس العليا، وكانت الحركة الوطنية المصرية في عنفوان شبابها بزعامة المرحوم سعد زغلول، فاستفاد منها دروسا وطنية لا يستهان بها. وأثناء رحلته الحجازية سنة (1342ه/1924م)، زار فلسطين وسوريا، ثم عاد إلى مصر. وفي سنة (1346ه/1927م) شارك في الأسواق الأدبية بسبتة، فنال إحدى الجوائز المهمة، ثم ارتحل إلى مصر ثانية، فوصلها سنة (1349ه/1930م)، والتحق فيها أولا بمعهد الموسيقى الشرقي، ثم التحق بكلية الآدب في الجامعة المصرية، ودرس التاريخ والاجتماع على الأساتذة عبد الحميد العبادي، وحسن إبراهيم حسن، وسامي جبرة وشفيق غربال وغيرهم، وسمع دروسا من الأستاذ أحمد أمين وطه حسين وغيرهما. وفي هذه المدة انتدب عضوا لتمثيل المغرب في المؤتمر الإسلامي الكبير الذي انعقد بالقدس الشريف في 27 رجب عام (1350ه 1931م)، وقد انتخب عضوا في لجنته التنفيذية. عمل في التعليم، فاشتغل مدرسا بالمعهد الحر وتخرج على يديه كثير من أساتذة المغرب ومثقفيه، وألقى عدة محاضرات ودروس في، المساجد والزوايا والأندية الأدبية. وهو " أديب كبير، وكاتب مبدع يسيل قلمه بروائع البيان، وأستاذ كبير تحري المعارف على لسانه وقلمه جريان الماء الزلال، مظهر من مظاهر الحضارة الأندلسية المغربية الراقية". نشر مقالات تاريخية ودينية وشيئا من شعره وأناشيده في محلات تطوان والمغرب مثل (السلام) و(لسان الدين) و(الأنوار) و(رسالة المغرب الجديد). وهو وموسيقار ماهر ومجاهد وأحد قادة حزب الإصلاح، فكان أحد الأركان الأساسية للحركة الوطنية المغربية يعمل من أجل رقي الوطن وتحريره من الاستعمار . توفي مترجمنا رحمه الله بسلا في الثاني من صفر من سنة 1387ه الموافق 12 ماي 1967م، على إثر نوبة قلبية مفاجئة، ثم نقل جثمانه إلى تطوان ليدفن فيها. "مذكرتي عن سفرتي إلى فاس لأجل الدراسة": هذه الصفحات بعض مما بقي من مذكراته، و جزء ضئيل مما سطره عن حياته فقد " سطا على مذكراته في صيغتها الأولى أتباع الاحتلال الإسباني،عندما هاجموا داره بالطويلع أثناء محنة تطاون سنة (1948م)، فعاثوا في البيت وفتشوا جميع أركانه بدعوى أنهم يبحثون عن السلاح، وعن كل ما له علاقة بالسياسة الإسبانية، " وأخذوا صناديق أوراق كان منها مذكرات حياته، وكتاب " تاريخ المغرب" له، ومذكرة كان يطلق عليها " المذكرة الذهبية" ، والمراسلات التي كانت بينه وبين الأمير شكيب أرسلان، وتمثيلية غرامية وطنية تاريخية من ثلاثة فصول سماها " كترة"، كان موضوعها كفاح المغاربة للمستعمر البرتغالي في البريجة، ومذكراته عن كتلة العمل الوطني في الشمال والجنوب، ومذكرات أعماله في حزب الإصلاح الوطني باعتباره من أعضاء اللجنة التنفيذية ورئيس اللجنة الفرعية بتطوان في هذا الحزب قبل تقديم استقالته منه ومن عضوية مكتب جمعية الطالب المغربية". وقد وصف الفقيه داود هذه المكتبة قائلا: " له أبحاث قيمة وتحقيقات مفيدة، وخصوصا في تاريخ المغرب. وعنده مكتبة نفيسة بما كتب كثيرة مختارة وجلها في الأدب والتاريخ، وهو من الكتاب المقلين إلا أن له أسلوبا ممتازا فيه طرافة وفيه سلاسة ورقة ينمان عن طبعه اللطيف". وهو ما حرم المتتبعين من أعماله الجليلة التي تبرز مكانة الرجل باعتباره أديبا ذا قلم سيال، بارع الفكر، رائق العبارات. ووطنيا مخلصا وهب حياته للنضال والدفاع عن استقلال بلاده. تبتدأ هذه المذكرات من يوم مغادرة الأستاذ امحمد بنونة لتطاون من يوم الاثنين 15 ربيع الاول عام 1338ه موافق 7 دجنبر 1919م و تنتهي عند حلوله واستقراره بفاس يوم الخميس 25 ربيع الأول 1338ه 17 دجنبر 1919م. بعد مسير عشرة أيام. وقد كانت مغادرة الحاج محمد بنونة لتطوان حاسمة في حياته، ففيها استقل بحياته وبدأ وتحمل المسؤولية كاملة، من تفكير في المسكن والمأكل والملبس وغير ذلك من الضروريات، بعد أن عاش في كفالة والده، لا يحمل هم العيش ولا يفكر في واجبات الدنيا. وكان الركب يتكون بداية من عشرة أشخاص، هم رفقاؤه في الرحلة والدراسة وهم: الفقيه محمد النبخوت، والفقيه محمد طنانة، والفقيه عبد الرحمان اليعقوبي، والفقيه الكحاك، ومصطفى ابن المفتي، وعلال الذهبي. إضافة إلى الحمار الحاج محمد بايسف ومساعداه، والشريفة للاقامة والدة الفقيه محمد النبخوت. ولأن غرض الرحلة نبيل، وهو طلب العلم، فكان لزاما على الطالب أن يزور شيوخه ليطلب إذهم ودعائهم، ويستمد من توجيهاتهم ونصائحهم ما يخفف عنه عناء السفر وييسر له إقامته بفاس. وتبرز هذه المذكرات تقديس أهل تطوان للعلم، واحتفائهم بطلبته فقد شيع الركب الأعيان والعلماء وأهل المسافرين، وهم يقرؤون آيات من القرآن الكريم ويتلون أدعية لتحصين الركب وحمايته من أخطار الطريق وقطاعها، وتلك مزية لا نجدها ربما في بقية المدن المغربية الأخرى. العنوان: فهارس علماء تطوان (تطوان من خلال كتب التراجم والطبقات) للمؤلف: الوهابي منشورات باب الحكمة (بريس تطوان) يتبع...