عرف المؤرخ الإغريقي أرسطو (384 – 322 ق.م) المدينة بأنها المكان الذي يعيش فيه الناس حياة جماعية من أجل هدف نبيل، أما إبن خلدون فيقول " إن المدن قرار تتخذه الأمم عند حصول الغاية المطلوبة من الترف ودواعيه فتؤثر الدعة والسكون وتتجه إلى اتخاذ المنازل للقرار"، وبالتالي لعب عدد السكان نتيجة الهجرة دورا أساسيا في نمو تطوان، وقد تأثر تخطيطها بالمعطيات الحضارية الوافدة إليها. لم يتم بناء المدينة دفعة واحدة إذ أن هندستها ومرافقها كانتا خاضعيتن لقواعد فبرزت ثلاث قواعد خضع لها تخطيطها منها: المسجد الجامع الذي أعطى للمدينة طابعا الإسلامي، ثم مقر الحكم والإدارة والقاعدة الثالثة خطة المدينة والتي تشمل توزيع استعمالات الأرض، كما تم البحث عن الماء وتم اجتراره بواسطة الدواليب عبر أقنية، وبنيت الأحواض وتم إيصال المياه إلى البيوتات والحمامات عبر أنابيب من الفخار. سرعان ما انضافت وفودا أعداد جديدة ومن مناطق مغربية أخرى، فأقيمت الحدائق وضاقت حومة البلد عن استيعاب المزيد، وبرزت الحاجة ملحة لتوسيع عملية بناء الأرباض، شرع بعد ذلك في بناء الربض الفوقي، وحمل هذا الاسم لكونه واقع في أعلى المدينة ويصل مباشرة بالجبل وضم كل من "السوق الفوقي" الخرازين و "الدباغين"، و "زنقة المقدم". في الفترة ذاتها بنيت حومة "الطالعة"، وانضمت بذلك إلى الربض الفوقي، وسبب بنائها ما ذكره الفقيه السكيرج ما مفاده أنه حين تم طرد القائد "الحاج علي الديب" من المدينة بعد عزله، شرع في بناء هذه الحومة وكانت المنطقة فارغة ثم عمرها الناس، كما أضاف هذا القائد القصبة التي نسبت إليه وشيد السور الممتد من باب المقابر إلى القصبة بجبل درسة. أتمت المدينة تشكيلتها العمرانية بإستقبالها للهجرات المتأخرة في القرن 17م، حيث انضافت إليها حومة جديدة عرفت بحومة "العيون"، ويرجع الفقيه الرهوني هذه التسمية إلى كثرة العيون بتلك البقعة، وتؤكد المصادر أنها بنيت بالضبط بعد مجيء علي بن مسعود الجعيدي إلى المنطقة في أوائل السابع عشر، وكانت كلها فدادين حيث اشتراها هذا الأخير فحبسها على المسجد الذي بناه وهو المعروف "بالمسجد الجامع". وبتشييد هذه الحومة تم الاستغناء عن عدد من الأبواب، ونستشهد وبحديث محمد داود حين قال: "وعند زيادة الربض الأعلى وما لحق به من حومة العيون والترنكات وإحاطة تلك الزيادة بسور جديد وقع الاستغناء عن الباب القديم الذي كان من الناحية الغربية من المدينة وباب التوت في غرب المدينة متصلا بحومة الترنكات"، واكتملت توسعة المدينة بتشييد "سلوقة سيدي الصعيدي" ورافقها سور ممتد من باب السلوقية إلى حتى باب الجياف، حيث شهدت نفس الفترة بناء حارة اليهود. "الملاح البالي قرب" "الباب الجياف"، لكون اليهود كانوا يخرجون موتاهم منه لما انتشر وباه الطاعون بالمدينة، تسبب في نزيف ديموغرافي، انعكس على ساكنة المدينة آنذاك. يتضح من خلال التوزيع العمراني للمدينة، وكذا الأقسام التي شملت عليها على رغبة الساكنة في إقامة مركز حضري متكامل يسعى إلى إقامة الأمن الداخلي ويصد الهجمات الخارجية، كما يهدف إلى تنمية المدينة وخلق نواة اقتصادية، وبذلك شكلت هذه المرحلة لبنة جديدة في تعمير تطوان وترميمها وتوسيعها، نتيجة تدفق المهاجرين الأندلسيين، نمت أرباض المدينة وتوسعت بوتيرة لم يسبق لها مثيل في الماضي. كتاب: تطوان بين المغرب والأندلس (تشكيل مجتمع مغربي أندلسي في القرنين 16 و 17م) للمؤلفة: نضار الأندلسي منشورات جمعية دار النقسيس للثقافة والتراث بتطوان (بريس تطوان) يتبع...