لم يتوقع أي أحد أن يلجأ المكتب السياسي لحزب الشمعة في أحد الأيام، كما عبر عن ذلك بلاغه الصادر بتاريخ 25 يوليوز المنصرم، إلى حل مكتب أحد فروعه النشيطة على الصعيد الوطني،والذي تمكن بفضل ديناميته ونشاطه المستمر والمتنوع مختلف فصول السنة أن يمثل نموذجا اكتسب احترام وتقدير العديد من المهتمين والمتتعين للشأن السياسي بتطوان. مشروع تاريخي كان لقرار نبيلة منيب ورفاقها داخل المكتب السياسي القاضي بسحب توقيعها من التصريح المشترك القاضي بالتقدم المشترك للانتخابات كفدرالية، وقعا سياسيا قويا داخل الحزب وفدرالية اليساروباقي المتعاطفين. ففي بداية سبعينيات القرن الماضي سعى مناضلو أقصى اليسار المغربي(إلى الأمام، 23 مارس) توحيد اليساريين المغاربة في إطار حزب ماركسي _لينيني يقود "حرب التحرير الشعبية" لتحقيق "جمهورية مجالس العمال والفلاحين"، لكن آلة القمع الجهنمية، وتباين قراءات دروس التجربة فرقت السبل بينهم. ومع مغادرة ما تبقى من مناضلي الحركة الماركسية – اللينينية السجن المركزي بالقنيطرة بداية تسعينيات القرن الماضي، بموازاة مع الإشعاع الذي حققته منظمة العمل الديمقراطي الشعبي آنذاك، انطلقت سلسلة طويلة من اللقاءات والاندماجات الجزئية،كما تمت صياغة عشرات الأرضيات التي تبشر بحزب يساري يحتضن جهود وطاقات اليساريين الذين خاب أملهم، منذ مطلع السبعينيات في الأحزاب اليسارية التاريخية، وتعمق ذلك الشعور بعد أن أصبح دورها مجرد مكون أو مكمل للحكومات التي أعقبت حكومة "التناوب التوافقي" بقيادة الراحل عبد الرحمان اليوسفي. ضمن هذا السياق، شكلت تجربة الانتخابات الجماعية ل2016، حينما تقدم الحزب الاشتراكي الموحد بمعية كل من حزب الطليعة والاشتراكي الموحد ضمن فيدرالية اليسار، مكسبا دعائيا وسياسيا لها مما جعل تلك الاحزاب تتفق على مبدأ وحدة اندماجية تذوب فيها الإطارات الحزبية في كيان سياسي واحد في أجل لا يتعدى ستة أشهر بعد الانتخابات الجماعية والتشريعية لسنة 2021. حسابات السياسة إذن ماذا حصل في كواليس الحزب الاشتراكي حتى تعلن نبيلة منيب وأنصارها وضع " المشروع الوحدوي" في الثلاجة ، إن لم نقل وأده في المهد بما يحمل ذلك من احتمال حدوث انسحابات وصراعات ستقلل من حظوظه الانتخابية خصوصا ومن جاذبية عرضه السياسي عموما؟ في هذا الصدد، اعتبرت لطيفة بنعزيز عضوة المجلس الوطني والمكتب المحلي للحزب الاشتراكي الموحد بأن القاسم الانتخابي الجديد عامل رئيس لتفسير هذا التحول المفاجئ لدى نبيلة منيب والمكتب السياسي المساند لها.ذلك أنه " أظهرحظوظ حصول الحزب، بما في ذلك مجموعة من العناصر الموالية لها على مكاسب انتخابية دون المرور عبر بوابة الترشيحات المشتركة في فيدرالية اليسار". وتضيف لطيفة بنعزيز معقبة على القرار المذكور:" بعد سحب الترشيح المشترك لم تقبل القواعد الدخول للانتخابات باسم الشمعة لأنه قرارلم يصدر عن المجلس الوطني المخول قانونا بالبت في الموضوع،وباعتبار أن صلاحيات المكتب السياسي تنحصر في تدبير وتصريف قرارات المجلس الوطني والمؤتمر خاصة فيما يتعلق بالقرارات الاستراتجية مثل قضية الصحراء المغربية أو تعديل الدستور مثلا".لذا فإن "تفادي المكتب السياسي المرور عبر محطة المجلس الوطني له تفسير واحد يتمثل في تخوفه من كون أغلبية المجلس لن تساند قرار الترشيح الأحادي وعدم الاندماج". بالمقابل اعتبر أحمد الخمسي عضو الحزب الاشتراكي الموحد، أن "قرار المكتب السياسي بعدم الترشح ضمن الفيدرالية جاء بعد لقاء نبيلة منيب مع الأمناء العامين لحزب الطليعة وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي حيث سجلت كون الهيئتين المذكورتين تنسقان مع شخصيات بارزة من الحزب الاشتراكي الموحد من دون المرور عبر القنوات الرسمية والشرعية له الممثلة في المكتب السياسي". وأضاف أحمد الخمسي :" لقد نظم المؤتمر الوطني الاتحادي ندوة داخلية حول الاندماج استدعى إليها محمد الساسي ومحمد مجاهد والبرلمانيين عمر بلافريج ومصطفى الشناوي، وأصدر على إثرها عبد السلام العزيزي الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي ملخصا عن الندوة من ضمن ما ورد فيه أن الاندماج بين المكونات الثلاثة للفدرالية في الطريق باستثناء جماعة نبيلة منيب، وهو موقف كان له أثره على مجريات الأحداث لاحقا". وختم الخمسي تصريحه بأن "أولوياتنا تعبئة المغاربة للمشاركة في الانتخابات، وبأن قضايا الخلاف الداخلي ثانوية في الظرف الراهن." قرار صادم ضمن تفاعلات القرار المذكور الذي كان مفاجئا لمعظم المناضلين ، أصدر مكتب الفرع لتطوان في اجتماع له يوم 16 يوليوز"تعميما داخليا" ذكر فيه ب "سياسة الحزب التنسيقية والتحالفية في إطار الصف اليساري والديمقراطي"، كما اعتبرفي نقطته الرابعة "أعضاء الفرع أحرارا في دعم أو مساندة لوائح انتخابات 2021،مهنية كانت أو جماعية أو برلمانية إذا ضمت رفيقات ورفاق أعضاء ملتزمين في الفرع ، وفعاليات مشهود لها بالنزاهة والتطوع..,"، مما يعني بلغة دبلوماسية أن الفرع لا يتمرد على قرار المكتب السياسي بالمشاركة خارج إطار الفدرالية وحسب، بل يتجه ليشكل يشكل "قدوة سيئة" لباقي الفروع لتشق عصا الانضباط ، باعتبار أن القيادة الحزبية دعت إلى المشاركة في الانتخابات المقبلة تحت شعار الشمعة من جهة،وأن المعركة الانتخابية تستدعي التجند ورص الصفوف من جهة أخرى. هكذا أصدر المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد بتاريخ 25 يوليوز المنصرم، بلاغا أوضح فيه أن قرار المكتب المحلي لتطوان المتعلق بتجميد المشاركة في الانتخابات "يتعارض مع اختيارات الحزب وقرارات مؤسساته الشرعية وتوجهه السياسي ، ويتجاوز قرار دخول معركة الانتخابات برمز الشمعة". وأضاف أنه "بناءا على المادة 116 من القانون الداخلي للحزب الذي يمنح المكتب السياسي أو المجلس الوطني للحزب حق حل أو توقيف أي هيئة من هيئات الحزب او منظمة من المنظمات الموازية ، إذا تبين أنها تعمدت ممارسة خرق للقواعد التنظيمية أو التوجهات السياسية المنبثقة عن المؤتمرأو القرارات الصادرة عن المجلس الوطني"، فلقد تقرر حل فرع الحزب بتطوان. لم يستوعب مكتب الفرع أو على الأقل مجموعة منه قرار الحل، لكنه أصر على صحة موقفه: وذلك ما عبرعنه محمد البالي خلال ندوة صحفية يوم 29 يونيو قائلا: "نحن لم ننسحب من الحزب الاشتراكي وبأن هواء المتوسط ليس هواء الأطلسي، بمعنى أنه هواء ديمقراطي، ونحن ندافع عن حرية الاختيار" . الشجرة والغابة قديما قيل "الشيطان يسكن في التفاصيل"، وهذا ينطبق على مشروع الاندماج ما بين المكونات الثلاثة لفيدرالية اليسار. فبالرغم من النوايا الحسنة لمتبنيه، فإن المسكوت عنه من قبيل موقع الأمناء العامين والقياديين الحاليين ضمن الهيئة المستقبلية، وكذا الموقف من شرعنة التيارات مستقبلا، وهل شروط الاندماج جاهزة الآن أم تتطلب مزيد من الوقت ، وغيرها من الحسابات التنظيمية والسياسية جعلت قطار الاندماج يقف متعثرا في محطة القاسم الانتخابي، بما يقوي من احتمال حدوث انسحابات وتصدعات قد تعيد للأذهان مقولة أن تاريخ اليسار هو تاريخ انشقاقاته. بعيدا عن أسلحة العنف اللفظي التي تشحذ بين الرفاق/ الأعداء في تطوان وباقي الاقاليم، التي تتمحور حول تجميد مشروع فيدرالية اليسار، ومدى مشروعية قرار المكتب السياسي في ظل عدم عقد المجلس الوطني، يحق لنا التساؤل هل يستحق مشروع الاندماج مع جماعات أو مكونات يسارية أخرى على هامش الهامش للحياة السياسية هدر كل هاته الطاقات في عملية التجميع بالأمس وعملية الانقسام والتشردم اليوم؟ ألم يكن حلم الاندماج لدى مكونات اليسارالجديد المغربي منذ زمان "إلى الأمام" و23″ مارس"،إلى اليسار الاشتراكي الموحد، مرورا بمنظمة العمل، بمثابة عصا سحرية تقضي بضربة واحدة على انكماشه التنظيمي وانحسار تأثيره الجماهيري الذي ظل لصيقا به؟ ألم يخفي ذلك الإسهال اللفظي حول" وحدة اليسار"أزمته التاريخية وعجزه عن قراءة صحيحة للواقع المغربي وعدم قدرته بلورة التكتيك والاستراتجية الملائمة تستثمر تاريخا طويلا من التضحيات وتساهم في بناء الصرح الديمقراطي وتحقيق العدالة الاجتماعية وتقدم المغرب في عالم مضطرب؟