هناك جانب تاريخي لابد من استحضاره في ما يخص نشأة الرقابة المالية وتطهورها، فعند الحديث عن البوادر الأولى لظهور هذا النوع من الرقابة بالمغرب، أنه هناك مرحتلين: مرحلة ما قبل دستور 1996 وهو ما سندرسه في الفرع الأول مرحلة ما قبل دستور 1996 هو محتوى (الفرع الثاني)، ورحلة دستورية 2011 (الفرع الثالث). مرحلة ما قبل دستور 1996 بدأ الحديث عن هذه المرحلة، باستحضار البدايات الأولى للرقابة المالية بالمغرب، حيث باستقرار التاريخ نجده يؤكد على تأسيس جهاز الأمناء، فقد كان الأمن يختص بإعداد وقبض الحسابات بمساعدة أعوانه ( أمناء الدخل، أمين الشكارة وأمين الحساب).استمرت مؤسسة الأمناء بالمغرب فترة طويلة نظرا لأهمية دورها وتأثير في المجال الرقابي، إذ شكلت تنظيما إداريا وماليا مميزا ووظيفة الأساس جمع الموال اللازمة لسير مرافق الدولة وصرفها تحت إشراف أمين الأمناء الذي معرفا بالأمين الكبير. وفي عهد السلطان المولى الحسن الأول، تم إعادة تنظيم مصالح المالية من خلال خلق رقابة فعالة، بحيث سيصبح جهاز الأمناء أكثر تنظيما في خصم الإصلاحات الجبائية والإدارية العامة، التي طالت المجال المالي والإداري. الرقابة المالية في عهد الحماية الفرنسية إذا كانت الفترة السابقة على بداية القرن 19 قد تميزت بوجود نظام مالي ذو طابع التقليدي، وسوء التنظيم ، وضعف التحري والضبط المالي رغم أهمية تجربة مؤسسة الأمناء فإن هذا النظام، سيخضع التغييرات جذرية مباشرة بعد فرض الحماية الفرنسية على المغرب وخضوع ماليته للوصاية الأجنبية. ويتولى تسيير الأجهزة الخاضعة لمراقبة وتقدير صلاحيته، ويقدم بيانا إلى جلالة الملك عن جميع وجود نشاطه. إذن كان المجلس الأعلى في ل القانون قم : 79-12 المنفذ بظهير 14 شتمبر 1979 يمارس نوعين من الاختصاصات. 1-الاختصاصات القضائية: تبعا للمواد (من 25 إلى 70) نجد أن المجلس الأعلى للحسابات يقوم بمهام التالية: أ-النظر في الحسابات: في حسابات المحاسبين العموميين، وفي الحسابات المحاسبين الفعليين، ولقد حددت المقتضيات المتعلقة بالإجراءات ومضامين العمليات التي يقوم بها من أجل ذلك ، في مقتضيات الفصول ، ( من 25 إلى 55). ب- التأديب المتعلق بالميزانية و الشؤون المالية: وذلك بالنسبة لكل موظف أو مسؤول أو عون جهاز عام، وكل مسؤول أو عون بكل جهاز آخر تجري عليه مراقبة المجلس لارتكابه إحدى المخالفة المنصوص عليها في الفصول (55) من القانون المذكور. ولقد تم تحديد الإجراءات ومضامين ذلك الاختصاص القضائي في الفصول (55 إلى 70). 2- الاختصاصات في مراقبة التسيير: فقد تم تحديد مضامينها والإجراءات الخاصة بها في الفصول (71 إلى 83) وتبعا للفصل (71) يتم تحديد مجال هذه المراقبة في ما يلي: "يراقب المجلس الأعلى تسير الأجهزة المشار إليها في الفصول 72 لأجل تقديره من حيث الكيف والإدلاء عند الاقتضاء، باقتراحات حول الوسائل الكفيلة بتحسين طرفه والزيادة في فاعليته ومردوده. وتشمل مراقبة المجلس جميع مظاهر التسيير، ويقيم لهذا الغض، مدى تحقيق الأهداف المقرة والوسائل المستعملة. وتكاليف الأشياء والخدمات المقدمة والأثمان المطبقة والنتائج المالية. وتشمل كذلك مشروعية وصدق محاسبات الأجهزة الرقابية وكذا الصيغة المادية لعملياتها " الفصل71) وقد حدد الفصل 72) الأجهزة التي تنصب عليها رقابة المجلس الأعلى للحسابات وهي: -المصالح التابعة للدولة. -الجماعات المحلية وهيئاتها. - المؤسسات العمومي. -المقاولات المخولة للامتياز في المرفق العام أو المعهود إليها بتسييره. -المقاولات التي تملك فيها الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات العمومية على انفراد أو بصفة مشتركة مساهمة تعادل أو تفوق ثلث رأس المال بصفة مباشرة أو غير مباشرة ( فصل 72) وقد قدم الفصل (73) إمكانية أخرى للمجلس الأعلى للحسابات لممارسة مراقبة التسيير هذه كما يلي: "يمكن للمجلس الأعلى للحسابات أن يجري طبقا للنصوص التنظيمية المعمول بها، المراقبة المقررة في الفصل 72 على المقاولات أو الجمعيات أو كل جهاز آخر يستفيد من مساهمة أو مساعدة مالية، كيف ما كان نوعها،تقدمها الدولة أو إحدى المؤسسات العامة أو الجماعات المحلية أو إحدى الأجهزة الأخرى الجارية عليها مراقبة المجلس" الفصل (73) . ونذكر أيضا بالاختصاصات الأخرى التي حددتها الأحكام العامة المختلفة للقانون رقم 79-12 وتتعلق بالاختصاصين بنص عليهما كل من الفصل (83) و الفصل (84) كما يلي: يرفع الرئيس سنويا إلى جلالة الملك تقريرا عاما من نشاط المجلس (الفصل83) . "يوجه المجلس إلى رئيس النواب. تصريحا عاما لمطابقة حسابات المحاسبين الفدية للحسابات العامة للدولة ، ويحلق هذا التصريح بمشروع قانون التصفية الذي تعرضه الحكومة على مجلس النواب، وينش هذا التصريح في الجريدة الرسمية للملكة في آن واحد مع القانون المذكور "( الفصل 84 ). 2- تنظيم المجلس الأعلى للحسابات في القانون رقم : 57-12 . لقد خصص القانون رقم 79-12 لتنظيم المجلس الأعلى للحسابات الجزء الأول منه الفصول ( من 2 إلى 24) ،وبالاكتفاء بتقديم السمات العامة لهذا التنظيم من تلك المقتضيات نذكر بالمسائل التالية: -العنصر البشري بالمجلس (أولا). - الهيئات المكونة له (ثانيا). - توزيع المهام داخل المجلس ( ثالثا). 1- العنصر البشري: تبعا للقانون رقم 79-12: " يتألق المجلس الأعلى للحسابات من قضاة هم الرئيس ونواب الرئيس والمستشارين وقضاة المحاسبيين " ( الفصل2). -" يتمتع قضاة المجلس الأعلى للحسابات بعدم قابلية العزل أو النقل إلا بمقتضى القانون كما هو الشأن بالنسبة إلى قضاة الأحكام ويجري عليها نظام أساسي خاص". (الفصل 13 الفقرة 1). - يقوم بمهام النيابة العامة الوكيل العام للملك ويساعده محامون عامون مختارون من بين مستشاري المجلس الأعلى للحسابات بناءا على اقتراح من الوكيل العام للملك بعد استشارة رئيس المجلس. ولا يقوم الوكيل العام للملك بمهام النيابة العامة إلا في المسائل القضائية المسند النظر فيها إلى المجلس ك ( الفصل 1). -يساعد رئيس المجلس " كاتب عام يختاه من بين المستشارين ويعينه بأمر (الفصل8). - " يستعين المجلس الأعلى للحسابات بمحققين يتولى تكوينهم ضمن الشروط و الكيفيات المحددة بأمر يتحده في غرفة المشورة. ويوضع هؤلاءالموظفون طيلة مزاولة مهامهم تحت السلطة الإدارية لرئيس المجلس".( الفصل 12) . -" ويمكن أن يستعين المجلس الأعلى للحسابات في إجراء بعض الأبحاث ذات الصيغة التقنية بخباء يعينهم الرئيس بعد موافقة رئيسهم الإداري إن كانوا موظفين، أو موافقة المسؤول عن الجهاز العام أو شبه العام الذي ينتمون إليه إن كانوا من المستخدمين التابعين لأخذ هذه الأجهزة. ويجوز للرئيس أيضا تعيين خباء من القطاع الخاص وتحدد مهمة الخبراء في أمر تعنيهم." 2- الهيئات المكونة للمجلس الأعلى للحسابات في القانون رقم : 79-12: تبعا للفصل (5) من القانون رقم 79-12 : " يتألف المجلس الأعلى للحسابات من التشكيلات التالية: -الغرفة المجتمعية . - الغرفة المشورة. - الغرف ويمكن تقسيمها إلى فروع: - هيئة التقارير ويمكن تقسيمها إلى لجان : ولقد تم تحديد طرق اشتغال هذه الهيئات وفق المقتضيات التالية: " تعقد الغرف وفروع الغرف جلساتها بحضور أربعة من أعضائها من بينهم رئيس الغرف أو الفروع، وتحضر الجلسة الإضافة إلى غرف أخرى المستشار المقرر الذي يتمتع بصوت استشاري كما يحضرها كاتب الضبط " ( الفصل 13) . " يعقد المجلس الأعلى للحسابات جلسات رسمية علنية ولا سيما لتنصيب قضاة في مهامهم، ويحضر الجلسات الرسمية جميع قضاة الحكم والوكيل العام للملك والمحامون العاملون".( الفصل 15) . "تتألف تشكيلة الغرفة المجتمعة من الرئيس والنواب ونواب رئيس ومستشارين اثنين من كل رفقة ينتخبها زملاؤهما في الغرفة لمدة سنة ، ويضاف إليها لأجل الحكم في كل قضية مستشار مقرر يكون له صوت استشاري. ويمارس فيها مهام الوكيل العام للملك أو محام عام إذ تغيب أو عاقه عائق. ويعين الرئيس لتشكيلة الغرف المجتمعية كاتبا للضبط" ( الفصل 16) ."تؤلف غرفة المشورة من الرئيس ونواب الرئيس و مستشارين اثنين والكاتب العام للمجلس، ويسند لغرفة المشورة السهر على تطبيق النظام الأساسي المذكورة (الفصل 18)". "تؤلف هيئة التقرير بتحضير التقارير المنصوص عليها في الجزء الرابع . من هذا القانون الموافقة عليها ، وتتألف من الرئيس ونواب الرئيس. يجوز للرئيس أن يضيف إليها آخين من المجلس .(الفصل 19) ." يحدد الرئيس مواضيع التقارير ويجوز له توزيعها على لجان يحدد تأليفها بموجب أمر ( الفصل 20 ). توزيع المهام داخل المجلس الأعلى للحسابات: أ) مهام الرئيس: نجد هذه المهام محددة في مقتضيات التالية: يتولى الرئيس رئاسة الغرف المجتمعية وغرف المشورة مع مراعاة الأحكام في الفصل (18). وهيئة التقارير. ويمكن أن يرأس جلسات الغرف أو الفروع للجان"(الفصل 6)" يمكن أن يعمل الرئيس غلى إجراء كل بحث تمهيدي في القضايا الخاضعة لمراقبة المجلس. ويجوز أن يستدعي عن طريق السلم الإداري كل موظف أو عون بجهاز عام أو بصفة مباشرة أي شخص آخر يستطيع أن يقدم إلى معلومات قد يراها ضرورية. ويمارس الاختصاصات المسندة إليه بمقتضى هذا القانون بواسطة مقرر أو أمر،يتخذه في غرفة المشورة أو مذكرة أو قرار مستعجل .( الفصل 7). ب) مهام نواب الرئيس: تم تحديد مهامهم في الفصلين (9) (10) كما يلي: "ينوب الرئيس إذا تغيب أو عاقه عائق أحد نوابه الذي يعين برسم كل سنة بأمره يتخذه في غرفة المشورة ( الفصل 9). "يكلف كل نائب من نواب الرئيس برئاسة غرف المجلس مع مراعاة أحكام الفصل أعلاه." ويقرر الرئيس بأمر يتخذه في غرفة المشورة تعاقب نواب الرئيس على رئاسة الغرف وتعيين القضاة في مختلف تشكيلات المجلس وتقسيم الغرف إلى فروع"(الفصل 10). ث) مهام الوكيل العام للملك: لقد تم تحديده في هذا المهام في المقتضيات الفصل (11) كما يلي: "يمارس الوكيل العام للملك مهام النيابة العامة بإيداع استنتاجات والملتمسات. وتبلغ إليه مع المستندات المثبتة، التقارير المتعلقة بتبرئة ذمة المحاسبين أو وجود فائض أو عجز في حسابهم، وبالمقررات المراجعة إلى ولاية المجلس القضائية. ويحيل إلى المجلس العمليات المضنون أنها تشكل تسييرا فعليا إما من تلقاء نفسه، أو بطلب من وزير المالية أو منالوزراء المعنيين بالأمر أو الخازن العام أو المحاسبين العموميين بصف النظر عن حق المجلس في التصدي للنظر فيها بصفة مباشرة استنادا إلى الإثباتات المنجزة بمناسبة التحقق من الحسابات على الخصوص. ويلتمس من رئيس المجلس، فيما إذا وقع تأخر في الإدلاء بالحسابات تطبيق الغرامة المقررة في القانون في هذا القانون .ويجوز له أن يحضر جلسات المجلس وأن يقدم فيها ملاحظات شفوية، كما يجوز له أن يعين محاميا عاما لتمثيله فيها ويتوفر على كتابة." ج) مهام الكاتب العام: تم تحديدها في مقتضيات الفصل (12) كما يلي:
"يسه الكاتب العام على أن تقدم الحسابات في الآجل القانونية ويخبر الوكيل العام للملم بكل تأخير في هذا الصدد". ويساعد الرئيس في تنسيق أشغال المجلس وفي تنظيم جلسات التشكيلات التابعة له: ويتولى تحت سلطة الرئيس تسيير المصالح الإدارية للمجلس وكتابة الضبط لديه . ويشهد بصحة نسخ وملخصات الأحكام القضائية الصادرة عن المجلس (الفصل 12). ----------------------- [1]نجيب جبي : "إشكالية منظومة الرقابة المالية بالمغرب بين التقنين والتفعيل "مرجع السابق ص 6. [2]نذكر أنه عند صدور القانون 79-12 بظهير 14 شتمبر 1979 كان مجلس النواب يمثل البرلمان المغرب ، بمجلس واحدن قبل جوع مجلس المستشارين كمجلس ثني بمقتضى المراجعة الدستورية لسنة 1996. [3]عبد القادر باينة: الرقابة على النشاط الإداري " الجزء الثاني طبعة 2011 ص 24 [4]نكر أنه قبل أن يصبح النظام الأساسي لقضاة المحاكم المالية في داخل القانون رقم 99-69 المكون لمدونة المحاكم المالية المنفذ بظهير 13 يونيو 2003 ، في الكتاب الثالث منه في المواد (من 165 إلى 234)، كان النظام الأساسي لقضاة المجلس الأعلى موضوع القانون قم ك 80-28 المنفذ بالظهير الشريف قم: 383-80 – الصادر في 17 صفر 1401 (24 دجمبر 1980)- (ج .ر .عدد 3560 بتاريخ: 21 يناير 1981ص 88 -96 ) [5]يتعلق الجزء الرابع هذا بأحكام عامة ومختلفة ويشمل الفصول من (83 إلى 101) أما التقارير المشار إليها فهي: التقرير العام الذي يرفعه رئيس المجلس سنويا إلى جلالة الملك عن نشاط المجلس (الفصل 43) التصريح العام الذي يوجهه المجلس (آنذاك) إلى رئيس مجلس النواب"بطاقة حسابات المحاسبين الفردية للحسابات العامة للدولة.ويلحق هذا التصريح مشروع قانون التصفية الذي يتعرضه الحكومة على مجلس النواب ويذكر هذا التقرير في الجريدة الرسمية للمملكة في آن واحد ج القانون المذكور (الفصل 84) . ونذكر بأن مقتضيات الفصل (84) هذه جاءت تطبيق الفصل ( 14) من الظهير الشريف قم 260. 72-1 الصادر في شعبان 1392 (18 شتمبر 1972 ) بمثابة القانون التنظيمي للمالية.والمرتبط بمقتضيات دستور 10 مارس 1972 ، والذي كان مطبقا عند صدور القانون رقم 79-12 المتعلق بالمجلس الأعلى للحسابات حل محل اللجنة الوطنية والتي ألغت القانون 79-12 عن فصله 101. [6]يتعلق الفصل (18) بتأليف غرفة المشورة وقد ادر جناه سابقا لهذا الفصل.
------------------------------------------- ذ.نور الدين الشاعر