تتبوأ مدينة (سبتة) المغربية مكانة خاصة في التاريخ المغربي بفضل ماجرى على أديمها من أحداث جسام، منذ أن كانت قاعدة لإنطلاق الفاتحين نحو الأندلس ولما يمر على الفتح الإسلامي لإفريقية سوى عقود قليلة ، ومنذ أن أصبحت عاصمة ثانية إبان حكم المرابطين ، حيث أضحت مركزا علميا مزدهرا شد الرحال إليه ، من الأندلس والمشرق ، عدد جم من العلماء والأدباء ، الذين كان لهم القدح المعلى في مختلف العلوم الشرعية واللغوية، وشتى الفنون الأدبية. وهو ما أجمله ابن الخطيب في كتابه (معيار الاختيار) عند تعداده لمحاسنها ومزاياها، فهي في نظره دار التاشبة، والحامية المضرمة للحرب المناشبة، والأسطول المرهوب، المحذور الالهوب، والسلاح المكتوب المحسوب، والأثر المعروف المنسوب ، كرسي الأمراء والأشراف، بصرة علوم اللسان، وصنعاء الحلل الحسان...)). إن هذه العملية المغربية التي أهلها موقعها الجغرافي لتكون أبرز حاضرة علمية في المغرب الإسلامي ، وملتقى الوافدين من المشرق صوب الأندلس أو من الأندلس إلى المغرب والمشرق، ظلت على امتداد تاريخها –من الفتح إلى احتلالها – حاضرة في الوجدان والذاكرة المغربيين. ولأنها كانت –بحق- "دار علم" فإن نور العلم لا يخبو مهما ادلهمت الأجواء ، وهذا ما أكده الباحثون في دراساتهم عن الحياة العلمية في مدينة سبتة المغربية، حيث أفاضوا في الحديث عن مدارس علمية كانت لها خصائصها كالمدرسة القرآنية التي يأتي في مقدمة رجالها "أبو زرعة" دفين مقبرة التوتة ، والذي يعتبر أول من أدخل القرآن إلى المغرب والتي من رجالها "الحصري" المقرىء، صاحب القصيدة الرائية في قراءة نافع ، وعبد الجليل القصري الذي يعتبر من نوابغ المفسرين. ومدرسة الحديث التي لم تخل المدينة من مشيختها منذ القرن الرابع والتي من أعلامها المبرزين ،- القاضي عياض- إمام أهل الحديث في وقته –وأبو محمد الحجري ، وأبو العباس العزفي، وعلي الشاري وابن رشيد. والمدرسة العقدية التي واجهت بمنهجها الكلامي على مذهب أبي الحسن الأشعري مختلف الفرق والمذاهب ويعد ابن خمير السبتي والقاضي عياض من أبرز أعلامها. ولقد كان لاهل سبتة – بالمغرب للغرب الإسلامي- فضل السبق في الإهتمام بالسيرة النبوية والتأليف فيها ، وقد تكونت مدرسة سبتية في السيرة من روادها أبو الربيع بن سبع والقاضي عياض والإمام العزفي. أما مدرسة الفقه السبتية فقد ظلت منافحة عن مذهب إمام دار الهجرة ولقد كان من أسباب رفض علمائها لحكم الموحدين موقفهم المتشدد من المذهب المالكي وإحراقهم لكتبه واظطهادهم لعلمائه، وقد برز أعلام أثروا الدراسات الفقهية المالكية، منهم، ابن العجوز الذي كانت إليه الرحلة فب وقته، ومجمد ابن عيسى التميمي –مقدم فقهاء سبتة- وابن شبونة – احفظ أهل وقته للمسائل. وقد تزعمت سبتة المدرسة النحوية بهذا الغرب الإسلامي ويشير ابن الخطيب إلى مكانتها في علوم اللغة والنحو والبيان فيقول" بصرة علوم اللسان" ولقد كان لعلمائها اعتناء بارز بكتاب سيبويه ، تدريسا وشرحا وتعليقا، حتى أصبحت سبتة رائدة في هذا المجال، ويعتبر كل من أبي الربيع ، وابراهيم الغافقي أبرز أعلام هذه المدرسة. وتأكيدا لمكانة مدينة (سبتة) وحضورها الدائم في دائرة اهتمام المغاربة قاطبة، فإن المجلس العلمي لعمالة المضيق – في دائرة اهتمام المغاربة قاطبة، فإن المجلس العلمي المحلي لعمالة المضيق- الفنيدق الذي تقع مدينة سبتة المغربية داخل مجاله الترابي، حرص منذ تأسيسه على العمل، بجد واجتهاد ، بغية المساهمة الفعالة في إبراز تراث سبتة الثري بمعطيات فكرية ثمينة، استأثر بعضها بعناية الباحثين، وما زال بعضها الآخر محتاجا إلى من يتفرغ له بالبحث والدراسة حتى يظفر بكنوزه التي تعد تراثا مغربيا أصيلا سيبقى شاهدا على النبوغ المغربي. وينتظر المجلس من السادة العلماء والباحثين المشاركين في هذه الندوة إبراز مايزحر به كل محور من عناصر ذات قيمة مضافة ، وأفكار مثمرة .كما يعول على تضافر الجهود المخلصة حتى تتعزز هذه الندوة بندوات ولقاءات أخرى تتفتق فيها الرؤى وتتلاقح الأفكار في أحضان تاريخ مدينة (سبتة) وتراثها العلمي والحضاري. بريس تطوان الورقة التقديمية بقلم بقلم العلامة الشيخ اسماعيل الخطيب- رحمه الله- رئيس المجلس العلمي المحلي السابق لعمالة المضيقالفنيدق عن كتاب : سبتة العالمة ومدارسها في العلوم الشرعية