ألقاها المرحوم الأستاذ اسماعيل الخطيب الأحد 1 فبراير 2004 بمسجد الحسن الثاني بتطوان
الله أكبر، هو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد .
الله أكبر هو اللطيف الخبير الحكيم العليم، الرؤوف الرحيم خلق الإنسان في أحسن تقويم وهداه إلى الصراط المستقيم. الله أكبر نشهد أنه الله لا إله إلا هو وحده لاشريك له، قامت بأمره وعد له الأرض والسماوات، وسع كل شيء رحمة وعلما وهو العزيز الحكيم . الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا. ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، الرسول الأكرم، والإمام الاعظم، بعثه ربه هاديا إلى رضاه، فبين لارشد من الغي والكفر من الإيمان ، والنور من الظلام. صلى الله وملائكته المقربون عليه وعلى آله وصحبه وعلى جميع النبيين والمرسلين. الله أكبر. أما بعد، فيقول الله عز وجل "وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا ۖ وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا " ويقول تعالى"وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك أو يخرجوك" .
عباد الله ، قضى نبينا عليه الصلاة والسلام أكثر من عشرة أعوام، وهو يدعو اهل مكة للإسلام، وتحمل في سبيل ذلك الكثير من المحن والآلام، لكنهم لم يزدادو بمرور الأيام إلا عنادا وإستكبارا، خاصة بعد ما رأوا أن الدعوة إلى الإسلا لم تتوقف في سيرها فتشاوروا فيما بينهم وتآمروا وبحثوا عن أنجح الوسائل للتخلص من صاحب الدعوة ، وقدمت للمؤتمرين اقتراحات تلاثة.
الأول:السجن المؤبد الثاني: الإخراج من مكة الثالث: القتل وبعد المناقشة وقع الاتفاق على الاقتراح الثالث، كما ثم الاتفاق على أن ينفذ القتل بيد مجموعة من الشباب يحمل كل واحد منهم سيفا صارما ليضربوه ضربة رجل واحد. هكذا خططو وأعدوا العدة "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين". الله أكبر عباد الله، في الوقت الذي كان المشركون يعدون فيه العدة لتنفيد مخططهم أوحى الله لنبيه أن يخرج مهاجرا بدينه فارا من دار المهانة، إلى دار العزة والكرامة" ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة".
لكن الهجرة مغادرة للأوطان، ومفارقة للأحباب والإخوان والجيران وقد قرن الله تعالى بين الخروج من الديار وقتل النفس وقال الله سبحانه"وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ .... ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم". فالجسم دار الروح والوطن دار الجسم، وخروج كل منهما من داره صعب وشاق، وهاهو نبينا عليه الصلاة والسلام وقد أخرج من وطنه، يلتفت إلى مكة التي أحبها وأحبته وألفها وألفته، ويقول:اللهم إنك تعلم أنهم أخرجوني من أحب البلاد إلي، ثم يخاطب مكة بقوله: لولا أن اهلك اخرجوني منك ماخرجت.
إنه درس بليغ من معلم الإنسانية فالإنسان السوي يحب وطنه، ولايخرج من وطنه مهاجرا إلا إذا أكره على ذلك كما أكره المسلمون على الهجرة ليسلم لهم الدين، فالمسلم لايبالي بالوطن ولا بالمال في سبيل أن يسلم له دينه .
الله أكبر
عباد الله هكذا علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم حب الإيمان وحب الأوطان هذا الحب الذي يجعل المؤمن حريصا على حفظ إيمانه، وحفظ وطنه وإذا نظرنا إلى تعاليم ديننا وجدناها تدور حول هذين الأمرين، فالجهاد شرع لحفظ الدين وحفظ الوطن، والقصاص شرع لتحقيق أمن الوطن واستقراره والزكاة شرعت لتحقيق العدل الاجتماعي بين جميع المواطنين.
وهكذا... فالمسلم محب لوطنه ومواطنيه، والمحب لوطنه يسعى بكل جهد للرفع من شأنه فإن هو تولى مسؤولية صغيرة كانت أم كبيرة أخلص في القيام بها، ووضع نصب عينيه قول الرسول الأكرم :إنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي و ندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليهم فيها.
الله أكبر. عباد الله، المحب لوطنه لايسمح في نفسه بإعطاء رشوة او أخذها، فهو يعلم أن الرشوة سوسة تهدم بناء الوطن، ويعلم أن دينه يحرم أكل اموال الناس بالباطل، وأن الله تعالى يقول: و"لاتأكلوا اموالكم بينكم بالباطل" فكل آخذ للمال بغير حق كالغصب والسرقة والربا، يتسبب في أضرار اجتماعية لاحد لها والمحب لوطنه لا يسمح لنفسه بزعزعة أمن الوطن، فالأمن نعمة ما أجلها قال تعالى" فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف".
وابراهيم بعد بنائه البيت الحرام دعا الله وقال "رب اجعل هذا البيت آمنا وارزق أهله من الثمرات" وكل مؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا، يسأل الله تعالى أن يجعل بلده آمنا مطمئنا، ويسعى لتحقيق هذا الأمن، بإشاعة معاني الأخوة والمحبة بين جميع أفراد المجتمع يقول نبينا عليه الصلاة والسلام والذي نفسي بيده لاتدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولاتؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم.
الله أكبر.
عباد الله والمحب لوطنه يحب أن يراه نظيفا، جميلا في طرقه، وساحاته وحدائقه ومقابره ، فالنظافة شعار الإسلام وعلامة بارزة للتقدم والحضارة، والإسلام يبني أساسا على النظافة، فلا تتم الصلاة إلا بنظافة الثياب والمكان والجسم ، قال صلى الله عليه وسلم " إن لجسدك عليك حقا" وقال" الطهور شطر الإيمان" (مسلم) وأرشدنا نبينا إلى العناية بنظافة الطرقات ، فقال: إن الله يحب الطيب، نظيف يحب النظافة كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا افنيتكم-أي المتسعات التي تكون أمام البيوت – ولاتشبهوا باليهود".
والنظافة مسؤولية الجميع، فعلى المجتمع بمسؤولية مواطنيه أن يتعاون على هذا الأمر الهام ، فالتفريط في النظافة يتسبب في مخاطر لا حد لها ، خاصة في هذه الأيام حيث لايتورع البعض من إلقاء فضلات الأضاحي في الطرقات والأماكن العامة ، فيتسبب ذلك في تلوث البيئة ، والقاعدة الشرعية (لاضرر ولاضرار) لها تطبيقات واسعة في النهي عن تلويث البيئة، ويكفينا ان نستمع ونعمل بتوجيه نبينا عليه الصلاة والسلام، فقد سأله أبو برزة الأسلمي فقال "دلني على عمل يدخلني الله به الجنة، فقال: أمط الأذى عن الطريق" نفعني الله وإياكم بالقرآن المبين وبحديث سيد الانبياء والمرسلين، وغفر لي ولكم ولجميع المسلمين، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية الله أكبر ماسار الحجيج في البر والبحر والجو تحرسهم عناية الملك العلام . الله أكبر مافارقوا أوطانهم وبذلوا أموالهم لاقامة شعائر الإسلام . الله أكبر ماعلت أصواتهم بالتلبية إجابة لنداء إبراهيم الإمام الله أكبر ماطافوا وسعوا، وشربوا من ماء زمزم المطهر( الله أكبر) سبحان الله والحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله، جعل الأعياد مواسم الإحسان والرضوان، وأشهد أن سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الصادقين المخلصين. أما بعد، فهذا يوم العيد الأكبر، وها أنتم قد اجتمعتم هنا لأداء صلاة العيد، عملا بسنة نبيكم عليه الصلاة والسلام، وهذا اليوم عند الله تعالى من أجل الأيام ، فهو يوم الحج والمنحر، وإحياء سنة ابراهيم وعيد الله الأكبر.
الله أكبر عباد الله؛ يقول الله عز وجل"وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا " فما من أمة من الأمم ولا جماعة مؤمنة بالله إلا يذبح تقربا إلى إلى الله وحده، قال تعالى "قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " ولقد ضل أقوام تعلقوا بغير الله ، وسألوا غير الله ، وقدموا القرابين لمعبوداتهم، فخسروا الخسران المبين، وها نحن في هذا اليوم العظيم ، قد حضرنا هذا الجمع الكريم تأسيا بنبينا، وبعد حين ستذبحون ضحاياكم ، تقربا إلى ربكم، فأخلصوا النية لتنالوا الأجر الكبير والفضل الجزيل ، فعن زيد ابن أرقم:قال: يارسول الله ماهذه الأضاحي قال: سنة أبيكم ابراهيم ، قالوا : ومالنا فيها ؟ قال بكل شعرة من الصوف حسنة ".
الله أكبر عباد الله أكثروا في هذه الأيام المباركات من الصلاة والسلام على من أخرجكم الله بدعوته من الظلمات.