لماذا نتزوج ؟ هل فقط لأنها سنة الحياة التي تفرض علينا الارتباط في مرحلة معينة من العمر، فننشد معها الاستقرار، و نأمل خلالها في إنجاب أطفال نحقق معهم مشروع الحياة و نعيد إنتاج نفس البنيات التي أنتجت؟ لكن اليوم الأمور تتغير و تتلون بمعطيات جديدة و حقائق تكشف اكتساح طابع النسبية على كل وصفات الزواج الناجح، الأزواج الجدد لديهم اليوم منطق آخر في اختيار شريك "ة" الحياة. هل يتزوج الرجل و المرأة لنفس السبب ؟…قطعا لا رغم ما يبديانه لحظتها من اتفاق مبدئي عن أهداف الزواج المتعارف عليها. و طبيعي أن يكون لتنشئتهما الاجتماعية بحمولاتها الثقافية، تأثير واضح في رسم ملامح الارتباط تحت سقف مؤسسة الزواج. نتهم نحن النساء أو هكذا يضعنا المجتمع في خانة الحالمات، المتطلبات.. و الباحثات عن الخلاص من أسئلة: هل أنت متزوجة؟ متى نفرح بك ؟ و لماذا لم تتزوجي بعد ؟يصبح معها للزواج أبعادا وجودية أكثر منه طقسا اجتماعيا، أو اختياريا فرديا أو حتى وجدانيا. و الحالة هذه، فإننا نتزوج لكي نتزوج أو لأنه من المفروض أن نتزوج. للرجل أسبابه كذلك التي لم تنأى عن كل هذا السياق الاجتماعي و الثقافي، لكن بصورة أخرى تحفظ ذكوريته و تنشد فحولته، حتى و إن تم إخفاؤها تحت مظلات مختلفة…يقال إنه عندما كانت ممارسة الجنس مباحة قبل مجيئ الأديان، لم يكن يفكر الرجل إطلاقا في الاستقرار و لا غيره، و جاءت الأديان و قضت بتحريم الممارسة الجنسية بدون زواج… و بهذاتطور الزواج ليصبح نظاما اجتماعيا يحترمه الرجل كي يحقق كل رغباته الجنسية…ثم يحقق للمرأة الأمان و الاستقرار. و من ثم كان يرمز للزوج بقائد السفينة، و " مول الدار" و ممونها كذلك، قبل أن تتغير الأمور بسبب التحول الاجتماعي الذي خلط الأوراق، و أربك بعض الأدوار في مفهومها التقليدي. كان هذا المفهوم يحصر عمل النساء في داخل حرم المؤسسة، بينما تمتد مسؤولية الرجال إلى خارج الأسوار. تحول فرض منطقا جديدا في التدبير لمتطلبات العيش المشترك، لكنه بالمقابل لم يعكس التحول ذاته في تغيير منظومة القيم و الأعراف الخفية التي تحرك سير مؤسسة الزواج على مستوى الأدوار التقليدية المنوطة بالنساء. و حينما امتد عمل الزوجة إلى خارج البيت، تضاعفت الأعباء بسبب غياب بنيات مرافقة للتحول الذي عرفته وضعية المرأة في المجتمع. لم يكن إحداث قوانين جديدة أو حتى الإقرار بحق المرأة و المواطنة الكاملة و مساواتها بالرجل كافيا، لأن هاته القوانين نفسها تجاوزها مرة أخرى الواقع بكثير، ؟ إذ ألحق بنموذجنا التنموي الكثير من الضبابية و الشيزوفرينيا المجتمعية، التي تجعل المرأة دوما كبش الفداء في قضايا الشرف و الأخلاق، و الضحية في جرائم الإغتصابو التحرش و العنف في الفضاءات العمومية، كما في أماكن العمل، الأدهى من ذلك، تجعل تعاطينا مع هذه القضايا بالذات، مغرقا في نمطية و ذكورية تستنكر حقا وجوديا و إنسانيا لطرف دون آخر، و تأبى أن تجعل من كل التحولات سيرورة للتقدم و التنمية، و ليس مشجبا تعلق فوقه نواقصنا و تقصيرنا في تفعيل سياساتنا العمومية و اختياراتنا المجتمعية، التي لن تستقيم إلا بتمرين المواطنة و التعايش الإنساني في أبعاده الحقيقية. ما من شك في أن أي ارتباك مجتمعي ليس سوى امتدادا لارتباك أسري بين الزوجين أولا في علاقتهما ببعضهما، و في تأثير ذلك على بقية التبعات من أبناء و أقارب أيضا، و هو أمر لن يتحقق إلا إذا كان كل طرف على وعي بما له و ما عليه، و قبل كل ذلك لا يجب أن ننسى أننا نتزوج لنكون سعداء و لنسعد أنفسنا أولا، قبل نسعد الآخرين. تحدث سابقا في مناسبة ماضية، أن ما يستوجب الاشتغال عليه مجتمعيا و سياسيا، في هذا الوطن الباحث عن كماله، هو الإنسان نفسه، و استنبات إنسانيته في كيانه، وري سلوكاته كلها بها، و شحن نظرته بقيمها لكل ما حوله، و ان يقرن السعادة الحقة بما يسعد ذاتهما، ستكون الإنسانية هنا السند الذي يؤمن كل علاقاتنا الاجتماعية بما فيها الزواج من منابع كل الاختلالات التي تهدد الفرد و الأسرة و المجتمع ثم الوطن.