أبانت التجربة التاريخية عن فعّالية تأثير الطاقات الحسية والمعنوية التي تُسيِّر المجتمع المغربي، وعن إيمان الشعب في وجود مُثُل عليا تُسنِد خلفيته الاجتماعية، وقِيم تشكِّلُ مُتَّكئاً لِسيره، وتبرز جليةً في طَوْرٍ حسّاس وذي أهمية من بين أطواره. فالمجتمع المغربي بتعدّد روافِده، وغِنى تجرِبته، ومَتانةِ تلاحُم تلك الروافد وإنْ تَناءت بها الجهات والتقسيم الجغرافي، أنْتَجَ لفيفاً من القِيَم التي صارت تُشكِّل مغربيته، وأصالته، وأضحت مُحرِّكاً لطاقاته في أوقاتِ الأزمات والمدلهمات، وأغْنَت فِكره الجَمْعِي الذي صارَ يستحضِرُ جميع أجزاءِ البلادِ إذا ما كان المهدِّدُ خارِجيا أو داخليا لوحدة الكيان المغربي، تُراباً وهويةً وبشَراً. والنّاظر في المضمار الابتلائي الذي وَسَم تاريخ المغرب وشَعبه منذ قرون، إنْ في الميدان السياسي أو الاجتماعي أو العمراني؛ يَلْحَظ ثَمَّ قِيمةً راسخة، وفاعلة، وتتجدّد آليات حضورها بتجدُّد واختلاف طَبيعة ما يُصيب المغاربة من ابتلاءات ونكبات، إنها قيمة "التضامن". ولمّا كانت القيم وجوداً يُنجِب طرازا جديدا مِن التفكير الفلسفي يُعرَف بنظرية القيم أكسيولوجيا، وكان من خصائص تلك القيم أنّها مِن اختيار الإنسان، وهو وحده القادر على إخراج القِيمة إلى حيّز الوجود الرّاهن، بوعي أو بغير وعي، فإنّ المغارِبة استقرَّ اختيارهم القِيمي وإجماعهم على "التَّضامنات" في أزمنة الأزمات، بل حتّى في الرخاء، يتضامنون استِعدادا لكلِّ الاحتمالات السيئة مُستقبَلا. وإنَّ هذه القيمة؛ لها جِذْر وحاضِر وامتداد، فالعُمْق التَّاريخي والرَّصيد الحضاري للبلاد؛ كلاهما جِذْر أو مَصدر مِن مصادر البحث عن القيم الجامعة، واستخلاصها، ومنها قيمة "التّضامن"، ويمكن ضمُّها في حُزمتين: حُزمة قيم الانتماء (والمعَبَّر عنها في الدِّفاع عن الوطن مذْ عُرِف المغربيُّ وكان، والوحدة، والانتماء العربي والإسلامي، وحبّ المذهب المالكي، الارتباط بالثوابت الكبرى للبلد، والالتحام بالقبيلة والعائلة الكبيرة وإيثارها بالعَون والمال،..)؛ وحُزمة قيم الفاعلية والمردودية وتَشمل (التَّكافل، التضامنات الاجتماعية، العمل الخيري والتطوع، نظام الوَقف..).