إلى أبي الثاني، إلى مؤنس جلساتنا، إلى الرجل الطيب أيقونة الحب و العطاء و الحنان .. اليوم تكتمل الأربعون يوما على فراقك و لم أصدق بعد أنك فعلا فارقتنا، و أنني لن أرى وجهك المنير مجددا، لا أصدق أننا يوم نزور بيت الجدة الكبير، ذلك البيت الدافئ الذي تجتمع فيه كل ذكريات الطفولة الجميلة، لن أجدك هناك جالسا في مكانك المعهود، لن أتملى وجهك البشوش و لن اسمع صوتك الحنون و لن أستأنس بحديثك المسلي، و لن أحظى بدعواتك التي تطمئن قلبي و تجدد فيه أمل الحياة، لا أصدق كل هذا يا جدي، لا أصدق غيابك، و كيف لي أن أصدق و أنت مازلت حاضرا هنا في كل مكان ، و في كل الأشياء من حولي، كأنما في الغياب يكبر الحضور أكثر و أكثر و يصير حضور الغائبين في أذهاننا أكثر من وقت حضورهم في حياتنا..داخل كل واحد فينا ترتسم ملامح شخص ما نحب أن نعتبره قدوة لنا،و نسعد بوجوده في حياتنا. و أنت يا جدي كنت قدوة العائلة كلها في إيمانك القوي، في صبرك الجميل، في هدوء طبعك ،و في حنان قلبك الرؤوف، في حلمك بالصغير و الكبير،في كرمك المعهود، في كلامك الطيب ..كنت قدوتي الجميلة التي أفتخر بها منذ الصغر ، يا من علمتني الصلاة و حببتني فيها،و علمتني الرضى و عرفتني طريقه، و علمتني الصبر و زرعت فيا بذوره ،بل إن أغلب دعائك كان رزقك الله صبرا يا ابنتي .. كم احتجت لهذا الدعاء كثيرا يوم فراقك يا جدي، و كم أنا في حاجة له اليوم أكثر و أكثر لأتعود على غيابك . أفتقدك جدا يا جدي، و أفتقد دعواتك التي كانت تشفي الجروح ،و نظراتك التي كانت تريح الصدور، و همساتك الرقيقة التي تطفئ الحزن و تبهج النفوس ،نفتقد وجودك بيننا، نفتقد حضورك اليوم على مائدة إفطارنا ، لكن عزاؤنا الوحيد أنك عند رب رحيم ، و نحتسب أنك عنده تعالى من الصالحين ، فالصورة الوحيدة التي ستظل راسخة في ذهننا جميعا هي صورة تلك الروح الجميلة التي كانت بيننا ، صورة القرآن الذي لم يفارق يديك يوما، و الذكر الذي لم يفارق لسانك حتى آخر أنفاس لفظتها ، واليد المبسوطة التي لم ترد سائلا ، و الدعاء الذي لم تبخل به علينا يوما في حضورنا و غيابنا .. بعدد ما دعيت لنا به يا جدي سأظل أدعو لك و ستظل روحك الجميلة بيننا حيثما كنت، فمثلك لا ينسى و مثلك لا يتكرر في هذا الوجود . إن أجمل ما يمكن أن يخلده الانسان بعد موته هو هذا الأثر الطيب و هذه المشاعر النبيلة التي تظل خالدة في خانة الذكريات ..لم أخبرك يوما كم أحبك جدا يا جدي لأنني كنت أحبك بالطريقة التي كنت تحبني بها، فأنت من علمتني أن الحب هو أن تعطي دون انتظار المقابل ، لكني اليوم في حاجة لأن أقولها و أبوح بها و أخبرك كم أحبك جدا و كم أنا فخورة بك و كم كنت محظوظة بك ، أحبك يا من علمتني جمال الحب. أسأل الله تعالى في هذا الشهر العظيم أن يتغمدك بواسع رحمته و أن ينزل على قبرك الضياء و النور و الفسحة و السرور و أن يجمعنا بك في فسيح جناته يا رب العاليمن. الحفيدة: هاجر الوهابي / بريس تطوان