الدكتور سعد الرجراجي، حاصل على الدكتوراه في الطب سنة 1981، ويمارس حاليا كطبيب جراح بالقطاع الخاص بمدينة تطوان، اهتم منذ عقود طويلة بالشأن العام، فانخرط في العمل السياسي والنقابي والحقوقي، حيث تحمل عدة مسؤوليات إقليمية ووطنية، انعكس هذا المسار في تنوع اهتماماته العلمية والأكاديمية، فكانت ثمرته مناقشة أطروحة في القانون العام بجامعة محمد الخامس الرباط سنة 2014، تحت عنوان “الحق في الصحة” حيث حاز على الدكتوراه في الحقوق بميزة مشرف جدا، لجنة المناقشة التي ترأسها الأستاذ محمد يحيا، عميد كلية الحقوق بطنجة، أوصت من أجل إثراء النقاش في موضوع شائك بنشر البحث في شكل مؤلف. تتجه عناصر التفكير في موضوع هذا المؤلف صوب معانقة جملة من الأسئلة والقضايا التي يطرحها إشكال البحث في العلاقة القانونية المركبة بين مقتضيات منظومة الحق من وجه أول، ومطلب الرعاية الصحية من وجه ثان، وقد تعينت لنا مجالات البحث في توصيف مظاهر وأبعاد هذا الإشكال بمحاولة التفكير فيه بعدة فكرية وتاريخية منهجية تحليلية وإحصائية مقارنة تسلم مقدماتها النظرية والمتمثلة في إحداث قطاعين أحدهما (قطاع عمومي لغير القادرين على الأداء والآخر خاص بطبقة الميسورين أو المكفولين بأحد أنظمة التأمين عن المرض). ولم يكن هذا الاختلال البنيوي الذي اجترته المنظومة الصحية المغربية في تاريخها الحديث لينأى بها عن الوقوع في العديد من الإشكالات نتيجة لعدم قدرتها على توحيد أنماط اختياراتها بين التمويل العمومي والتأمين الاجتماعي وتعتبر معضلة التمويل أهم إشكالاتها. ففي هذا المستوى من التوصيف عملنا على إبراز معالم استمرار هذه الأزمة في صورتها الجديدة مع ثمانينيات القرن الماضي بفعل ظهور الليبرالية الجديدة والمفهوم الجديد للدولة، وبحكم اعتماد سياسة التقويم الهيكلي التي أقرتها المؤسسات المالية والدولية في هذا الاتجاه. وإذا كنا نعتبر أن الملابسات السياسية والمالية الدولية التي تحكمت في هذا التوجيه قد حولت الأزمة إلى واقع فعلي في مجموع المنظومات الصحية عبر العالم، فإن النصوص التي بلورتها التقارير الدولية الوطنية في هذا السياق أجمعت عل ضرورة التجاوز، فكان القانون 65.00، كما اعتمد المغرب سياسة عقلنة منظومته الصحية، ونحن من خلال متابعتنا وقراءتنا لمجموع الحصيلة السياسية والقانونية والمالية والاجتماعية الموصولة بمدونة التغطية الصحية المغربية وقفنا على جملة من الاختلالات، بعضها نتيجة لإكراهات الفاعلين، وبعضها الآخر مرتبط بعوائق وأعطاب الحكامة، لنكتشف أن نظام التأمين الإجباري عن المرض عجز عن الالتزام بتعهداته وأهدافه المعلنة، أما نظام المساعدة الطبية فلا يزال متعثرا بحكم هزال سلة العلاجات المتوفرة، وتبقى الآفاق رهينة بالتعقيد النظري للمنظومة الصحية العادلة والقائمة على تضامن فاعل يعتبر الصحة شأنا اجتماعيا يتموقع داخل السياسات العمومية الواجب اعتمادها.
المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية 112- 2016 “تحت عنوان الحق في الصحة: الواقع والآفاق دراسة مقارنة”