بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الأستاذة حسناء محمد داود أيقونة مدينة تطوان الثقافية علامة بارزة من علامات الساحة الثقافية بمدينة تطوان، استطاعت بمجهودها الفردي الجبار أن تطور الفعل الثقافي والدفع به إلى مقدمة المشهد العلمي بالمدينة بخطى ثابتة وحثيثة ومحسوبة بدقة متناهية، اتصفت الأستاذة حسناء بأنها مدرسة في الأخلاق وحسن التربية قل أن يجود بهما الزمان من مثيلاتها نساء تطوان ، كما تتميز ببساطة في العيش واقتصاد في الكلام إلا ما قل ودل منه. مربية أجيال من الطلبة والتلاميذ و المثقفين بحكم وظيفتها التي مارستها لأعوام غير قليلة في رحاب سلك التعليم، قبل أن تغادره عن طواعية وعن طيب خاطر لتركز كامل عنايتها واهتمامها لاستكمال وتتميم التراث الضخم والمشروع الأمثل الذي خلفه والدها أستاذ الأجيال المرحوم محمد داود، والمتمثل في إخراج العديد من المصنفات التي لم يمهله الزمان على إعادة النظر في محتوياتها ومضامينها قبل طبعها ونشرها. حيث اضطلعت الأستاذة حسناء بهذه المهمة الصعبة و أنفقت بشأنها أياما عديدة و ليالي طوال إلى أن تمكنت من تحقيقها تحقيقا علميا وبأدوات منهجية موضوعية رزينة وتم نشرها في أبهى حلة وأجمل منظر نذكر من ضمنها: - زيارة المولى الحسن الأول لتطوان ( فصلة مستخرجة من كتاب تاريخ تطوان ) - على رأس الأربعين( عبارة عن مذكرات المرحوم محمد داود ) -على رأس الثمانين ( تتمة للمذكرات السابقة ) - استكمال الخمسة أجزاء الأخيرة من موسوعة تاريخ تطوان التي أغنتها بإضافات هامة زادتها قيمة وأثرتها بشروح وافية وهوامش مدققة افترضها السياق . وبذلك قدمت حسناء داود موسوعة متميزة لم تقتصر فقط على مدينة تطوان وتاريخها ، كما يفهم من العنوان ، وإنما همت كذلك جوانب متعددة من تاريخ المغرب في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، ومستهل القرن العشرين. فلولا دقة التحقيق والبحث والتمحيص في الأوراق والملفات والوثائق والمخطوطات التي خلفها المؤلف والعلامة الألمعي والدها والتي تحتفظ بها الخزانة الداودية في تطوان ، لما رأى هذا الانجاز التاريخي النور .– مراسلات الأستاذ محمد داود مع المرحوم علال الفاسي. - الرحلة الشرقية. هذا الكتاب لم يكن مخطط له من قبل على هيئته الحالية، وإنما كان عبارة على شكل مشاهدات ومذكرات كتبها محمد داود أثناء رحلته الشرقية عام 1935 ، وظلت قابعة في أدراج مكاتب الخزانة إلى أن جمعتها وبوبتها ونظمتها وحققتها الأستاذة حسناء. – مراسلات قادة الحركة الوطنية والثقافية مع المرحوم محمد داود .وهو يربو على 500 ص من القطع المتوسط، وهو آخر إصدارات المؤسسة وهو عبارة كما تقول المحققة " عن نصوص مراسلات صدرت عن شخصيات بارزة، كان لها وزن وحضور وقيمة في ميدان الوطنية والسياسة والأدب والاجتماع والثقافة... شخصيات جمعت بينها وبين الأستاذ محمد داود علاقة ود وصداقة وأخوة وعمل وتفاهم وتقارب، فتحابوا في الله، وتعاملوا بما يرضي الله، وعاشوا من أجل تحقيق آمالهم وآمال وطنهم، ثم ماتوا وهم راضون عما قدموه، مرتاحون لما أدركوه...يبلغ مجموع هذه الرسائل 541 رسالة..." – إضافة إلى العديد من المقالات والأبحاث التي تهم الحركة الوطنية وخاصة في منطقة الشمال المغربي. أما وجه العملة الثاني للأستاذة حسناء داود، والذي لا يعلمه إلا النادر من ساكنة تطوان، فيتمثل في أن المعنية بالأمر تقرض الشعر في قوالب شعرية يعز على المتخصصين الحاليين في مجال القول الشعري الإتيان بمثلها، فهي بهذا تعد شاعرة مفلقة تختار مواضيعها بدقة متناهية ،مضمنة إياها شعرية مفرطة في الإحساس تستحق أن تلقب من أجلها بخنساء تطوان. بعد أن ضاقت الخزانة الداودية - وهي في وضعها القديم- بالمترددين عليها من أصناف الباحثين والطلبة وسائر المهتمين بتراث محمد داود العلمي سواء من داخل المغرب أو خارجه. قامت المنوه بها ببذل مجهودات إضافية من أجل تحويل مقر المكتبة من مكانها القديم إلى مقرها الجديد أرحب وأوسع مما كان عليه الأمر من قبل، إضافة إلى قيامها بتأسيس مؤسسة محمد داود للتاريخ والثقافة التي ترأستها عن جدارة واستحقاق. والأستاذة تمتاز بديناميكية ثقافية فريدة ، فهي عضو فاعل وأساسي في المجلس العلمي للمدينة ، وعنصر نشيط داخل جمعية تطاون أسمير سواء قبل استقالتها من المكتب الإداري أو بعده، إضافة إلى كونها محافظة للمكتبة أو الخزانة الداودية، ورئيسة مؤسسة محمد داود كما سلف. رغم ما كان للأستاذة حسناء داود من أيادي بيضاء على مثقفي مدينة تطوان، ومن إعادة تأثيث المشهد الثقافي في بعده المحلي والوطني، بفضل ما أخرجته وقدمته من كنوز وعيون مخطوطات وكتب ووثائق المكتبة الداودية العامرة وجعلها في متناول الباحثين، كل هذا لم يشفع لها لتنال حقها الذي أغمط سواء من طرف النخبة المثقفة أو على مستوى المؤسسات الثقافية ببلادنا وعلى رأسها وزارة الثقافة، حيث كان من المفروض على هذه الأخيرة تبويئ المعنية بالأمر الدرجة الرفيعة والوقوف بجانبها معنويا وماديا حتى تؤدي رسالتها التي جعلتها نصب أعينها على الوجه المطلوب.