في الواقع، تعد هذه الوثائق المخزنية السلطانية وغيرها التي كتبت في وقت لاحق، وهي غنية بالمعلومات التاريخية عن هجرة الجزائريين إلى تطوان، مصدرا أساسيا للتاريخ الإجتماعي لمدينة تطوان في منتصف القرن الثالث عشر الهجري موافق العقد الثالث من القرن التاسع عشر الميلادي، خاصة في الجانب المتعلق بالهجرة المذكورة. فهي أي الرسائل تعتبر مصدرا فريدا لا يعادله مصدر آخر بالرغم من شدة الاختصار والإيجاز الذي نجده في بعض الرسائل، لكنه على العموم إيجاز مقبول، بحكم قواعد المراسلة الإدارية المخزنية التي من مميزاتها الاختصار في القول، تبعا للمأثورة "خير الكلام ما قل ودل" وهذا حال الرسائل التي بين أيدينا. نقول: ما أتت به هذه الرسائل، يعد فريدا من بابه، فلم نجد هذه المعلومات وأمثالها ما يعادلها قيمة وأهمية، في المصادر العديدة التي أرخت للجزائر والمغرب، كالمرآة لحمدان بن عثمان خوجة الجزائري، وطرسُ الأخبار بما جرى آخر الأربعين من القرن الثالث عشر لأبي حامد العربي المشرفي، والجيش الخماسي لمحمد أكنسوس، والابتسام عن دولة بن هشام المنسوب لادريس الجعايدي، والاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى لاحمد بن خالد الناصري. وغيرها. ولم تُستثن من هذه القاعدة الكتابات الاستعمارية الفرنسية التي اهتمت بموضوع المهاجرين الجزائريين إلى المغرب والتي اهتمت على الخصوص بالجزائريين المهاجرين إلى فاس ونواحيها ووجدة والقصر الكبير. وكل هذا ، يثبت الأطروحة التي تدافع عن أهمية الوثائق المخزنية في تأريخ تطوان الاجتماعي، فيما يتعلق بالجزائريين في تطوان من جهة، وقيمتها التأريخية للمغرب والجزائر من جهة اخرى. ولتبيان هذه الأطروحة ندرج امثلة عن ذلك، من خلال استعراض أهم المصادر والمراجع المغربية والجزائرية والفرنسية والاستعمارية. المصادر الجزائرية الأصل: فهذا أبو حامد محمد العربي المشرفي (ت 1313ه/ 1895م) الجزائري الأصل، والمهاجر على مدينة فاس حوالي 1843م، ألف عدة كتب من أغلبها مازال مخطوطا، تناول في بعضها موضوع احتلال الجزائر ومعاناته النفسية والاجتماعية والمادية القاسية، وسبب هجرته إلى فاس، ومقاومة الأمير عبد القادر. وتكلم عن بعض الأفراد المهاجرين إلى مدينة فاس، إلا انه لم يتكلم عن هجرتهم على تطوان ولو على سبيل الاختصار والذكر. وكذلك الشان بالنسبة لحمدان بن عثمان خوجة الجزائري ( 1189. 1255ه / 1775. 1840م) الذي ألف كتابه "المرآة" في مهجره بباريس سنة 1249(ه1833م) ضمنه عصارة أفكاره التحريرية وأخبار معاناته ومعاناة الشعب الجزائري في ظل الاحتلال الفرنسي، وكان شاهدا على كل ما حكاه في كتابه، من نفي وتهجير الجزائريين والأتراك. وشاهدا على الهجرة الجزائرية على المغرب، ولكنه يضمن كتابه معلومات عن الهجرة الجزائرية إلى تطوان. وكل ما قاله في هذا الموضوع هو: " وقد تاكد لي بواسطة الجزائريين القاطنين بمدينة تطوان وببعض المدن الاخرى للمملكة المغرب، انهم قد اجبروا على مغادرة الوطن بسبب المشاق التي أصبحوا يقاسونها من طرف الفرنسيين، وبسبب الظلم الذي تسلطوه عليهم". يتبع بريس تطوان، بنقلا عن كتاب: الجزائريون في تطوان خلال القرن 13 ه/19م. مساهمة في التاريخ الاجتماعي للمغرب الكبير