"TGV" القنيطرة – مراكش سيربط 59 % من الساكنة الوطنية وسيخلق آلاف مناصب الشغل    الملك يقيم مأدبة عشاء على شرف المدعوين والمشاركين في الدورة ال 17 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب    كاتبة الدولة الدريوش تؤكد من أبيدجان إلتزام المملكة المغربية الراسخ بدعم التعاون الإفريقي في مجال الصيد البحري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    الجزائر.. منظمة العفو الدولية تدين "تصعيد القمع" واعتقالات "تعسفية" وملاحقات "جائرة"    رفضا للإبادة في غزة.. إسبانيا تلغي صفقة تسلح مع شركة إسرائيلية    جرادة.. ضابط شرطة يطلق النار لتتوقيف ممبحوث عنه واجه الأمن بالكلاب الشرسة    إنزكان… توقيف شخص للاشتباه في تورطه في قضية تتعلق بالضرب والجرح باستعمال أداة راضة    الزلزولي يعود للتهديف ويقود بيتيس نحو دوري الأبطال    قبل 3 جولات من النهاية.. صراع محتدم بين عدة فرق لضمان البقاء وتجنب خوض مباراتي السد    عادل السايح: التأهل إلى نصف نهائي كأس أمم إفريقيا للفوتسال سيدات ليس وليد الصدفة    الصين تنفي وجود مفاوضات تجارية مع واشنطن: لا مشاورات ولا اتفاق في الأفق    انهيار.. ثلاثة عناصر من "البوليساريو" يفرّون ويسلمون أنفسهم للقوات المسلحة الملكية    هذه توقعات الأرصاد الجوية اليوم الجمعة    حين يصنع النظام الجزائري أزماته: من "هاشتاغ" عابر إلى تصفية حسابات داخلية باسم السيادة    رواد سفينة الفضاء "شنتشو-20" يدخلون محطة الفضاء الصينية    المديرة العامة لصندوق النقد الدولي: المغرب نموذج للثقة الدولية والاستقرار الاقتصادي    من قبة البرلمان الجزائر: نائب برلماني يدعو إلى إعدام المخنثين    الدليل العملي لتجويد الأبحاث الجنائية يشكل خارطة طريق عملية لفائدة قضاة النيابة العامة وضباط الشرطة القضائية    الشيخ بنكيران إلى ولاية رابعة على رأس "زاوية المصباح"    "الإيسيسكو" تقدم الدبلوماسية الحضارية كمفهوم جديد في معرض الكتاب    الوقاية المدنية تنظم دورة تكوينية في التواصل للمرشحين من السباحين المنقذين الموسميين بشواطئ إقليم العرائش    أكاديمية المملكة المغربية تسلّم شارات أربعة أعضاء جدد دوليّين    "بوكر" تتوّج رواية "صلاة القلق"    القرض الفلاحي يعزز التزامه برقمنة وتحديث المنظومة الفلاحية من خلال شراكات استراتيجية جديدة    الرباط …توقيع ديوان مدن الأحلام للشاعر بوشعيب خلدون بالمعرض الدولي النشر والكتاب    الخط فائق السرعة القنيطرة-مراكش سيجعل المغرب ضمن البلدان التي تتوفر على أطول الشبكات فائقة السرعة (الخليع)    "اللبؤات" يبلغن نصف نهائي "الكان"    الحكومة تعتزم رفع الحد الأدنى للأجور الى 4500 درهم    بعثة المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة تصل إلى القاهرة للمشاركة في كأس إفريقيا    إحباط محاولة لتهرييب المفرقعات والشهب النارية ميناء طنجة المتوسط    مهرجان "السينما والمدرسة" يعود إلى طنجة في دورته الثانية لتعزيز الإبداع والنقد لدى الشباب    امطار رعدية مرتقبة بمنطقة الريف والواجهة المتوسطية    وزير الزراعة الفلسطيني يشيد بالدعم المتواصل لوكالة بيت مال القدس الشريف للمزارعين المقدسيين    الأخضر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    97.6 % من الأسر المغربية تصرح إن أسعار المواد الغذائية عرفت ارتفاعا!    هل يُطْوى ملفّ النزاع حول الصحراء في‮ ‬ذكراه الخمسين؟    السجن لشرطيين اتهما ب"تعذيب وقتل" شاب في مخفر الأمن    رفع قيمة تعويض الأخطار المهنية للممرضين والإداريين والتقنيين.. وإقراره لأول مرة للأساتذة الباحثين بالصحة    واتساب تطلق ميزة الخصوصية المتقدمة للدردشة    الوداد ينفصل عن موكوينا ويفسح المجال لبنهاشم حتى نهاية الموسم    جماعة بوزنيقة تؤجل جلسة كريمين    نبيل باها: الأطر المغربية تثبت الكفاءة    قادة وملوك في وداع البابا فرنسيس    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    روبي تحيي أولى حفلاتها في المغرب ضمن مهرجان موازين 2025    الصين تنفي التفاوض مع إدارة ترامب    الدورة الخامسة للمهرجان الدولي للفيديوهات التوعوية: منصة للإبداع المجتمعي تحت شعار "مواطنة مستدامة لعالم يتنامى"    وعي بالقضية يتجدد.. إقبال على الكتاب الفلسطيني بمعرض الرباط الدولي    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    الحل في الفاكهة الصفراء.. دراسة توصي بالموز لمواجهة ارتفاع الضغط    أمريكا تتجه لحظر شامل للملونات الغذائية الاصطناعية بحلول 2026    المغرب يعزز منظومته الصحية للحفاظ على معدلات تغطية تلقيحية عالية    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الألخميادو Aljamiado
نشر في بريس تطوان يوم 06 - 08 - 2015


لغة الموريسكيين السرية
بنفي الموريسكيين، اختفى الأدب المعطر من إسبانيا
تخلو الرواية العربية، مع إفاضتها في تاريخ الأندلس، وجمال حواضرها، وفضائل شعبها، وسير ملوكها وخلفائها، وفي آدابها ورقيق أشعارها وموشحاتها – تخلو من الكلام عن تاريخ الأمة الأندلسية المغلوبة، وتكتفي بالإشارة العابرة إلى ما وقع من تنصيرها المغصوب، ثم إخراجها آخر الأمر من إسبانيا في سنة (1018ه). ونزول البقية الباقية من أبنائها المنفيين في مختلف الثغور المغربية.
وتصادف هذه السنة (1018ه) ما جاء في كتاب "تاريخ تطوان" الطبعة الثانية 1379-1959 القسم الثاني من المجلد الأول للفقيه العلامة المرحوم محمد داود التطواني ص 179و181، ونقلا عنه قمنا بنشره في الجريدة الإلكترونية بريس تطوان (مقالات في كلمات عدد:74) ركن أضف إلى معلوماتك، هذا نصه:
* استيلاء الشيخ السعدي على تطوان:
ذكر صاحب تاريخ الدولة السعدية (ص 94) أن الشيخ السعدي ارتحل من جبال الريف وسار إلى أن نزل على مدينة تطاون واتصل بأهل الفحص وأعطاهم أموالا كثيرة فأطاعوه وخدموه.
*من أعمال الشيخ السعدي في تطوان ونواحيها:
وجاء في كتاب تاريخ الدولة السعدية أيضا (ص95) ما ملخصه أن من أعمال الشيخ في هذه الناحية، قتله لمراد برتقيش، وهو رجل تركي من سكان تطوان، وكانت له فركاطة يغير بها على سواحل الإفرنج ويتعرض لمراكبهم فيأخذ ما فيها ويعود إلى تطوان بالغنائم أربع مرات أو خمسا في كل شهر، وقد تضايق من أعماله سكان سبتة وجبل طارق فرفعوا أمره إلى الشيخ فأوعز بقتله فقتل ليلا وأخفيت جثته، وقد أرسل الافرنج للشيخ هدية نفيسة جزاء له على إراحتهم من حارس البحر (مراد برتقيش).
ومن أعمال الشيخ بهذه الناحية أنه أعلن بين الناس أنه عقد مع الافرنج هدنة لمدة أربعين سنة، وأمر الناس بالكف عن الجهاد، فامتثل بعض المقدمين أمره ومنهم بعض أولاد بو الليف وأولاد حسينو، فوزع عليهم أراضي للحراثة، ثم صار يغري بعض المقدمين بالبعض الآخر فكثر الهرج بينهم، واحتدم القتال، ومات بسبب ذلك من المجاهدين والمقدمين رجال وأبطال.
ومن أعمال الشيخ أيضا. أن بعض الأسارى المسلمين كانوا تحت يد برتغال طنجة، فوجدوا فرصة هربوا فيها فما كان من الشيخ إلا أن قبضهم وردهم مع وصفانه إلى يد البرتغاليين.
*إخراج بقية المسلمين من الأندلس عام 1018ه، وكان عددهم نحو المليون (1.000.000 نسمة):
وجاء في كتاب تاريخ الدولة السعدية أيضا (ص96) أن بعض المسلمين الذين تخلف آباؤهم وأجدادهم بالأندلس بعد استيلاء الافرنج عليها، كتبوا من إسبانيا إلى الشيخ وأبلغوه أنهم أقوياء، وأن جلهم في الجيش، وأن عددهم نحو ثمانية آلاف رجل، وعرضوا أنفسهم عليه للقيام بالثورة ضد الافرنج وإرجاع الحكم الإسلامي إلى الأندلس، (وكانت الفرصة مساعدة على ذلك لو كان هناك استعداد من ملك المغرب، لأن ملك إسبانيا في ذلك العهد وهو فيليب الثالث كان منهمكا في ملاذه، وكانت دولته منهوكة القوى بسبب الحروب التي توالت عليها، فما كان من الشيخ إلا أن فضح أسرار مسلمي الأندلس، وأبلغ أخبارهم إلى ملك الافرنج وأشار عليه بإجلائهم، ففرض الافرنج على أولئك المسلمين أموالا طائلة لا قبل لهم بها وعذبوهم وشردوهم ثم أجلوهم فتوزعوا في أراضي المشرق والمغرب، وكان ذلك عام (1018ه/1610م). (انتهى)
الشيخ السعدي: (هو الشيخ المأمون السعدي). تقول جل المصادر المغربية أن السلطان السابق الشيخ المأمون السعدي، سلم مدينة العرائش إلى الإسبانيين مقابل إعانة الملك فيليبي الثاني له لاسترجاع العرش.
ونود هنا أن نتحدث عن إحدى المسائل، التي ارتبطت بالمرحلة الأخيرة من حياة الأمة الأندلسية في تلك الفترة، وهي مسألة الحالة الفكرية، التي كانت تصطدم في نطاقها الضيق، وعن اللغة التي اضطر الموريسكيون أو العرب المتنصرون إلى ابتكارها للتعبير عن أفكارهم، ومشاعرهم، والمحافظة على البقية الباقية من تراثهم الديني المكبوت في صدورهم.
ذلك أن العرب المتنصرين، بالرغم من كل ما اتخذته إسبانيا النصرانية من وسائل القهر والإرغام في تنصيرهم، بقوا مسلمين في سرائرهم يذهبون إلى الكنائس مرغمين، متوجسين مما ينالهم من سوء العذاب، على يد محاكم التحقيق إذا لم يحضروا القداس، أو إذا علقت بهم أية شبهة في صدق اعتناقهم للدين المسيحي. وكانت هذه الشبه كثيرة لا حصر لها. وكانوا يشعرون دائما بالحرج من الدين الجديد. فإذا ذهبوا إلى القداس أيام الاحاد، فذلك فقط من باب مراعاة العرف والنظام. وفي يوم الجمعة يحتجبون ويغتسلون، ويقيمون الصلاة في منازلهم المغلقة، وفي أيام الاحاد يحتجبون ويعملون وكانت محاكم التحقيق (وهي المسماة خطأ بمحاكم التفتيش) قد وضعت قائمة طويلة بهذه الشبه، ومنها: أن الموريسكي أو العربي المتنصر، يعتبر أنه قد عاد إلى الإسلام، إذا امتدح محمد، أو قال أن يسوع المسيح ليس إلها. ومنها أن يحتفل يوم الجمعة بأن يلبس ثيابا أنظف من ثيابه العادية، أو يستقبل المشرق قائلا "باسم الله" أو يختن أولاده، أو يسميهم بأسماء عربية، أو يقسم بإيمان القرآن، أو يصوم رمضان ويتصدق خلاله، أو يمتنع عن أكل لحم الخنزير وشرب الخمر أو يقوم بالوضوء والصلاة بأن يوجه وجهه نحو المشرق، إلى غير ذلك من الأمور التي لا نهاية لها.
وقد ترك الموريسكيون عصرا يتحدثون بلغتهم العربية، ويتعاملون بها، ويكتبون بها سرا القرآن والحديث، والأدعية والصلوات، وبعض الكتب الأدبية. وقد فطنت الحكومة الإسبانية والكنيسة الإسبانية أخيرا إلى أهمية اللغة القومية في تدعيم وحدة الموريسكيين، وضم شملهم، وتقوية روحهم المعنوية، فصدر في سنة 1526م في عهد الإمبراطور شارلكان، قانون يحرم على الموريسكيين التخاطب باللغة العربية، وارتداء الثياب العربية، واستعمال الحمامات وإقامة الحفلات على الطريقة الإسلامية. ولكنه طبق يومئذ في كثير من الرفق والهوادة ولاسيما في المناطق التي يكثر فيها احتشاد الموريسكيين، مثل منطقة غرناطة، ومنطقة بلنسية.
ولما توفي الإمبراطور شارلكان في سنة 1558م، وخلفه ولده الملك فيليب الثاني أخذت هذه الأوضاع في التغيير وكان فيليب الثاني ملكا شديد التعصب والتزمت ففي سنة 1566م، حدد هذا القانون القديم بتحريم استعمال اللغة العربية وسائر ما هو عربي من العادات والتقاليد، وإليك ملخص هذا القانون الهمجي:
"يمنح الموريسكيون ثلاثة أعوام لتعلم اللغة القشتالية، ثم لا يسمح بعد ذلك لأحد منهم أن يتكلم أو يكتب أو يقرأ اللغة العربية أو يتخاطب بها. وكل معاملات أو عقود تجري بالعربية تكون باطلة. ولا يعتد بها لدى القضاء أو غيره. ويجب أن تسلم الكتب العربية، من أية مادة، لتقرأ وتفحص، ثم يرد غير الممنوع منها لتبقى لدى أصحابها مدى الأعوام الثلاثة فقط. وكذلك الثياب العربية، فلا يصنع منها أي جديد، ولا يصنع إلا ما كان مطابقا لأزياء النصارى. ويحظر على النساء الموريسكيات التحجب، وعليهن أن يكشفن وجوههن وأن يرتدين المعاطف والقبعات عند الخروج. ويجب أن تجرى سائر حفلاتهم طبقا لتقاليد الكنيسة وعرف النصارى. ويجب أن تفتح المنازل أثناء الاحتفال بأية مناسبة، وكذلك أيام الجمع والأعياد ليستطيع القس ورجال السلطة أن يروا ما يقع بداخلها من المظاهر والرسوم المحرمة. ويحرم إنشاد الأغاني القومية، ويحرم الخضاب بالحناء، ولا يسمح بالاستحمام في الحمامات ويجب أن تهدم سائر الحمامات العامة والخاصة".
أعلن هذا القانون في غرناطة في أول يناير سنة 1567م، وعلق في ميدان باب البنود، أعظم ميادينها القديمة، وفي سائر ميادينها الأخرى، فوقع لدى الموريسكيين وقع الصاعقة، واجتمع زعماء الموريسكيين، وتباحثوا فيما يجب عمله إزاء هذه المحنة الجديدة، وحاولوا أن يسعوا بالضراعة والحسنى لإلغاء هذا القانون أو على الأقل لتخفيف وطأته، ورفعوا ظلامتهم أولا إلى الرئيس ديسا، رئيس المجلس الملكي، ثم رفعوها إلى العرش على يد وفد من أعيانهم. وساعدهم في مسعاهم بعض أعيان غرناطة من الإسبان أنفسهم، ممن يعطفون عليهم. ولكن مساعيهم كلها ذهبت هباء، وأكد لهم الكردينال اسبينوزا كبير الوزراء، بأن الملك مصمم على تنفيذ القانون، وأنه أصبح أمرا واقعا ومحتوما لا سبيل إلى رده. فعندئذ بلغ اليأس بالموريسكيين ذروته، ولجأوا إلى الثورة، وبدأت الثورة في منطقة "البشرات" في مناطقها الجبلية الوعرة، وامتدت إلى سائر أنحاء مملكة غرناطة القديمة. واشتد النضال بين الموريسكيين، وبين قوات الجيش الإسباني في أنحاء مختلفة، ووقعت في الجانبين مذابح مروعة، وجردت إسبانيا على مواقع الثوار، قوى ضخمة، تولى قيادتها دون خوان الشهير أخو الملك، وانتهى الأمر بإخماد الثورة في سيل من الدماء، واستكان الموريسكيون في غمار من الذل واليأس، ينتظرون ما تخبئه لهم الأيام من محن ومصائب جديدة.
بيد أنهم فكروا في الوقت نفسه، انه لابد أن تكون لديهم كتب الأدعية والصلوات الإسلامية، وكتب القرآن والتفسير والأحاديث النبوية. فكيف يعملون، وقد أخذت منهم معظم كتبهم الدينية، وحرمت عليهم الكتابة بلغتهم العربية العزيزة. فعندئذ وجد الموريسكيون في اللغة القشتالية ذاتها متنفسا لتفكيرهم وأدبهم القديم، ولأدعيتهم وصلواتهم، وكتبهم الدينية. وأسفر ذلك بعد فترة من الوقت عن ابتكارهم للغة جديدة اشتقت أصلا من القشتالية، لغتهم المفروضة، واختلطت بها ألفاظ عربية، وأعجمية مختلفة من اللهجات القديمة والمعاصرة، ولاسيما اللغة الرومانية. وكانت اللغة الرومانية لغة المستعمرين أيام الدولة الإسلامية، وكانت معروفة ذائعة في قرطبة وغيرها من الحواضر الأندلسية، التي تقيم بها طوائف كبيرة من النصارى المستعربين Mozárabes ويعرفها بعض العلماء المسلمين، وكان المسلمون الأندلسيون يستعملون أحيانا بعض عبارات هذه اللغة الرومانية، ويسمونها في كتبهم "باللاتينية" وقد تسرب منها بمضي الزمن كثير من الألفاظ في الزجل الأندلسي، ولاسيما أزجال ابن قزمان، وفي مملكة غرناطة كانت اللغة العربية الشعبية يتسرب إليها كثير من الألفاظ فيما بعد إلى لغة الموريسكيين السرية التي لجأوا إلى ابتكارها حينما حرمت عليهم لغتهم الأصلية، واحتفظوا لها بالأحرف العربية إمعانا في إخفاء سرها عن أعدائهم.
وتعرف هذه اللغة التي اتخذها الموريسكيون بالأخص متنفسا لدينهم القديم "بالألخميادو"، Aljamiado وهو تحريف إسباني لكلمة "الأعجمية". وقد لبثت بعد نفي الموريسكيين في إسبانيا في سنة 1609م، سرا دفينا لا يعرفه أحد، حتى ظفر بعض العلماء الإسبان بمجموعة من مخطوطاتها في أوائل القرن 19. وعندئذ ظهرت عنها المعلومات الأولى. ويقول العلامة مننديت اي بلايو، في تعريفها "بأنها هي اللغة الرومانية القشتالية Romana Castelan، تكتب بأحرف عربية". وكان من أول الدارسين لها العلامة المستشرق الإسباني ساندرا، وله في دراستها عدة بحوث.
وهكذا كتب الموريسكيون القرآن سرا باللغة العربية، مقرونا بشروح وتراجم الخميادية، وكتبوا سيرة الرسول والمدائح النبوية، وقصص الأنبياء، وبعض كتب الفقه والحديث بالألخميادو – وهي رسم لغتهم العزيزة القديمة، مع كتابة البسملة والآيات القرآنية دائما خلال هذه الشروح السرية، باللغة العربية، وقد كانت معظم الكتب الألخميادية، تكتب دائما بالشكل الكامل، حتى يمكن قراءتها بطريقة صحيحة.
وقد ترك الموريسكيون تراثا أدبيا من النشر والنظم استعملوا في كتابته "الألخميادو" وتوجد عنه مجموعات كثيرة في مكتبة مدريد الوطنية، ومكتبة أكاديمية التاريخ. وكان من أشهر شعرائهم محمد ريدان، الذي كان حيا في أوائل القرن السابع عشر، وأصله من روطة خالون، من إقليم أراجون، وله نظم كثير، وقصائد قصصية، وأخرى دينية، ومن شعرائهم أيضا إبراهيم دي بلغاد، وخوان ألفونسو، ومحمد الخرطوشي من أهل بيانة. ومنهم أخيرا شاعر موريسكي مجهول، عاش في تونس في اوائل القرن السابع عشر، بعد النفي بقليل، واشتهر بنقله لمسرحيات لوبي دي فيجا، شاعر إسبانيا الأكبر.
ومن أشهر كتاب الألخميادو، الكاتب الفقيه المسمى "فتى ابيرالو" El Mancebo de Averalo وهو مؤلف لكتب في التفسير، وتلخيص السنة، وقد طاف بمعظم أنحاء إسبانيا، وشهد مصائب قومه، ووصفها بأسلوب قوي مؤثر.
ومن أشهر كتب الموريسكيين الألخميادية، كتب الأدعية والمدائح النبوية، والواقع أن كتابة المدائح النبوية باللغة القشتالية، ترجع إلى عصر مبكر، فقد كتبها "المدجنون" بهذه اللغة منذ القرن الثالث عشر، وانتشرت بعد ذلك بين طوائف المدجنين في مختلف مدن قشتالة وأراجون، ثم كتبها الموريسكيون بالألخميادو أو القشتالية العربية.
ويرى النقاد أن نثر كتاب الألخميادو أفضل من نظمهم، وأنه نثر مطبوع، خال من التكلف. والأدب الموريسكي لا يتجه إلى مراعاة الرونق والتنسيق، ولكنه يرمي قبل كل شيء إلى تصوير التاريخ والتقاليد القومية في إطار ديني. وبالرغم مما يغلب عليه من الضعف والركاكة بصفة عامة، فإنه يصل أحيانا إلى مرتبة الطلاوة بل يصل أحيانا إلى مرتبة البلاغة. وهو وإن لم تكن له ثروة من الجمال، أو قيمة أدبية ذات شأن، فإن له قيمة تاريخية واجتماعية هامة، في الكشف عن التقاليد والعادات. كما يرى النقاد أنه قد ترك أثره في اللغة الإسبانية، وفي الشعر الإسباني، وفي الأفكار الدينية وغيرها.
وقد نوه غير واحد من الكتاب الإسبان، بما كان عليه الأدب الموريسكي، بالرغم من ضعفه، وضآلة شأنه، من شاعرية، وشعور بالجمال، وخيال ممتع، وذوق سليم، ويعلق العلامة الإسباني، دون برونات في كتابه الموريسكيون الإسبان ونفيهم على اختفاء الموريسكيين، واختفاء أدبهم بعبارات شعرية يقول فيها:
"إن السياسة الإسبانية لم تكتف بنفي الموريسكيين، وما ترتب عليه من نضوب حقولنا ومصانعنا وخزائننا، ولم يقتصر الأمر على انتصار التعصب وبربرية "ديوان التحقيق" بل تعداه إلى اختفاء الشعر، وشعور الجمال الموريسكي، والأدب السليم، الذي رفع سمعة تاريخنا".
ثم يقول:"إنه اختفى بنفي الموريسكيين" الأدب المعطر، والشاعرية الشعبية، والخيال الممتع، ومصدر الوحي، الذي كانوا يمثلونه. وقد غاض باختفائهم من شعرنا هذا التلوين والفن والحيوية والإلهام والحماسة، التي كانت من خواصهم، وحل محلها الظلام في الأفق الأدبي خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر".
هذا، وكم في قصة الموريسكيين او العرب المتنصرين من آلام ومآس مبكية، تنبض بها صحف التواريخ القشتالية وتفيض بها وثائق محاكم التحقيق المكدسة في دار المحفوظات الإسبانية العامة في سيمانقا (Simancas)، ولا تعرف مصادرنا العربية المعاصرة عنها شيئا، ولا تتناول منها إلا النزر اليسير، في إشارات عابرة. هذا إلى طائفة من المصادر الأوربية الحديثة، التي تتناول تاريخ "ديوان التحقيق" وإجراءاته وأحكامه المروعة، ففيها كثير من التفاصيل السابقة.
*=..=*=..=*
والله الموفق
2015-08-05
محمد الشودري
Mohamed CHAUDRI


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.