رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    تقدم في التحقيقات: اكتشاف المخرج الرئيسي لنفق التهريب بين المغرب وسبتة    "برلمانيو الأحرار" يترافعون عن الصحراء    فوز صعب ل"الماص" على المحمدية    المنتخب النسوي يفوز وديا على غانا    "ميزانية المواطن".. مبادرة تروم تقريب وتبسيط مالية جهة طنجة للساكنة    لجنة تتفقد المناخ المدرسي ببني ملال    "طلب رشوة" يورط عميد شرطة    حادث سير يصرع شابة في الناظور    "الفوبريل" يدعم حل نزاع الصحراء    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    السلطات المغربية تحدد موقع مدخل نفق لتهريب المخدرات بين سبتة المحتلة والفنيدق    نادي القضاة يصدر بلاغاً ناريا رداً على تصريحات وزير العدل بشأن استقلالية القضاء    المدير السابق للاستخبارات الفرنسية للأمن الخارج: المغرب كان دائما في طليعة مكافحة الإرهاب    طقس السبت .. امطار مرتقبة بمنطقة الريف والواجهة المتوسطية    ارتفاع المداخيل الضريبية بنسبة 24,6 في المائة عند متم يناير 2025    أزولاي: البصمة المغربية مرجع دولي لشرعية التنوع واحترام الآخر    اختتام القمة العربية المصغرة في الرياض بشأن غزة من دون إصدار بيان رسمي    صراع مغربي مشتعل على عرش هدافي الدوري الأوروبي    من العاصمة .. الإعلام ومسؤوليته في مواجهة الإرهاب    الملتقى الوطني الاتحادي للمثقفات والمثقفين تحت شعار: «الثقافة دعامة أساسية للارتقاء بالمشروع الديمقراطي التنموي»    قرعة دور ال16 لدوري الأبطال .. ريال مدريد في معركة مع "العدو" وباريس يصطدم بليفربول … والبارصا ضد بنفيكا    استقر في المرتبة 50 عالميا.. كيف يبني المغرب "قوة ناعمة" أكثر تأثيرا؟    محكمة بالدار البيضاء تتابع الرابور "حليوة" في حالة سراح    إيفاد أئمة ووعاظ لمواكبة الجالية المغربية بالمهجر في رمضان    الملك محمد السادس يحل بمطار سانية الرمل بتطوان استعدادًا لقضاء شهر رمضان في الشمال    الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء تحدد تعريفة استخدام الشبكات الكهربائية للتوزيع ذات الجهد المتوسط    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    مليلية المحتلة تستقبل أول شاحنة محملة بالأسماك المغربية    نتنياهو يزور طولكرم ويهدد بالتصعيد    المغرب يشارك في الدورة ال58 لمجلس حقوق الإنسان    الرجاء يعلن منع تنقل جماهيره إلى مدينة القنيطرة لحضور مباراة "الكلاسيكو"    المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس.. تكريم استثنائي لرائد إقليمي في الفلاحة الذكية والمستدامة    المندوبية السامية للتخطيط تسجل ارتفاعا في كلفة المعيشة في المغرب    المقاتلات الشبحية F-35.. نقلة نوعية في القوة العسكرية المغربية    حماس: جثة بيباس تحولت إلى أشلاء    روايات نجيب محفوظ.. تشريح شرائح اجتماعيّة من قاع المدينة    الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته    إطلاق تقرير"الرقمنة 2025″ في المنتدى السعودي للإعلام    إطلاق أول رحلة جوية بين المغرب وأوروبا باستخدام وقود مستدام    تراجع احتمالات اصطدام كويكب بالأرض في 2032 إلى النصف    فضاء: المسبار الصيني "تيانون-2" سيتم اطلاقه في النصف الأول من 2025 (هيئة)    كيف ستغير تقنية 5G تكنولوجيا المستقبل في عام 2025: آفاق رئيسية    حوار مع "شات جيبيتي" .. هل تكون قرطبة الأرجنتينية هي الأصل؟    أوشلا: الزعيم مطالب بالمكر الكروي لعبور عقبة بيراميدز -فيديو-    "حماس" تنتقد ازدواجية الصليب الأحمر في التعامل مع جثامين الأسرى الإسرائيليين    طه المنصوري رئيس العصبة الوطنية للكرة المتنوعة والإسباني غوميز يطلقان من مالقا أول نسخة لكأس أبطال المغرب وإسبانيا في الكرة الشاطئية    سفيان بوفال وقع على لقاء رائع ضد اياكس امستردام    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الألخميادو Aljamiado
نشر في بريس تطوان يوم 06 - 08 - 2015


لغة الموريسكيين السرية
بنفي الموريسكيين، اختفى الأدب المعطر من إسبانيا
تخلو الرواية العربية، مع إفاضتها في تاريخ الأندلس، وجمال حواضرها، وفضائل شعبها، وسير ملوكها وخلفائها، وفي آدابها ورقيق أشعارها وموشحاتها – تخلو من الكلام عن تاريخ الأمة الأندلسية المغلوبة، وتكتفي بالإشارة العابرة إلى ما وقع من تنصيرها المغصوب، ثم إخراجها آخر الأمر من إسبانيا في سنة (1018ه). ونزول البقية الباقية من أبنائها المنفيين في مختلف الثغور المغربية.
وتصادف هذه السنة (1018ه) ما جاء في كتاب "تاريخ تطوان" الطبعة الثانية 1379-1959 القسم الثاني من المجلد الأول للفقيه العلامة المرحوم محمد داود التطواني ص 179و181، ونقلا عنه قمنا بنشره في الجريدة الإلكترونية بريس تطوان (مقالات في كلمات عدد:74) ركن أضف إلى معلوماتك، هذا نصه:
* استيلاء الشيخ السعدي على تطوان:
ذكر صاحب تاريخ الدولة السعدية (ص 94) أن الشيخ السعدي ارتحل من جبال الريف وسار إلى أن نزل على مدينة تطاون واتصل بأهل الفحص وأعطاهم أموالا كثيرة فأطاعوه وخدموه.
*من أعمال الشيخ السعدي في تطوان ونواحيها:
وجاء في كتاب تاريخ الدولة السعدية أيضا (ص95) ما ملخصه أن من أعمال الشيخ في هذه الناحية، قتله لمراد برتقيش، وهو رجل تركي من سكان تطوان، وكانت له فركاطة يغير بها على سواحل الإفرنج ويتعرض لمراكبهم فيأخذ ما فيها ويعود إلى تطوان بالغنائم أربع مرات أو خمسا في كل شهر، وقد تضايق من أعماله سكان سبتة وجبل طارق فرفعوا أمره إلى الشيخ فأوعز بقتله فقتل ليلا وأخفيت جثته، وقد أرسل الافرنج للشيخ هدية نفيسة جزاء له على إراحتهم من حارس البحر (مراد برتقيش).
ومن أعمال الشيخ بهذه الناحية أنه أعلن بين الناس أنه عقد مع الافرنج هدنة لمدة أربعين سنة، وأمر الناس بالكف عن الجهاد، فامتثل بعض المقدمين أمره ومنهم بعض أولاد بو الليف وأولاد حسينو، فوزع عليهم أراضي للحراثة، ثم صار يغري بعض المقدمين بالبعض الآخر فكثر الهرج بينهم، واحتدم القتال، ومات بسبب ذلك من المجاهدين والمقدمين رجال وأبطال.
ومن أعمال الشيخ أيضا. أن بعض الأسارى المسلمين كانوا تحت يد برتغال طنجة، فوجدوا فرصة هربوا فيها فما كان من الشيخ إلا أن قبضهم وردهم مع وصفانه إلى يد البرتغاليين.
*إخراج بقية المسلمين من الأندلس عام 1018ه، وكان عددهم نحو المليون (1.000.000 نسمة):
وجاء في كتاب تاريخ الدولة السعدية أيضا (ص96) أن بعض المسلمين الذين تخلف آباؤهم وأجدادهم بالأندلس بعد استيلاء الافرنج عليها، كتبوا من إسبانيا إلى الشيخ وأبلغوه أنهم أقوياء، وأن جلهم في الجيش، وأن عددهم نحو ثمانية آلاف رجل، وعرضوا أنفسهم عليه للقيام بالثورة ضد الافرنج وإرجاع الحكم الإسلامي إلى الأندلس، (وكانت الفرصة مساعدة على ذلك لو كان هناك استعداد من ملك المغرب، لأن ملك إسبانيا في ذلك العهد وهو فيليب الثالث كان منهمكا في ملاذه، وكانت دولته منهوكة القوى بسبب الحروب التي توالت عليها، فما كان من الشيخ إلا أن فضح أسرار مسلمي الأندلس، وأبلغ أخبارهم إلى ملك الافرنج وأشار عليه بإجلائهم، ففرض الافرنج على أولئك المسلمين أموالا طائلة لا قبل لهم بها وعذبوهم وشردوهم ثم أجلوهم فتوزعوا في أراضي المشرق والمغرب، وكان ذلك عام (1018ه/1610م). (انتهى)
الشيخ السعدي: (هو الشيخ المأمون السعدي). تقول جل المصادر المغربية أن السلطان السابق الشيخ المأمون السعدي، سلم مدينة العرائش إلى الإسبانيين مقابل إعانة الملك فيليبي الثاني له لاسترجاع العرش.
ونود هنا أن نتحدث عن إحدى المسائل، التي ارتبطت بالمرحلة الأخيرة من حياة الأمة الأندلسية في تلك الفترة، وهي مسألة الحالة الفكرية، التي كانت تصطدم في نطاقها الضيق، وعن اللغة التي اضطر الموريسكيون أو العرب المتنصرون إلى ابتكارها للتعبير عن أفكارهم، ومشاعرهم، والمحافظة على البقية الباقية من تراثهم الديني المكبوت في صدورهم.
ذلك أن العرب المتنصرين، بالرغم من كل ما اتخذته إسبانيا النصرانية من وسائل القهر والإرغام في تنصيرهم، بقوا مسلمين في سرائرهم يذهبون إلى الكنائس مرغمين، متوجسين مما ينالهم من سوء العذاب، على يد محاكم التحقيق إذا لم يحضروا القداس، أو إذا علقت بهم أية شبهة في صدق اعتناقهم للدين المسيحي. وكانت هذه الشبه كثيرة لا حصر لها. وكانوا يشعرون دائما بالحرج من الدين الجديد. فإذا ذهبوا إلى القداس أيام الاحاد، فذلك فقط من باب مراعاة العرف والنظام. وفي يوم الجمعة يحتجبون ويغتسلون، ويقيمون الصلاة في منازلهم المغلقة، وفي أيام الاحاد يحتجبون ويعملون وكانت محاكم التحقيق (وهي المسماة خطأ بمحاكم التفتيش) قد وضعت قائمة طويلة بهذه الشبه، ومنها: أن الموريسكي أو العربي المتنصر، يعتبر أنه قد عاد إلى الإسلام، إذا امتدح محمد، أو قال أن يسوع المسيح ليس إلها. ومنها أن يحتفل يوم الجمعة بأن يلبس ثيابا أنظف من ثيابه العادية، أو يستقبل المشرق قائلا "باسم الله" أو يختن أولاده، أو يسميهم بأسماء عربية، أو يقسم بإيمان القرآن، أو يصوم رمضان ويتصدق خلاله، أو يمتنع عن أكل لحم الخنزير وشرب الخمر أو يقوم بالوضوء والصلاة بأن يوجه وجهه نحو المشرق، إلى غير ذلك من الأمور التي لا نهاية لها.
وقد ترك الموريسكيون عصرا يتحدثون بلغتهم العربية، ويتعاملون بها، ويكتبون بها سرا القرآن والحديث، والأدعية والصلوات، وبعض الكتب الأدبية. وقد فطنت الحكومة الإسبانية والكنيسة الإسبانية أخيرا إلى أهمية اللغة القومية في تدعيم وحدة الموريسكيين، وضم شملهم، وتقوية روحهم المعنوية، فصدر في سنة 1526م في عهد الإمبراطور شارلكان، قانون يحرم على الموريسكيين التخاطب باللغة العربية، وارتداء الثياب العربية، واستعمال الحمامات وإقامة الحفلات على الطريقة الإسلامية. ولكنه طبق يومئذ في كثير من الرفق والهوادة ولاسيما في المناطق التي يكثر فيها احتشاد الموريسكيين، مثل منطقة غرناطة، ومنطقة بلنسية.
ولما توفي الإمبراطور شارلكان في سنة 1558م، وخلفه ولده الملك فيليب الثاني أخذت هذه الأوضاع في التغيير وكان فيليب الثاني ملكا شديد التعصب والتزمت ففي سنة 1566م، حدد هذا القانون القديم بتحريم استعمال اللغة العربية وسائر ما هو عربي من العادات والتقاليد، وإليك ملخص هذا القانون الهمجي:
"يمنح الموريسكيون ثلاثة أعوام لتعلم اللغة القشتالية، ثم لا يسمح بعد ذلك لأحد منهم أن يتكلم أو يكتب أو يقرأ اللغة العربية أو يتخاطب بها. وكل معاملات أو عقود تجري بالعربية تكون باطلة. ولا يعتد بها لدى القضاء أو غيره. ويجب أن تسلم الكتب العربية، من أية مادة، لتقرأ وتفحص، ثم يرد غير الممنوع منها لتبقى لدى أصحابها مدى الأعوام الثلاثة فقط. وكذلك الثياب العربية، فلا يصنع منها أي جديد، ولا يصنع إلا ما كان مطابقا لأزياء النصارى. ويحظر على النساء الموريسكيات التحجب، وعليهن أن يكشفن وجوههن وأن يرتدين المعاطف والقبعات عند الخروج. ويجب أن تجرى سائر حفلاتهم طبقا لتقاليد الكنيسة وعرف النصارى. ويجب أن تفتح المنازل أثناء الاحتفال بأية مناسبة، وكذلك أيام الجمع والأعياد ليستطيع القس ورجال السلطة أن يروا ما يقع بداخلها من المظاهر والرسوم المحرمة. ويحرم إنشاد الأغاني القومية، ويحرم الخضاب بالحناء، ولا يسمح بالاستحمام في الحمامات ويجب أن تهدم سائر الحمامات العامة والخاصة".
أعلن هذا القانون في غرناطة في أول يناير سنة 1567م، وعلق في ميدان باب البنود، أعظم ميادينها القديمة، وفي سائر ميادينها الأخرى، فوقع لدى الموريسكيين وقع الصاعقة، واجتمع زعماء الموريسكيين، وتباحثوا فيما يجب عمله إزاء هذه المحنة الجديدة، وحاولوا أن يسعوا بالضراعة والحسنى لإلغاء هذا القانون أو على الأقل لتخفيف وطأته، ورفعوا ظلامتهم أولا إلى الرئيس ديسا، رئيس المجلس الملكي، ثم رفعوها إلى العرش على يد وفد من أعيانهم. وساعدهم في مسعاهم بعض أعيان غرناطة من الإسبان أنفسهم، ممن يعطفون عليهم. ولكن مساعيهم كلها ذهبت هباء، وأكد لهم الكردينال اسبينوزا كبير الوزراء، بأن الملك مصمم على تنفيذ القانون، وأنه أصبح أمرا واقعا ومحتوما لا سبيل إلى رده. فعندئذ بلغ اليأس بالموريسكيين ذروته، ولجأوا إلى الثورة، وبدأت الثورة في منطقة "البشرات" في مناطقها الجبلية الوعرة، وامتدت إلى سائر أنحاء مملكة غرناطة القديمة. واشتد النضال بين الموريسكيين، وبين قوات الجيش الإسباني في أنحاء مختلفة، ووقعت في الجانبين مذابح مروعة، وجردت إسبانيا على مواقع الثوار، قوى ضخمة، تولى قيادتها دون خوان الشهير أخو الملك، وانتهى الأمر بإخماد الثورة في سيل من الدماء، واستكان الموريسكيون في غمار من الذل واليأس، ينتظرون ما تخبئه لهم الأيام من محن ومصائب جديدة.
بيد أنهم فكروا في الوقت نفسه، انه لابد أن تكون لديهم كتب الأدعية والصلوات الإسلامية، وكتب القرآن والتفسير والأحاديث النبوية. فكيف يعملون، وقد أخذت منهم معظم كتبهم الدينية، وحرمت عليهم الكتابة بلغتهم العربية العزيزة. فعندئذ وجد الموريسكيون في اللغة القشتالية ذاتها متنفسا لتفكيرهم وأدبهم القديم، ولأدعيتهم وصلواتهم، وكتبهم الدينية. وأسفر ذلك بعد فترة من الوقت عن ابتكارهم للغة جديدة اشتقت أصلا من القشتالية، لغتهم المفروضة، واختلطت بها ألفاظ عربية، وأعجمية مختلفة من اللهجات القديمة والمعاصرة، ولاسيما اللغة الرومانية. وكانت اللغة الرومانية لغة المستعمرين أيام الدولة الإسلامية، وكانت معروفة ذائعة في قرطبة وغيرها من الحواضر الأندلسية، التي تقيم بها طوائف كبيرة من النصارى المستعربين Mozárabes ويعرفها بعض العلماء المسلمين، وكان المسلمون الأندلسيون يستعملون أحيانا بعض عبارات هذه اللغة الرومانية، ويسمونها في كتبهم "باللاتينية" وقد تسرب منها بمضي الزمن كثير من الألفاظ في الزجل الأندلسي، ولاسيما أزجال ابن قزمان، وفي مملكة غرناطة كانت اللغة العربية الشعبية يتسرب إليها كثير من الألفاظ فيما بعد إلى لغة الموريسكيين السرية التي لجأوا إلى ابتكارها حينما حرمت عليهم لغتهم الأصلية، واحتفظوا لها بالأحرف العربية إمعانا في إخفاء سرها عن أعدائهم.
وتعرف هذه اللغة التي اتخذها الموريسكيون بالأخص متنفسا لدينهم القديم "بالألخميادو"، Aljamiado وهو تحريف إسباني لكلمة "الأعجمية". وقد لبثت بعد نفي الموريسكيين في إسبانيا في سنة 1609م، سرا دفينا لا يعرفه أحد، حتى ظفر بعض العلماء الإسبان بمجموعة من مخطوطاتها في أوائل القرن 19. وعندئذ ظهرت عنها المعلومات الأولى. ويقول العلامة مننديت اي بلايو، في تعريفها "بأنها هي اللغة الرومانية القشتالية Romana Castelan، تكتب بأحرف عربية". وكان من أول الدارسين لها العلامة المستشرق الإسباني ساندرا، وله في دراستها عدة بحوث.
وهكذا كتب الموريسكيون القرآن سرا باللغة العربية، مقرونا بشروح وتراجم الخميادية، وكتبوا سيرة الرسول والمدائح النبوية، وقصص الأنبياء، وبعض كتب الفقه والحديث بالألخميادو – وهي رسم لغتهم العزيزة القديمة، مع كتابة البسملة والآيات القرآنية دائما خلال هذه الشروح السرية، باللغة العربية، وقد كانت معظم الكتب الألخميادية، تكتب دائما بالشكل الكامل، حتى يمكن قراءتها بطريقة صحيحة.
وقد ترك الموريسكيون تراثا أدبيا من النشر والنظم استعملوا في كتابته "الألخميادو" وتوجد عنه مجموعات كثيرة في مكتبة مدريد الوطنية، ومكتبة أكاديمية التاريخ. وكان من أشهر شعرائهم محمد ريدان، الذي كان حيا في أوائل القرن السابع عشر، وأصله من روطة خالون، من إقليم أراجون، وله نظم كثير، وقصائد قصصية، وأخرى دينية، ومن شعرائهم أيضا إبراهيم دي بلغاد، وخوان ألفونسو، ومحمد الخرطوشي من أهل بيانة. ومنهم أخيرا شاعر موريسكي مجهول، عاش في تونس في اوائل القرن السابع عشر، بعد النفي بقليل، واشتهر بنقله لمسرحيات لوبي دي فيجا، شاعر إسبانيا الأكبر.
ومن أشهر كتاب الألخميادو، الكاتب الفقيه المسمى "فتى ابيرالو" El Mancebo de Averalo وهو مؤلف لكتب في التفسير، وتلخيص السنة، وقد طاف بمعظم أنحاء إسبانيا، وشهد مصائب قومه، ووصفها بأسلوب قوي مؤثر.
ومن أشهر كتب الموريسكيين الألخميادية، كتب الأدعية والمدائح النبوية، والواقع أن كتابة المدائح النبوية باللغة القشتالية، ترجع إلى عصر مبكر، فقد كتبها "المدجنون" بهذه اللغة منذ القرن الثالث عشر، وانتشرت بعد ذلك بين طوائف المدجنين في مختلف مدن قشتالة وأراجون، ثم كتبها الموريسكيون بالألخميادو أو القشتالية العربية.
ويرى النقاد أن نثر كتاب الألخميادو أفضل من نظمهم، وأنه نثر مطبوع، خال من التكلف. والأدب الموريسكي لا يتجه إلى مراعاة الرونق والتنسيق، ولكنه يرمي قبل كل شيء إلى تصوير التاريخ والتقاليد القومية في إطار ديني. وبالرغم مما يغلب عليه من الضعف والركاكة بصفة عامة، فإنه يصل أحيانا إلى مرتبة الطلاوة بل يصل أحيانا إلى مرتبة البلاغة. وهو وإن لم تكن له ثروة من الجمال، أو قيمة أدبية ذات شأن، فإن له قيمة تاريخية واجتماعية هامة، في الكشف عن التقاليد والعادات. كما يرى النقاد أنه قد ترك أثره في اللغة الإسبانية، وفي الشعر الإسباني، وفي الأفكار الدينية وغيرها.
وقد نوه غير واحد من الكتاب الإسبان، بما كان عليه الأدب الموريسكي، بالرغم من ضعفه، وضآلة شأنه، من شاعرية، وشعور بالجمال، وخيال ممتع، وذوق سليم، ويعلق العلامة الإسباني، دون برونات في كتابه الموريسكيون الإسبان ونفيهم على اختفاء الموريسكيين، واختفاء أدبهم بعبارات شعرية يقول فيها:
"إن السياسة الإسبانية لم تكتف بنفي الموريسكيين، وما ترتب عليه من نضوب حقولنا ومصانعنا وخزائننا، ولم يقتصر الأمر على انتصار التعصب وبربرية "ديوان التحقيق" بل تعداه إلى اختفاء الشعر، وشعور الجمال الموريسكي، والأدب السليم، الذي رفع سمعة تاريخنا".
ثم يقول:"إنه اختفى بنفي الموريسكيين" الأدب المعطر، والشاعرية الشعبية، والخيال الممتع، ومصدر الوحي، الذي كانوا يمثلونه. وقد غاض باختفائهم من شعرنا هذا التلوين والفن والحيوية والإلهام والحماسة، التي كانت من خواصهم، وحل محلها الظلام في الأفق الأدبي خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر".
هذا، وكم في قصة الموريسكيين او العرب المتنصرين من آلام ومآس مبكية، تنبض بها صحف التواريخ القشتالية وتفيض بها وثائق محاكم التحقيق المكدسة في دار المحفوظات الإسبانية العامة في سيمانقا (Simancas)، ولا تعرف مصادرنا العربية المعاصرة عنها شيئا، ولا تتناول منها إلا النزر اليسير، في إشارات عابرة. هذا إلى طائفة من المصادر الأوربية الحديثة، التي تتناول تاريخ "ديوان التحقيق" وإجراءاته وأحكامه المروعة، ففيها كثير من التفاصيل السابقة.
*=..=*=..=*
والله الموفق
2015-08-05
محمد الشودري
Mohamed CHAUDRI


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.