سأل كثير من المغاربة، على إثر لقاء بنكيران رئيس الحكومة المغربية وأمين عام الحزب ذي المرجعية الإسلامية بالسيسي رئيس الانقلاب المصري ومعادي كل كلمة تأتي بعدها عبارة "إسلامية"، لم نحن ضعاف لدرجة ننتقد بنكيران بدل أن ننتقد الملك أو النظام، بما أن بنكيران ذهب لتمثيل الملك كرئيس حكومة لا لتمثيل مرجعية حزبه. والحقيقة أن هذا التساؤل يحمل في طياته من التناقضات و"السكيزوفرينيا" ما يجعلنا نتساءل لم صوتنا أصلا على حزب العدالة والتنمية، هذا التساؤل جعلنا نعيد النظر لا في مرجعية الحزب نفسه، لكن في مهمة الأحزاب المغربية كاملة ودورها في تمثيل الشعب. وهنا سأقول، لم علينا أن ننتقد الملك، لو كان نظامنا المغربي نظاما إسلاميا لما احتجنا من الأصل حزبا إسلاميا! الملك لم يرفع يوما شعار رابعة ولا خرج في خطاب يطالب بعودة مرسي على أنه الرئيس الشرعي ولا وعد بإلغاء مهرجان موازين ولا بإلغاء الربا على أساس اقتصاد يحترم تشريعات الدين. ودعوني هنا لا أتحدث عن شخص الملك محمد السادس لأنه ورث النظام كما هو، وليس بالضرورة ما يمثله نظام الملكية المغربية يمثل ما يؤمن به الملك محمد السادس، فلربما له كشخص إيمانيات ومعتقدات يصعب في الوقت الحالي تنزيلها على نظام الملكية وتعدليه بسبب ضغوطات عدة خارجية وداخلية، ولربما يحاول التعديل على مضض وربما لا يحاول. المهم أني سأتحدث هنا عن نظام الملكية، هو نظام ليبرالي محافظ، سائر في "النيوليبرالية" المطلقة واقتصاد السوق الحر، يدخل كل السلع التي من شأنها ترويج الاقتصاد حتى وإن كانت في نظر الدين محرمة، إعلاميا وسياحيا، ويبرر ذلك على أساس التعددية التي يعرفها المجتمع المغربي. تعددية اختلاف الديانات والمعتقدات وعدم حرمان غير المسلمين من استهلاك سلع لا يعتبرونها محرمة!! ويُبقي اجتماعيا على القيم التي من شأنها تحصين إمارة المؤمنين، كتجريم الإفطار في رمضان علنا مثلا وتجريم المثلية الجنسية، ما يضرب نظرية التعددية وتعايش غير المسلمين داخل المجتمع المغربي ويجعل منها نكتة مضحكة، فإما تطبيق الإسلام اقتصاديا واجتماعيا وإما عدم تطبيقه! فالمنحى الاجتماعي للنظام الملكي يلقى دعم الأغلبية المسلمة، أغلبية ليست راضية بالمرة عما يقع اقتصاديا وإعلاميا وسياحيا من أجندات ليبرالية حداثية تضرب الدين في عمقه! هكذا فإنه نظام يكيل بمكيالين، اقتصاديا يتجاهل الدين لأجل الربح، واجتماعيا يستعمل الدين لأجل البقاء. ويتعامل مع الأنظمة حسب تبنيها لمغربية الصحراء وحسب مصالحه مع باقي البلدان الغربية والخليجية. هكذا لو سافر الملك إلى مصر في القمة العربية وصافح السيسي لم يكن أحد ليصدم أو لينتقد، لأنه لا يناقض شكل الملكية وما تروج له. ولهذا بالضبط صوت الشعب على بنكيران الذي قدم نفسه على أنه حزب بمرجعية إسلامية سيصلح ما أهمل النظام سياسيا واجتماعيا وإعلاميا وسياحيا، على أساس الدين الإسلامي، وهذا بالضبط ما لم يفعل بنكيران. انتقد الناس بنكيران الذي وعد بأن حزبه الإسلامي يجب أن يصل إلى السلطة ليمثل داخل هذا النظام الحداثي هوية الشعب وقيمه ومواقفه، ويحقق المعارضة المؤسساتية من داخل السلطتين التشريعية والتنفيذية حتى يعدل كفة الحكم مع الملك.. ويحارب من داخل مؤسسات النظام بعض قوى العلمانيين الذين يريدون هدم الأواصر الاجتماعية التي تأخذ تشريعاتها من الدين (تقنين الإجهاض)، ويحارب الإعلام والمهرجانات التي طالما انتقد وهو في المعارضة على أنها تخرب الأخلاق، ويحارب المفسدين!!! والذي وعد بأنه سيتمثل الهوية الإسلامية داخل المغرب وخارجه، ويحارب التطبيع مع إسرائيل ولا يصافح أبدا أعداء الإسلام!! بنكيران الذي ادعى القوة وادعى القدرة على ممارسة الثورة المؤسساتية داخل المنظومة المخزنية ليقاوم ويواجه ويتحدى ويعارض.. حتى وإن أتى ذلك على كرسيه واضطر إلى الاستقالة والرحيل ليثبت للشعب المغربي مدى مصداقيته. لكنه للأسف، تخلى عن قيمه ليبقي على كرسيه. وهنا نحن من يجب أن يطرح تساؤلا على هؤلاء، إن كانت الديمقراطية والتي تعني حكم الشعب، تقتضي أن يمثل هؤلاء المنتخبون مواقف الشعب حين يصلون إلى مراكز القرار. ونحن في ملكية لا زالت تتخذ مواقفها بناء على رأي مستشاريها وأجهزتها لا بالاستشارة مع ممثلي الشعب.. كان لابد من التدافع، بين هؤلاء المنتخبين من رئيس حكومة ووزراء ونواب، وبين المخزن ومن يمثل من ملك ومستشاريه وديبلوماسييه وعماله وولاته وكل من يختارهم دون صناديق اقتراع. هذا التدافع لا يعني تلك العبارة التي قال بنكيران: يدابز مع الملك! نحن شعب لا يريد "دباز" ولا فتنة.. إنما تعني القوة لضمان ممارسة الصلاحيات كاملة ولتمثيل المواقف التي رفع خلال الحملة الانتخابية وأكسبته المنصب الذي ينعم به الآن. وإن لم يستطع المنتخبون تمثيل مواقف من صوتوا لهم.. وأصبحوا يمثلون موقف الملك وموقف النظام ومستشاريه.. وأصبحوا يتخلون عن صفاتهم الحزبية ليلبسوا قناع صفاتهم النظامية.. فما الجدوى منهم أصلا؟ وإن كان كل من سيصل إلى السلطة سيقول للشعب: ماذا تريدون مني، المغرب أصلا بلد إسلامي!!! بما أنه بلد إسلامي لماذا هلكتم رؤوسنا وثقبتم مسامعنا بأنكم حزب بمرجعية إسلامية، إذن ما الجدوى من الانتخابات؟ الأحرى أن يختار الملك من تلقاء نفسه كل من يدير مؤسسات الدولة وننتهي من خدعة اسمها الديمقراطية. باختصار: لا جدوى من أن يروج الأحزاب من الآن فصاعدا لأنفسهم بالأيديولوجية والمرجعية. إن كانت هناك أجندات اقتصادية فمرحبا، غير ذلك كفى ضحكا على ذقون الشعب.