- ------------------------- حتى أشرح وجهة نظري وتكون مبنية على منطق الأحداث، دعوني أعود بكم إلى إلى أحداث "20 فبراير"، منذ أن هبت علينا رياح مغاربية ومشرقية أيقظت النيام من الشعب ومن الحكام.. *** كنت قد تأثرت أيضا بالثورتين التونسية والمصرية وبرمجت قناة "الجزيرة" دماغي كما تبرمجت عقول الملايين وتأججت في نفسي الرغبة في الخروج والصراخ لإسقاط أي شيء والعودة إلى البيت في حالة المنتصر. و تواصلت حينها مع بعض الشباب المؤطرين لحركة "20 فبراير" قبل بدايتها، (لم يكن تواصلي حينها مع جماعة "العدل والإحسان" وإنما مع الشق الثاني من الحركة ومنهم اليساريون والتقدميون إما مستقلون أو قادمون في تنظيمات حزبية "اليسار الموحد" و"النهج الديمقراطي" أو جمعيات مدنية "جمعية حقوق الإنسان"..). وبعد حديثي معهم تفاجأت لشيئن، أولا، اكتشفت أن هؤلاء الشباب بعيدين كل البعد هوياتيا عما أومن به، فهم خارجون إلى الشارع بمطلب أولي هو فصل الدين عن السياسة والاقتصاد وحتى عن مدونة الأسرة، ثانيا، وهذه أضم إليها حتى الجماعة، أنهم لا يملكون أية أجندة بديلة.. رغم علمي بأن الجماعة تضم كادرات وقضاة وأساتذة طب وهندسة ودكاترة في كل الاختصاصات والمجالات وشيوخ دين فطاحلة في الشريعة والاجتهاد، إلا أني حين أتحدث عن بديل فإني أقصد أجندة اقتصادية تطبيقية واضحة قابلة للتنزيل على أرض الواقع تخرج البلد من مديونية البنك الأوروبي والبنك الدولي. ... فإني أرى أن مشاكل المغرب تتجدر من القروض التي بيع مقابلها إلى فرنسا والقوى العظمى الأوروبية منذ القرن 19 ولازال يباع إلى الآن بالتقسيط المريح، مقابل حماية النخبة الفروكوفونية الموضوعة على رأس مؤسسات الدولة وحماية امتيازاتها وثرواتها حتى تحمي هي الأخرى مصالح الغرب داخل المغرب. إذن فتحرير المغرب من تلك النخبة يجب أن يبدأ بتحريره من القروض، بشخوص ذات أجندة اقتصادية قادرة على تنفيذها عبر المؤسستين التشريعية والتنفيذية، حتى إن تحرر من الوصاية الخارجية التي تحمي المفسدين يستطيع حينها الشعب أن يختار داخليا مسؤوليه ويختار إعلامه ويختار هويته، وليس العكس، ليس بفرض هوية معينة سواء كانت علمانية أم إسلامية سيتحرر المغرب من الفساد! وليس بمحاولات إسقاط أشخاص ما سيتحرر المغرب اقتصاديا وهوياتيا، لأن النخبة الفروكوفونية الفاسدة متغلغلة ومتشعبة وعريضة وممتدة من الدولة العميقة إلى صاحب البار الذي كان يثمل عنده مناضلو 20 فبراير العلمانيون، وإمام المسجد الذي يصلي وراءه قادة الجماعة!! ... وبالتالي، فإن المشكلة ليست أبدا هوياتية، لأن الهوية تحتاج الحراك الثقافي المدني من داخل المجتمع.. إذن فهي مسألة اقتصادية خالصة، من أتى بأجندة لتحرير المغرب من مديونيته فقد أتى بالحل. ... وأمام جماعة ثورية لا تحمل إلا كتيبات و شعارات إسلامية لن نسقط إلا في أمرين، ما سقط فيه الإخوان في مصر حين جاؤوا دون أجندة اقتصادية وأرادوا الحكم بشكل ديمقراطي سلمي فتمت محاصرتهم من قبل القوى العالمية ومنع عنهم الاستثمار وخنق اقتصاد مصر حتى بدأ الشعب يضيق ذرعا فسهل الانقلاب عليهم بدعم "سعودي" غربي، وإما سنسقط في فرض للدين على الناس بالغصب والقتل والحرق ومحاربة الغرب أيضا فنسقط في نموذج "داعش". وإلا، فالنموذج الثالث الناجح هو النموذج الإسلامي الذي أتى بأجندة اقتصادية حررت بلده من التبعية الدولية وفرض سيادتها قبل أن يبدأ في تنزيل الشريعة على مضد وبشكل جد مسالم وجد بطيء وهو "أردوغان". ... إضافة إلى كل هذا، فقد رأيت أن تحالف الإسلاميين والعلمانيين في ذاك الحراك، أي تحالف من يثور لأجل تطبيق الخلافة مع من يتهكم على الدين والخلافة، وأن وضع الجماعة يدها في يد من يراها جماعة خرافة، لإسقاط النظام، تحت شعار "عدو عدوي صديقي"، رأيت في هذا قمة النفاق والماكياڤيلية، وأنهما سيتحاربان في نهاية المطاف لأجل السلطة، فلا واحد منهما سيقبل، إن تحقق حلمهما، أن يحكمه الآخر. ... وبهذا أصبحت عن قناعة معارضة شرسة لهذه الحركة، وكتبت مقالات على موقع "هسبريس" أدعو الناس إلى عدم المشاركة فيها، فأصابني ما أصابني من شبابها من السباب والشتائم والقذف والتصنيف على أني مخزانية مبيوعة عميلة..، ولشدة صدمتي من ردة فعل هؤلاء الذين يدعون إلى تقبل الاختلاف وهم أول من يسب حين تختلف معهم، صعدت الخطاب واستعملت في مقالات لاحقة أساليب ندمت على بعضها لاحقا لكني لم أندم أبدا على متنها، فإني لازلت مقتنعة إلى الآن بمنطق معارضتي لذلك الحراك، وحين أتحدث عن معارضة فإني أتحدث عن القيادات لا عن الشعب المسكين المهزوم الذي خرج في مسيرات يحمل مطالب شرعية أنا نفسي أومن بها.. أتحدث عن مسيري ومدبري ذلك الحراك ومن تبعهم من رؤوس البرجوازية العفنة الذين ركبوا الحركة ليمتصوا منافعها ويمولوا مواقعها من أجل الإبهار وحمل شعار النضال ونشر الإشهار لشركاتهم. ... ولذلك ستجدون الآن كثيرا من شباب الحركة لازالوا يضمرون لي الكره، يركزون على أخطائي وزلاتي وهي ضرورة حتمية، وسط 7 سنوات كتابة لابد سأكون ارتكبت منها الشيء الكثير. *** بعدما بدأت الحركة تذبل بسبب الانفصال المتوقع للجماعة عن الطوائف العلمانية، جاء الدستور يحمل من الصلاحيات للسلطتين التشريعية والتنفيذية ما لو تم تنزيلها فعليا لكان المغرب حقق الآن أشواطا في الديمقراطية ومحاربة الفساد.. حررت حينها الدستور كما أذكر بالدارجة المغربية قصد إقناع الناس بالتصويت لصالحه.. ... وفجأة، ظهر "بنكيران" بخطاباته النارية وحزبه في الواجهة يعد بإنهاء الريع ومحاسبة السارقين وإخارج البلد من التبعية وبطش نخبة الفروكوفونيين، ويدافع عن القوانين التي لا زالت تستند على الدين، فقلت "هذا أردوغان المغرب ولا بالاك".. وحملت لافتة كتبت عليها "العدالة والتنمية" للترويج للحزب ونشرتها على الفايسبوك، صورة لازال يثبت بها بعض الأغبياء انتمائي إلى حزب لم أنتم إليه قط. ... نجح "بنكيران" وبدأ وقت الحساب وفرض الضرائب على الأثرياء واسترجاع الأموال المسروقة ولكن.. اكتشف "بنكيران" أن عليه أن يتحالف، فعفا عما سلف! ... صار صديقا ل"نبيل بن عبد الله" ونسي خلافه مع الشيوعيين، تحالف مع "مزوار" بعد أن كان في نظره كبير المفسدين، لم يحاسب يوما "علي الفاسي الفهري" الذي أفلس صندوق الماء والكهرباء حسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات، هنأ عدوه اللدود "الهمة" بمنصب مستشار للملك محاولا التقرب من القصر. تنازل عن كثير مما خول له الدستور كصلاحيات، أقر أن الخارجية من اختصاص الملك وإقالة مفسد بقرار الملك وإعانة معوز بإشارة الملك، حتى ما رفضه بالأمس من مظاهر قال عنها عبودية وتخلف أصبحت اليوم تقاليد وعادات! ... أعلن سياسة التقشف ولم يفكر يوما في تقليص ميزانيات بعض "المؤسسات"، ولا فرض الضرائب على الأموال المودوعة في بعض "الحسابات"، ولا على الأقل قلص رواتب وزرائه، كل واحد منهم يحظى بالملايين والامتيازات والسيارات وميزانية السفريات ودواوينهم وخدمهم وحشمهم زد عليها البرلمانيين الذين أصبحوا يطالبون بتورتيث المعاشات.. زاد من الاقتراض من البنوك الخارجية، لأنه لم يستطع فرض الضرائب على الإثرياء لتعويض الخصاص في الميزانية.. ميدونيتنا للخارج ترتفع، إذن فالوصاية الفرنسية لازال كما هي، والنخبة الفروكوفونية باقية وتتمدد، آخرها "شي فاسي فهري" أصبح مديرا للمركز السينيمائي! ... خرج الملك بخطاب يثمن فيه مجهودات "بنكيران" في إنجاح تحالف الحكومة داعيا إلى التخلي عن المرجعيات لصالح الحزب الوحيد الذي يعترف به، وهو "حزب المغرب". هنا فقط، أصبحنا أمام معارضة صاحب الجلالة وحكومة صاحب الجلال وتسابق زعماء مؤسسات الدولة على لعق حذاء "المخزن" لأجل البقاء على كراسي النهب. اختفى توجه حزب المصباح ولم يعد هناك إسلاميون ولا علمانيون ولا محافظون ولا حداثيون تحت لواء العرش. وتم إجهاض الدستور وقطع رحم المشهد السياسي المغربي بنجاح. ... نعلم أن في المغرب لا يمكن لحزب أن يفوز بأغلبية انتخابية مطلقة أمام كثرة الأحزاب، ستأتي الانتخابات القادمة، وتتحالف "العدالة والتنمية" مع "الأصالة والمعاصرة" ونحن نراهم اليوم في حرب ضروس كل واحد منهم يتهم الآخر بأنه رئيس عصابة وتاجر مخدرات، سيتحالفون ويتعانقون وستقول شبيبتهم أن عناقهم لمصلحة الوطن وكأنهم يتحدثون مع قطيع من الغنم لا مع المواطنين. وحتى لو وقعت معجزة وفاز "بنكيران" بأغلبية ساحقة تخول له تولي الحكومة دون تحالفات فإنه كما العادة سيكون مستعدا للتخلي عن مزيد من الصلاحيات لإرضاء الملك.. ... لازلت عند كلمتي، وأني لست ثورية بالمفهوم الارتجالي للسلوك. ولكني لست راضية عما يقع في المغرب، وهو حقي كمواطنة، أن أعبر عن الخذلان والخيبة.. من عدم قدرة الشعب على اختيار حزب يسير مؤسساته، وسط هاته التحالفات التي تميع اختيار الشعب. علينا تغيير هذه السياسة، وإعطاء الحق للحزب الفائز بتسيير مؤسسات الدولة لوحده. وأن يكون رجالات هذا الحزب قادرين على التمتمع بالصلاحيات التي يخولها لهم الدستور دون رمي أنفسهم بأعتاب المخزن إرضاء للملك الذي من المفروض أنه "راضي علينا كاملين"!!! ... سواء كان المخزن تعمد تمييع حزب "العدالة والتنمية" بأن جيش ضده المعارضة والعفاريت والتماسيح حزبيا ونقابيا وإعلاميا حتى يعرقلوا بعضا من محاولاته ويضعفه فيسود فوقه، أو كان "بنكيران" هو الذي تعمد رمي نفسه بأعتاب المخزن والتخلي عن صلاحياته بمحض إرادته الله أعلم لماذا.. فإننا اليوم لسنا أمام 36 حزبا، إنما أمام 36 مركزا لتنفيذ الأوامر الملكية! ولا جدوى منهم جميعا!