لم يكن المشي بالنسبة إلي سير على القدمين. القدمين الماكرين، بل كان يمثل حركة في المكان والزمان. أتذكر مشيي، في عز الحر، على رمال شاطئ مرتيل، في زمن مضى، كنت أمشي تحت لهب الشمس، وأنا لا أقدر على النظر في وجه السماء البعيدة. كان البحر الأزرق يجسد لي مدا، أفقا، عمقا وشساعة. شيئا غامضا كنسيج، أو كنص. كنت ألتقي ببعض البنات في قلب البحر، وأنا أعوم وسطهن، يضحكن فأضحك، يقتربن مني فأقترب، يحصل شيء ما، تلامس...، ثم، اخرج...مودعا، بابتسامة، فيغصن في قاع البحر كما لوكن حوريات. هذا الأمر لم يكن يحدث باستمرار. وفي كل خطوة تتراءى الجبال كما لو أنها تحييني، جبال كابونيكرو، الذي أصل إليه متوفرا، مملوءا بالفرح ( لي ذكريات جميلة في هذا الشاطئ)...، تلك الجبال المتسامية الأثيرة، بل والشامخة الشاهدة على كل تقلبات الزمن وتغيرات الإنسان والمجال. سيتكرر المشي على رمال شاطئ مرتيل. وستصبح هذه المدينة، بعد الزواج، مقاما لي لمدة عامين، وستكون لي فيها ذكريات وعلاقات... ولقاءات سينمائية وثقافية وجماعية، كما أنها ستحضر بشكل كبير في روايتي الأخيرة التي لم أنشرها بعد، وتحمل عنوان " ظلال الجرح". في تطوان سيصبح المشي عندي، ليس فقط تمرينا رياضيا، وإنما طريقة للتفكير، واختمار بعض الأفكار، ومعرفة بعض الأمكنة، حيث أنطلق من أمام محطة " إيسو" إلى " مرجان"، ثم أعود. لم أحب أبدا الركض، كما هو الحال بالنسبة للكاتب والروائي الياباني هاروكي موراكامي ( في سبتة، كنت أشاهد إسبان يحبون الركض في العشية. أكتفي بالنظر فقط)، أما أنا فلا أركض، أحب المشي كما لو كنت عابرا. ألم يكن الشاعر رامبو " العابر الهائل" –كما قيل-، ويبقى المشي حركة، متعة، وحياة. والخير كله في المشي... يوسف خليل السباعي