بقلم: عبد الحق بلفقيه * المتتبع و الدارس لتطور القانون الإداري، سيجد أنه في معظم الأنظمة القانونية كان مبدأ عدم مسؤولية الدولة و أجهزتها و لزمن طويل كان هو الراجح، و كان يبدو أمر غير عادي أن تثار مسؤولية الحاكم بذريعة أنه ليس بوسع هذا الأخير فعل سوء، إلى أن جاء حكم "بلا نكو" التاريخي، حيث شكل الخطوة الحقيقية الأولى لإبراز الخطوط العريضة للمسؤولية الإدارية. في هذا السياق، تعتبر نظرية مسؤولية الدولة من النظريات التي ابتدعها القضاء، و التي جاءت كنتيجة حتمية لازدياد تدخل الدولة و توسع أعمالها و أنشطتها التي غالبا ما تؤدي إلى حدوث أخطاء تسفر عن إصابات الأشخاص من جراء هذه الأعمال و الأنشطة. و بالتالي أصبحت الدولة بموجب القانون ( الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود..) " مسؤولة عن الأضرار الناتجة عن تسيير إدارتها و عن الأخطاء المصلحية لمستخدميها "، بمعنى أن الأصل الدولة ومؤسساتها ملزمة ببذل كل العناية لدرئ المخاطر التي قد تقع للمواطن. و عامة يمكن القول أن مسؤولية الدولة ليست عامة و لا مطلقة، و إنما هي مسؤولية من نوع خاص تتوقف على الخطأ و الثابت. و الباعث من مناقشة هذا الأمر، ما جاءت به الحملة الأخيرة الجديدة تحت عنوان: "إشعار بإنهاء مهام" استهدفت أطر جماعة العدل و الاحسان في العديد من القطاعات في خرق سافر للقوانين وضرب لحزمة حقوق و مكتسبات أقرها دستور فاتح يوليوز زعما وادعاء. فإذا كانت المبادئ و القيم الدستورية تفرض و تنص و تدعوا إلى تقديم المصلحة العليا للبلد و إذا كانت الإرادة الحقيقية للإصلاح تتطلب أن يكون المناخ العام معافى من أوبئة الاستبداد و النزوع للتحكم في الرقاب؛ مناخ عام سليم يوفر شروط التنافس الشريف و في شتى المجالات يحفز على المشاركة و الانخراط في أوراش التنمية اجتثاثا لعوامل التهميش و التفقير و التجهيل، كل في مجال تخصصه؛ مناخ سليم و على قاعدة الحقوق و الواجبات يبني إجماعا مجتمعيا حقيقيا لا زائفا أو وهميا يتنادى فيه الجميع أن هَلُمُّوا للبناء والبذل والتضحية،… فان ما قامت به بعض أجهزة الدولة – وزارة التربية الوطنية – ضرب بكل هذه القيم و المبادئ عرض الحائط. فما قامت به الوزارة يعتبر زلة و سقطة و أي سقطة…. سقطة دستورية و قانونية و حقوقية. من الناحية الدستورية و الحقوقية: أولا: خرق للتصدير الدستوري الجديد الذي " يعد جزءا لا يتجزأ من الدستور ": فأول ما نص عليه التصدير هو خيار بناء دولة الحق و القانون الذي لا رجعة فيه، لكن مع زلة الإعفاءات تم الضرب في أهم مقومات دولة القانون، عنينا هنا مبدأ المشروعية أو الخضوع لحكم القانون، فهذه الإعفاءات لا سند لها قانونيا و بالتالي هي غير مشروعة دستوريا….. و كذلك تم الضرب في مبدأ "الاعتراف بالحقوق والحريات الفردية"، فبهذه الإعفاءات تم نزع الحقوق بطريقة تسلطية و ليس الاعتراف بها. ثانيا: تم خرق مبدأ دستوري جديد و مهم " الحكامة الجيدة "، فأي حكامة هذه… إعفاء إطار بدون سابق إنذار و لا استدعاء و لا تنبيه، و الأكثر من ذلك لا بديل لمنصبه ثالثا: خرق مبدأ دستوري ثالث… " تكافؤ الفرص "… فإذا كانت تجربة هؤلاء الأطر الطويلة تشهد لهم بالكفاءة، فبمن سيتم تعويضهم و على أي أساس سيتم تعويضهم رابعا: خرق المطلب الدستوري الذي يدعوا إلى " إرساء دعائم مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالأمن و الكرامة و المساواة "…. ألا تدعوا مثل هذه القرارات إلى إثارة الخوف و الفزع في عموم المواطنين….. و أي مساواة ستطرح مقابل نزع الحقوق ظلما و عدوانا. خامسا: خرق مبدأ " التلازم بين حقوق و واجبات المواطنة "…. ما هي الواجبات التي اخل بها هؤلاء الأطر المغربية و على أساسها تم الإعفاء. سادسا: بموجب الفصل السادس(6) فان " القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، و الجميع ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، و ملزمون بالامتثال له "…. و بالتالي فان أجهزة الدولة التي قامت بهذا الفعل هي ملزمة بالتبرير و التعليل القانوني لهذه المسالة…. سابعا: بموجب الفصل 19 من الدستور المواطنون المغاربة يتمتعون على قدم المساواة، بالحقوق و الحريات المدنية و السياسية…..و بموجب الفصل 25 فان " حرية الفكر و الرأي و التعبير مكفولة بكل أشكالها "….. فكيف يتم إعفاء هؤلاء الأطر بناءا على انتمائهم السياسي الحر. ثامنا: بموجب الفصل 22 من الدستور " لا يجب المس بالسلامة المعنوية لأي شخص "، هذه الإعفاءات التسلطية مست و أهانت هؤلاء الأطر المغربي الحرة الذين خدموا بلدهم لمدة طويلة. تاسعا: بموجب الفصل 27 من الدستور فانه " للمواطنين و المواطنات الحق في الحصول على المعلومة، الموجودة في حوزة الإدارة "…. فكيف يعقل إعفاء إطار بدون إعطائه أدنى معلومة عن هذه المسالة ….. عاشرا: بموجب الفصل 31 من الدستور فان الدولة و المؤسسات العمومية و الجماعات الترابية، تعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة…… الشغل…. ولوج الوظائف حسب الاستحقاق…" هذه الإعفاءات تضرب أيضا في هذا الفصل الواضح. و اختم بمبدأ التعليل و تبرير القرارات الدستوري….. هذه القرارات التعسفية تفتقر إلى أي تعليل أو تفسير من الناحية الإدارية و القانونية: أن ما وقع يعدّ خطوات غير قانونية مشوبة بالشطط الإداري والتعسف المكشوف، ببساطة لغياب شرط " التعليل " و "تبرير القرارات"، فجل القرارات من هذا الحجم اقل شيء يكون فيها بخلاف النظر عن مشروعية المحتوى أن تكون معللة و مفسرة للقرار المتخذ أيضا و من المنطق القانون السليم، و قبل أي "إعفاء"، أن يتم إرسال "تنبيه أولي" أو "إنذار أو حتى استدعاء "". و بخصوص مبدأ استمرارية المرفق العام…. كيف يعقل إعفاء مدراء مؤسسات تعليمية وحراسي عامي من نفس المؤسسة، أين هي مصلحة التلميذ ( التي يجب أن تكون فوق كل اعتبار)، و كيف سيتمر المؤسسة وسط هذا الخلط…… أين هو البديل، قرارات جائرة و طائشة بدون تخطيط…. انه للعبث الإداري. مبدأ " الأجر مقابل العمل "…. عندما يعفى إطار، يبقى بدون مهام و لا مكتب له في المصلحة، بمعنى انه لن يشتغل، فأين هو الجواب على هذا الأمر.." الأجر مقابل العمل ". * باحث بجامعة عبد المالك السعدي