بقلم: د. عبد الرحمن الشعيري منظور *- أصل هذه الدراسة مشاركة للباحث في التقرير السنوي" المغرب في 2015″ الصادر عن المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات. – الفاعلون الإسلاميون في 2015 : – جماعة العدل والإحسان: الفعالية السياسية المتنامية في ظل"الشيطنة من قبل السلطة". تميزت سنة 2015 بحركية متنامية للفعل السياسي للجماعة العدل والإحسان ضمن بنية المعارضة الجذرية بالمشهد السياسي الوطني، وقد تبلورت هذه الحركية في تصاعد الدعم السياسي للجماعة من خلال دائرتها السياسية وقطاعاتها المتخصصة، للمتضررين من السياسات الحكومية في قضايا مجتمعية مثل: التقاعد، قضية "لاسامير"، غلاء فواتير الماء والكهرباء من قبل شركة "أمانديس" بالشمال، قضية الطلبة الأطباء والأساتذة المتدربون … كما صار الفعل السياسي والمجتمعي المحلي للجماعة باديا بوضوح للمتتبعين والمراقبين في مبادرات متنوعة موثقة في الموقع الرسمي للجماعة مثل تنظيم ندوات تلامس مختلف قضايا المحلية، أوفي انخراط أبناء الجماعة في المبادرات الجمعوية والمدنية في المناسبات الدينية والتحسيسية، رغم شدة الحصار المفروض على مختلف تحركات العدل والإحسان. ويعزى هذا التطور في الفعل المحلي للجماعة إلى تبنيها مؤخرا لنمط تنظيمي لامركزي بصيغة أعمق عن البنية التنظيمية القديمة. هذا التصاعد في تنامي منسوب الدعم السياسي للقضايا المجتمعية والانخراط الميداني في تعضيدها في مواجهة السياسات الرسمية المنحازة لمنطق التوازنات الماكرو الاقتصادية على حساب قوت المواطن اليومي واستقرار الطبقات الوسطى والفقيرة، لم يمر دون أن تنهج السلطة والصحف والمواقع الإلكترونية القريبة منها خيار شيطنة العدل والإحسان، إذ وصلت هذه السياسة الإتهامية إلى مداها بتصريح وزير الداخلية محمد حصاد في قبة البرلمان حمل من الإشارة أكثر من العبارة في اتهام الجماعة بكونها وراء تصعيد احتجاجات الأساتذة المتدربين بقوله " منظمة راكم عارفينها هي اللي صعدات ملف الأساتذة المتدربين" ، وذلك في معرض تبريره لقمع القوات الأمنية لمسيراتهم في السابع من يناير 2016 ، وهو ما نستعرض له بتفصيل في التقرير السنوي القادم بحول الله. كما عرفت سنة 2015 تحولات في الفعل السياسي للجماعة من خلال نزوعه بشكل أكبر نحو الاحترافية تجلت في مؤشرات التفصيل وإبداء الرأي بدقة في عدة قضايا سياسية واقتصادية، كانت الجماعة تتجافى عن الخوض فيها، لكن مع بروز هيئات متخصصة و توسع الجسم القيادي، أضحت قيادات الجماعة تصرف مواقفها بتفصيل من خلال مختلف منصات الإعلام الجديد سواء في" قناة الشاهد " الإلكترونية أو في عبر الصفحات الفيسبوكية الرسمية. لم تدع الجماعة ذكرى رحيل مرشدها المؤسس عبد السلام ياسين رحمه الله، دون أن تستثمرها في التواصل الفكري والسياسي مع مختلف أطياف المجتمع الأكاديمي والسياسي من خلال اختيار موضوع دقيق ومنسجم مع متطلبات المرحلة السياسية في المنطقة العربية، تبلور في ندوة دولية بعنوان "التحولات الإقليمية الراهنة، أي دور للنخب والشعوب؟" في دجنبر من سنة 2015 عرفت مشاركة أكاديمية وسياسية دولية ووطنية متميزة. كما عكست الندوة كذلك نزوع الجماعة نحو الاهتمام أكثر بالتواصل الدبلوماسي سواء في المنطقة المغاربية أو الإفريقية أو على الصعيد بشكل عام، خاصة مع مأسستها لهذا التوجه من خلال تأسيس مكتب العلاقات الخارجية الذي يترأسه ذ. محمد حمدواي عضو مجلس الإرشاد. ولأهمية استراتجية التواصل الدولي للجماعة في الخروج من الحصار والتضييق المفروض عليها من قبل النظام، عمل هذا الأخير في بداية سنة 2016 على توظيف علاقته الدولية في محاولة تقويض إشعاعها الدولي سواء في منع المؤتمر الدولي لمؤسسة الإمام عبد السلام ياسين بتركيا، أو بالضغط على الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي للانسحاب من ندوة دولية حول الربيع العربي بباريس عرفت مشاركة القيادي بالجماعة محمد حمداوي، وسنتطرق بتحليل أوسع لصراع النظام مع الجماعة على هذا الصعيد في التقرير المقبل لسنة 2016. كما استمرت العدل والإحسان في سنة 2015 في عملها التربوي والدعوي والعلمي، وهو العمل الاستراتيجي للجماعة الذي لا تسلط عليه الأضواء في معظم الأحايين مثل المجالس التربوية والتعليمية والرباطات والاعتكافات، ومجالس النصيحة وغيرها، لكن الملاحظ أن الإعلام المرئي للعدل والإحسان وخاصة قناة الشاهد صارت تبرز للجمهور بعض معالم هذا الفضاء الداخلي، عبر بثها لسلسلة "مجلس الحديث" الذي يشرف على تأطيره العلمي الأمين العام للجماعة ذ.محمد عبادي، و"مجلس الإحسان" الذي يشرف عليه ذ.عبد الكريم العلمي رئيس مجلس الشورى، أو من خلال بث مقتطفات من الرباطات التربوية والإعتكافات والمجالس التربوية والعلمية تشرف عليها قيادات من الجماعة من أمثال منير ركراكي ومحمد بارشي وعبد العلي مسئول وعبد الله شيباني. – حركة التوحيد والإصلاح: استغراق تنظيمي و هيمنة للعدالة والتنمية تميزت سنة 2015 بالنسبة لحركة التوحيد والإصلاح بكونها سنة جديدة للقيادة الجديدة برئاسة المهندس عبد الرحيم الشيخي، و باصطباغها بطابع خفوت الصيت الحركي والإعلامي للتنظيم، مقارنة بالأعوام السابقة، التي كانت تشهد بصمات قوية للحركة في الحقلين الديني والسياسي. وتعزى أسباب هذا الخفوت في الفعل الحركي لإستغراق التنظيم في الأولويات الداخلية القائمة على العمل الدعوي والبحث العلمي والتطوير التنظيمي لبنية الحركة في إطار "عمل التخصصات" الشبابية والنسائية والجمعوية والطلابية. كما أثر معطى قيادة حزب العدالة والتنمية للعمل الحكومي بقيادة ذ.عبد الإله بنكيران على الفعالية الحركية للتنظيم، في ظل الإشعاع الإعلامي والسياسي للحزب الذي يعد أبناء الحركة العمود الفقري لموارده البشرية وطاقاته الإعلامية والشبابية وقياداته السياسية. وفي ظل هكذا وضع، تميز الفعل الحركي للتوحيد والإصلاح باهتمامه بالانتظام المؤسساتي لمختلف البنى التنظيمية للحركة من فروع ومناطق ومكاتب تنفيذية جهوية، تنزيلا للتوجه التنظيمي الجديد القائم على اللامركزية والعمل بالمشاريع. كما تعرف المؤسسات التخصصية التابعة للحركة مثل منظمة التجديد الطلابي، ومنتدى الزهراء، والمبادرة المغربية للدعم والنصرة أنشطة اعتيادية متنوعة تعبر عن المواقف العامة للحركة من قضايا التعليم العالي و المسألة النسائية والقضية الفلسطينية، وفي هذا السياق نذكر أهم الأنشطة المنظمة مثل: تنظيم قسم الشباب في الحركة ندوة وطنية بمناسبة انطلاق الحملة الوطنية لمناهضة الغش في الامتحان يوم 21 ماي 2015، ومشاركة المبادرة المغربية للدعم والنصرة في الوقفة الاحتجاجية أمام البرلمان يوم 11 ماي 2015 المنظمة من قبل الشبكة المغربية للتضامن مع الشعوب ضد زيارة الصهيوني شمعون بيريز لبلادنا . كما استثمرت الحركة النقاش حول الإجهاض وإشكالية لغة التدريس في التعليم العمومي، لتدلي بدلوها في الموضوعين باعتبارهما من قضايا الهوية والقيم التي تشتغل عليها الحركة في مجال فعلها الإستراتيجي، وفي هذا السياق نظم المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة التابع للحركة ندوة حول معضلة الإجهاض يوم الخميس 02 أبريل 2015، كما نظم الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية المقرب من الحركة ندوة علمية حول موضوع " لغة التدريس في منظمة التربية والتكوين: الثوابت الدستورية والواقع العملي" يوم الثالث من أبريل 2015 بالرباط. على المستوى العلمي دشنت الحركة في مقرها المركزي بالرباط سلسلة دروس "سبيل الفلاح" بصيغة جديدة ارتكزت على الاهتمام بأعلام المغرب المعاصر في مجالات العلم الشرعي والفكر والدعوة من أمثال علال الفاسي، والمختار السوسي، والشيخ محمد بن العربي العلوي، وعبد الله كنون وأبي شعيب الدكالي.وقد افتتحت السلسلة العلمية لهاته الدروس بمحاضرة افتتاحية للدكتور أحمد الريسوني بعنوان" معالم التجديد عند علال الفاسي" يوم 16 يناير 2015، ويبرز هذا التوجه الجديد للحركة في الاهتمام بعلماء المغرب وجهودهم التربوية والفكرية بعد طول تغاضي عن هذا التراث، نتيجة للتأثر الكبير بمختلف النظريات الحركية الإسلامية البرانية سواء المشرقية أو المغاربية والعربية.كما يترجم هذا التوجه المحتفي بأعلام المغرب كذلك التفاعل الإيجابي لقيادة الحركة مع الانتقادات الموجهة للتنظيم بخصوص ضعف منسوب "مغربة" برامجها وخطابها. كما نظمت الحركة الملتقى الوطني للباحثين في العلوم الشرعية بمقرها المركزي في 21 شتنبر 2015، بينما تخط أقلام كتابها ومفكريها مقالات فكرية في مجلة الفرقان الفصلية، أوعبر نشر كتب متنوعة في مختلف المجالات المعرفية، تعكس حيوية الإنتاج الفكري في صفوف أطر الحركة التي صارت مهتمة حصريا بمجالات الدعوة والتكوين والتربية أو مجال "القيم" بلغة الحركة، مع التفاعل العام تجاه القضايا السياسية المرتبطة بالهوية، والذي يتحدد في الغالب في دعم التوجهات الملكية القائمة على التدبير التوافقي الهش لمثل هذه القضايا المجتمعية الحساسة لغياب وضوح مشروعها المجتمعي الموسوم بشعار فضفاض هو "المشروع الديمقراطي الحداثي". كما عرف الفعل الحركي للتوحيد والإصلاح، تجلي العمل بخيار الإستراتيجيات الفردية لدى بعض القيادات التاريخية للحركة مثل د.أحمد الريسوني، وذ.المقرئ الإدريسي أبو زيد اللذان أسسا مركزين للدراسات والأبحاث، إذ يترأس الأول مركز المقاصد للدراسات والبحوث بالرباط، بينما يشرف الثاني على مؤسسة الإدريسي الفكرية للأبحاث والدراسات بالدار البيضاء. – التيار السلفي: في خضم سياسة التحييد والتوظيف السياسي: – السلفية التقليدية و إشكالية "الأصلح انتخابيا" تميز السلوك السياسي للسلفية التقليدية بزعامة الشيخ المغراوي في سنة 2015 ، باستمرارها على نهج الحياد السياسي تجاه الأحزاب السياسية، بعد أدائها لضريبة التعاطف السياسي مع حزب العدالة والتنمية في انتخابات 25 نوبر 2011، والتي تجلت في إغلاق دور القرآن التابعة لجميعة الدعوة للقرآن والسنة في سنة 2013 بمبرر عدم الانضباط لقانون التعليم العتيق. وقد أصدر المغرواي بيانا بمناسبة الانتخابات الجهوية والمحلية للرابع من شتنبر 2015 دعا فيه " للتصويت على الأصلح… تحقيقا للمصالح وتقليلا للشر" كما شارك الشيخ المغراوي في تأطير ندوتين بمراكش للدعوة للمشاركة الانتخابية، الأولى كانت حول "التحفيز على المشاركة في الاستحقاقات القادمة أساس التنمية"، والثانية بعنوان "المشاركة في الاستحقاقات المقبلة بين المدلول الشرعي والواجب الوطني". بل تجاوز الشيخ المغراوي الدعم " الشرعي" للعملية الانتخابية ككل، لينزل بثقله وسط أنصاره من السلفيين لدعم مرشح الحركة الشعبية عبد العزيز الدرويش في تجمع انتخابي بجماعة تسلطانت في 30 غشت من سنة 2015، كما استفاد من نفس الدعم مرشح حزب الإتحاد الدستوري عبد المجيد الدمناتي بمقاطعة المنارة، و حظي كذلك مرشح حزب الأصالة والمعاصرة محمد نكيل بدعم سلفيي منطقة سيدي علي بن يوسف. وقد جاء هذا التشتت السلفي في الأصوات على صعيد مدينة مراكش تنزيلا لتوجه المغراوي لتصويت على " الأصلح" ورغبة في الانضباط لمقتضيات سياسية التحييد المطلوبة من قبل السلطة، بغية إيجاد تسوية لملف دور القرآن بعيدا عن أي وساطة من حزب العدالة والتنمية. في حين اتخذ الناشط السلفي حماد قباج موقفا مغايرا لشيخه السابق المغراوي، ودعا في شريط فيديو من أربعين دقيقة للتصويت على حزب العدالة والتنمية، باعتباره الحزب الأصلح، لدفاعه هن تعزيز الهوية الإسلامية، وتمسكه بالإسلام والملكية والبيعة، واعتبر بأن دعوته للتصويت على الحزب تنطلق من رؤية "شرعية ". – السلفية الحركية في مشروع الهيكلة الحزبية عرف شهر ماي من سنة 2015 مفاجأة غير متوقعة في مسار التيار السلفي بالمغرب، إذ التحق عبد الكريم الشاذلي وهو من أحد أبرز المعتقلين على خلفية قانون الإرهاب سنة 2003 في حزب "الحركة الديمقراطية الاجتماعية"، الذي أسسه محمود عرشان؛ الضابط السابق في جهاز الشرطة تتهمه الجمعيات الحقوقية الوطنية بتورطه في انتهاكات حقوق الإنسان في ما عرف بسنوات الرصاص في السبعينات.وقد عرفت لحظة التحاق الشاذلي ومن معه من السلفيين بحزب "النخلة" المغمور في الساحة السياسية حضور كل من الشيعي إدريس هاني و فوزي عبد الكريم القيادي السابق بالشبيبة الإسلامية في توليفة هجينة لا تعكس إلا محاولة النظام في ضبط التيار السلفي وتوظيفه لخدمات أجندته السياسية مقابل العفو عما ما تبقى من الرموز السلفيين المعتقلين، وهذا ما اتضح في العفو عن المعتقل حسن الخطاب بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء في نونبر 2015. كما يعكس هذا الإدماج رغبة السلطات في تشتيت أي تقارب بين السلفيين وحزب العدالة والتنمية استمرارا في رعاية التوازنات الحزبية والسياسية القائمة على إضعاف مختلف الفرقاء. وقد بدت معالم هذاه السياسة تتبلور في استعداد كل من محمد الفيزازي وحسن الخطاب وعبد القادر سوماح لتأسيس جمعية وطنية ذات صبغة سياسية تأجل انعقاد جمعها الأول لأكثر من مرة رغم الإعلان عن ذلك من قبل الفيزازي في الصحف الوطنية. ويبدو من خلال كل ما سبق بأن النظام يستعد لمرحلة ما بعد خروج المئات من السلفيين المعتقلين من السجون في السنوات المقبلة ، من خلال التنسيق مع "الشيوخ السلفيين" الذين قاموا بمراجعات فكرية وسياسية لاحتضان الشباب وإدماجهم في الحياة المدنية والسياسية، لكن يبقى مسار الانخراط في حزب إداري مشلول تنظيميا مثل "حزب عرشان"، أو تأسيس جمعية خاضعة للأجندة السلطوية، خيارا غير ذي جدوى سواء فيما يتعلق بنجاح تأطير الشباب السلفي على أسس التدين الراشد، أو في الاصطفاف في دائرة السلطة لتقويض أي انعتاق نحو الديمقراطية الحقيقة على شاكلة تجربة حزب النور السلفي بمصر. وفي الأخير نخلص إلى خلاصتين أساسيتين بخصوص الفاعل الإسلامي في المشهد السياسي المغربي: – استمرارية تعامل السلطة مع الإسلاميين بمختلف توجهاتهم كتحدي استراتيجي سواء في مجال احتكار المجال الديني أو على صعيد ضبط الحقل السياسي وفق الهيمنة السلطوية، وهذا ما تترجمه بنهج معادلة التهميش أو التوظيف وفق إدماج متحكم فيه. – أدت مشاركة حزب العدالة والتنمية في الحكومة إلى تصاعد منسوب التمايز السياسي بين الفئة المطالبة بالتغيير الديمقراطي الحقيقي وفق التطلعات الشعبية ( العدل والإحسان، من أجل الأمة) وبين منخرطين في سياق في التوافقات الهجينة المفروضة من قبل النظام السياسي( العدالة والتنمية، ورموز من التيار السلفي بمختلف أطيافه.