بقلم : يوسف الرامي قبل بضعة أيام، غمرتني سعادة شعرت إثرها كأن طاقة ملأت جسدي فجأة، و كادت أن تمكنني من التحليق في الجو ساعتها… كل ما في الأمر أنني أبصرت يومها وقت العشاء في المسجد أستاذ اللغة العربية الذي قام بتدريسي خلال سنوات الباكالوريا قبل عقدين من الزمن في ثانوية إبن الخطيب. ترصدته إلى أن قابلته بعد الصلاة. فاقتربت منه و ناديته بلطف: "أستاذ"، فلما إلتفت نحوي ألقيت عليه التحية و قبلت رأسه قبل أن أخبره بأنني أحد تلاميذه. فرح الرجل فرحة صادقة لإحساسه باهتمامي بشخصه. فأعقبني شعوره بعد توديعه الشعور الحماسي الرائع الذي ذكرته في مستهل كلامي. كان هذا الأستاذ جذابا جدا لفرط أناقته و نظافته و حسن سمته، كثير الإعتناء و الإعتزاز بالمادة العظيمة التي إستأمنه عليها ربه و جعلها له سبيلا لقوت يومه. أما أبرز ما كان يميزه، فهو كثرة تصدقه بالتبسم في وجه غيره حتى في حالة كظمه لغيظه. و لقد صدق تلاميذه وأنصفوا آنذاك حين أطلقوا عليه لقب "الأستاذ إبتسامة". تنبه زملائي ذات يوم أن الأستاذ تجاوز درسا و شرع في إلقاء الدرس الموالي. فلما قام البعض بترشيده، شرع في الإقتراب مني مشيرا إلي بسبابته، ثم تناول دفتري المفتوح من بين يديّ و شهره أمام الجميع قائلا: "شرح الدرس المطلوب مدوّن هنا كاملا، إسألوا زميلكم كيف و متى حصل عليه!". لا يوجد لغز في هذا الموقف الذي قد يبدو غامضا سوى أن هذا الأستاذ الجاد المثابر كان قد ألقى علي الدرس بمفردي في الحصة السابقة لمدة ساعتين كاملتين بحزم و ثبات و دون أدنى فتور رغم التغيب الجماعي الذي تزامن يومها مع عشية حلول عطلة دراسية. أزف إليك البشرى يا أستاذي العزيز، أنك بإرتقاءك في تقديم مادتك، جعلتني أحب مادتك التي هي دافعك إلى إرتقاءك، إن لم تكن هي سر رقيك حقيقة. ثم أحب بالتالي و بعد حين القرآن الكريم لكونه أسمى رمز لمادة الرقي تلك، و الذي أرجو بحبه و حب تعاليمه أن أعبر الصراط يوما ما، ثم ألقاك تارة أخرى و أشكر لك فضلك في مقعد صدق عند مليك مقتدر. حياك الله يا سيدي الفاضل المدعو "الأستاذ الرقراقي"، و بارك لنا في عمرك و أضحك سنك في الدارين، و جزاك و أمثالك عنا كل خير!. تلميذك يوسف الرامي طنجة – 2015/08/28