يمكن تجاهل ممارسة بعض الوكالات الإشهارية تجاه وسائل الإعلام، والتي قد تصل إلى خصم مستحقات هاته الأخيرة بنسبة 40 بالمائة، كما يمكن تجاهل تلك الممارسات الخاصة بعمولة الوكالة التي تصل إلى 15 بالمائة، والتي تعتبر غير ضرورية وتجعل من الطلبية التي تم منحها لأحد وسائل الإعلام خدمة قدمتها الوكالة، وهو ما يعتبر أمرا مستهجنا من الناحية الأخلاقية. لكن بعد كل هذا تبدأ الأزمة التي تهدد المقاولة ذات النشاط المزدهر بالموت اختناقا. وتقوم الوكالات التي تشتغل بجدية، وهي نادرة جدا، بتسوية أمورها في ظرف 120 يوما، بعد أن تكون قد توصلت بمستحقاتها لدى المعلنين في ظرف 60 يوما كحد أقصى. وقد تصل تلك المدة في بعض الأحيان إلى ستة أشهر. والأسوأ هو عندما لا تقوم وكالة، يتمتع رئيسها بتغطية إعلامية كبيرة جدا، بتسوية أمورها منذ أكثر من سنة. كما أن المقاولات الإعلامية تتوفر على عدد كبير من الزبناء، ولا يمكنها خلق الموازنة بين ذلك اعتمادا على قرض تمويلي، لأن تكاليف الطبع، الأجور، الضريبة على القيمة المضافة والورق تؤدى في تواريخ ثابتة. والمقاولات الإعلامية متوقفة تقريبا عن الأداء، في الوقت الذي يستثمر فيه أرباب الوكالات في العقار أو يلعبون في البورصة بأموالهم. والبعض يذهب به النصب إلى المطالبة بالخصم، بتقديم شيك يمثل 2 بالمائة من الفاتورة، دون أن يتم صرف ذلك الشيك إلا بعد ستة أشهر. وهذا أمر واقع بالنسبة لكل وسائل الإعلام. الأمر لم يعد متعلقا بالتجارة، بل هو الابتزاز. ولقد تم طرح هذا المشكل في فرنسا بنفس الحيثيات، وتم حله من خلال قانون «سابان» الشهير، حيث ينص هذا الأخير على أن يقوم المعلِن بالأداء مباشرة للمقاولة الإعلامية. وهذا يتماشى واقعية المعاملة، لأن المعلِن هو الذي يقتني الحيز الإعلاني ويستخدمه. نفس المعلن هو زبون الوكالة الاستشارية لا الوسيلة الإشهارية. ومن الناحية الأخلاقية، فإن الوكالات الاستشارية هي المهنة الوحيدة التي تطلب بكل شفافية عمولة من الممول كمكافأة لأنه تم اختياره وتقديمه لمعلن ما. ومن هذا المنظور، فإن الأمر أضحى فضيحة لن تثير وسائل الإعلام فحسب، بل أيضا جمعية المعلنين. ويحصل «المستشارون» على أجورهم من لدن أولئك الذين يشتغلون في حقل الإعلام. ينبغي أن يوضع حد لهاته الممارسات من خلال لعبة المنافسة، فرغم أن عدد الوكالات ارفتع كثيرا، إلا أن ذلك يظل فقط على مستوى الخطاب بخصوص الشفافية في مجال الأعمال، وظل التكثل هو سيد الموقف. لذلك لا بد من وضع تشريع من خلال قانون حماية الحلقة الضعيفة في السلسلة، وهي وسائل الإعلام. ويتعين على أرباب وسائل الإعلام والصحافيين الدفاع عن مهنتهم، وإن لم يفعلوا، فإن المقاولات التي توجد في حالة جيدة ستموت لتسمح لأباب شركات الإشهار بالعيش في مستوى أكبر من إمكانياتهم. مجلة "شالانج"