تتداول المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية في صيغ عملية لتحريك مسارات الحوار الاجتماعي المتجمدة منذ يونيو الماضي، بسبب ما وصفته النقابات غياب الإرادة السياسية لحل الملفات العالقة، وتفاقم مسلسل التسويف وربح الوقت الذي اعتنقته حكومة عباس الفاسي، منذ انطلاق الحوار الاجتماعي رسميا يوم 13 أكتوبر 2008، وكان من النتائج المباشرة لهذا التسويف انسحاب الكونفدرالية الديمقراطية للشغل من طاولة الحوار. وقال مصدر نقابي إن المركزيات فكرت في عدد من الصيغ من أجل الضغط لإطلاق صيرورة الحوار الاجتماعي، ضمنها رفع مذكرة إلى جلالة الملك محمد السادس تطالب بإصلاحات سياسية ودستورية تقوي مؤسسة الحوار الاجتماعي وتدعم قرارات الوزير الأول واتفاقاته، دون تدخل من أي جهة، أو مركز نفوذ مالي، أو سياسي، أو حزبي. وأكد المصدر نفسه أن لقاء جمع أربع مركزيات على الأقل، هي الفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب والاتحاد المغربي للشغل والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، الاثنين الماضي، تداول في بعض هذه الصيغ، مرجحا أن يكون التوجه يصب في اتجاه رفع مذكرة إلى الملك. وقال المصدر النقابي نفسه إن مبادرة النقابات الأربع تأتي في سياق تداعيات اللقاء الإيجابي الذي جمع محمد المعتصم، المستشار الملكي، قبل أيام، مع كل من نوبير الأموي (ك.د.ش) وعبد الرحمان العزوزي (ف.د.ش) والميلودي موخاريق (إ.م.ش) وحميد شباط (إ.ع.ش.م) ومحمد يتيم (إ.و.ش.م). وهو اللقاء الذي جاء بطلب من المستشار الملكي وأطلع فيه الكتاب العامين على متابعة جلالة الملك للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، مؤكدا أن المغرب بصدد تقديم مجموعة من الإصلاحات في المجال الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وعلق المصدر نفسه أن هذا اللقاء كان بمثابة «دوش ساخن» أذاب الجليد المضروب حول مطالب الحركة النقابية المغربية منذ شهور، ما ظل يهدد باستمرار إنضاج شروط التوتر والاحتجاج بعدد من القطاعات المتضررة، وساعد على ظهور بوادر أزمة اجتماعية من أهم تجلياتها تدني القدرات الشرائية لدى الفئات الوسطى، وانتشار مظاهر الفقر وتعميق الفوارق الاجتماعية وتدني الأجور وتفشي البطالة وترهل النظام الصحي وتفاقم أنظمة المعاشات وتراكم ملفات الترقيات لآلاف الموظفين الذين يوجدون اليوم على أبواب التقاعد. ومازالت المركزيات النقابية توجه لوما شديدا إلى حكومة عباس الفاسي العاجزة، منذ أربع سنوات، عن توفير أرضية للتفاهم حول الملفات المطلبية العالقة والمرور إلى اتفاق مشترك بين الفرقاء الاجتماعيين، على غرار اتفاقات سابقة، مثل اتفاق فاتح غشت 1996 مع الوزير الأول عبد اللطيف الفيلالي، واتفاق 19 محرم 1421 من طرف عبد الرحمان اليوسفي الذي قام بتصفية جميع ملفات الاتفاق السابق، بإقرار ترقية استثنائية عن سنوات 1997 و1999 ومراجعة النظام الأساسي للأطباء والمهندسين وتقليص المديونية من 23 إلى 13 مليار دولار. هناك أيضا اتفاق 30 أبريل 2003 الموقع مع حكومة إدريس جطو الذي يحسب له إقرار ترقية استثنائية عن سنوات من 2000 إلى 2002 واستفادة الموظفين بالسلم 1 إلى السلم 9 من تعويض مادي. وفي مقابل استنكافها عن إقرار "اتفاقها المشترك"، ظلت الحكومة، طيلة أربع سنوات، توزع عددا من الامتيازات والهبات المالية على قطاعات أخرى مثل المنحة التي استفادت منها رجال الأعمال بلغت 24 مليار درهم في شكل تخفيض ضريبي من 35 إلى 30 في المائة وزيادة فائدة قروض الليزينك برسم القانون المالي 2008 ودعم قطاع المشروبات الغازية بما قدره 4 مليارات درهم، ناهيك عن إجراءات مالية أخرى تخص الزيادة في أجور السفراء والكتاب العامون للوزارات ورؤساء المصالح وضخ 25 مليار درهم في حساب الجامعة المغربية لكرة القدم. وكان عدد من المنتسبين إلى المركزيات النقابية طالبوا، قبل سنة، بتحكيم ملكي يعيد الحوار الاجتماعي إلى سكته الطبيعية ويعيد الاعتبار إلى عدد من الملفات المطلبية العالقة مثل الزيادة في الأجور بما يتناسب وغلاء المعيشة وإقرار ترقية استثنائية لتصفية تراكمات سنوات من 2003 إلى 2010 ورفع نسبة الكوطا من 28 إلى 33 في المائة ومراجعة نظام احتساب المعاش في النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد. وجاء الخلاص بالخطاب الملكي السامي ليوم أمس الأربعاء 09 مارس 2011،حيث كانت خارطة طريق رئيسية لمغرب الغد المنشود.