الأحزاب الصغرى المتضرر الأول من نمط الاقتراع باللائحة خرجت أغلب الأحزاب الصغرى من الانتخابات التشريعية في شتنبر عام 2007، خاوية الوفاض. وكان رفع العتبة في اعتماد نمط الاقتراع باللائحة سببا كافيا في عدم حصول هذه الأحزاب على مقاعد داخل المؤسسة التشريعية، بل منها من لم يحصل على مقعد واحد. وعندما اقترحت وزارة الداخلية اعتماد نمط الاقتراع باللائحة لتعويض نمط الاقتراع الفردي في انتخابات 2002، استبشرت بعض الأحزاب من هذا النظام الذي كان من بين المدافعين عليه، مقابل ذلك، لم تتوان أحزاب أخرى في الإعلان أن الاقتراع باللائحة الغرض منه ترتيب المشهد السياسي وفق مطامح سياسية كبرى. ولما قررت وزارة الداخلية إعمال تعديلات على نمط الاقتراع باللائحة بالرفع من العتبة الواجب توفرها في اللائحة لكي تفوز بمقعد انتخابي، تأجج غضب السياسيين الذين استشعروا خطورة الأمر، بل منهم من اتهم المدافعين عن هذا الاقتراح بالراغبين في إقصاء الأحزاب الصغرى، التي تعذر عليها بالفعل تحقيق العتبة لأعداد من اللوائح المتقدم بها في الانتخابات التشريعية الماضية. لقد انطلقت "حرب خفية" بين المؤيدين لنمط الاقتراع باللائحة، وبين من يقول بضرورة العودة إلى الاقتراع الفردي، على اعتبار أن الأخير لا يطرح عراقيل تعجيزية للمرشح، إذ يكفي الحسم في الفائزين من خلال إجمالي الأصوات المحصل عليها، أما أن لا تفوز اللائحة، إلا إذا تمكنت من الحصول على نسبة 7 في المائة من إجمالي الأصوات المعبر عنها، فإن هذا مثل امتحانا حقيقيا. والجدير بالذكر أنه عقب كل محطة انتخابية، وبمناسبة بدء الحديث عن تشكيل الحكومة التي ستتولى تسيير الأمور في البلاد، كانت تطرح مسألة ذات أهمية قصوى، تتمثل في "كثرة" الأحزاب الفائزة، دون وجود فوارق فيما بينها. لهذا ارتأى المشرع المغربي، بعد نقاش سياسي طويل، ضرورة التفكير في طريقة انتخابية للحد من بلقنة المشهد الحزبي، فكان الاهتداء ‘لى اعتماد الاقتراع باللائحة، والتصويت ليس على الشخص بعينه، بل على لائحة بأكملها. خلال تجربة الانتخابات البرلمانية لعام 2002، وبحكم اعتماد نمط الاقتراع باللائحة لأول مرة، لم تكن العتبة تتجاوز نسبة 3 في المائة، وهي النسبة التي تخول للائحة الفوز بمقعد واحد. انتهت انتخابات 2002، وبدأ الحديث عن عدم نجاعة النظام بالشكل المنتظر. فالبلقنة مازالت مستمرة وعدد الأحزاب المتقاربة من حيث المقاعد المحصل عليها في المؤسسة التشريعية مازال مرتفعا، فكان لا بد من إدخال تغييرات على النمط نفسه في انتخابات 2007. انتهت الانتخابات بالحسم لفائدة الأحزاب الخمسة الكبرى، مع الملاحظة أن من بين هذه الأحزاب الكبرى، على سبيل المثال، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، من تعذر عليه تحقيق نتائج مشرفة مقارنة مع نتائج انتخابات 2002، آنذاك تعالت الأصوات بضرورة تعديل نمط الاقتراع. ولا غرابة أن مجموعة من الأحزاب بدأت تتجند من أجل المساهمة في النقاش الذي انطلق في الأوساط السياسية حول الطريقة المثلى لضمان اقتراع أفضل في المحطة الانتخابية المقبلة. أما الأحزاب الصغرى، فهي تعي جيدا أن نمط الاقتراع باللائحة لم يقدم لها خدمة، بالعكس ساهم في إقصاءها وفي حصولها على نتائج جد متواضعة. فاعتماد العتبة يبقى بمثابة الخطر الذي يهدد هذه الأحزاب، التي منها من يتشبث بالعودة إلى الاقتراع الفردي الأحادي، هذا النظام الذي يترك المجال ل"التعامل الشخصي" بين المرشح والمواطن. إنه نقاش سياسي يفترض أن يتم الإعلان عن فتحه رسميا من قبل وزارة الداخلية، باعتبارها الجهة التي تدبر موضوع الانتخابات. إنه موضوع يستحق أن يشكل محور مناظرة وطنية، تطلق حوارا هادئا بعيدا عن الحسابات الانتخابية التي لا تخدم البلاد والعباد.